المجتمع الدولي وطالبان.. ترحيب حذر من الجوار وأوروبا تهدد بالعزل

مع سقوط كابول بيد حركة طالبان، توالت ردود الفعل الدولية وكان لافتا انقسامها بين دول الجوار التي سارعت إلى الإعراب عن إمكانية الاعتراف بحكم طالبان، والدول الأوروبية التي هددت بعزل طالبان وإيقاف الدعم المقدم لأفغانستان معربة عن قلقها من عودة أفغانستان لتكون مصدرا للإرهاب.
الصين تعرب عن استعدادها لإقامة "علاقات ودية" مع حركة طالبان
عمران خان: أفغانستان كسرت سلاسل العبودية
روسيا تفتح حوارا حذرا مع طالبان درءا لإرهاب دولي جديد على حدودها
الدول الأوروبية تهدد بعزل أفغانستان وقطع المساعدات
البحرين ستجري مشاورات مع دول الخليج بشأن الوضع في أفغانستان

واشنطن – باغتت سيطرة طالبان على أفغانستان في وقت قياسي المجتمع الدولي الذي انقسم في مواقفه بين دول سارعت إلى إظهار نوع من الود مع الحكام الجدد لأفغانستان ودول منهمكة في إجلاء مواطنيها مع تحميل الأميركيين مسؤولية عودة حكم طالبان إلى أفغانستان.

البعض من أنصار نظرية المؤامرة ذهب في تبرير ما يجري في أفغانستان إلى القول إن الولايات المتحدة وفي حربها ضد الصين، وبدرجة ثانية إيران، يمكن أن تذهب إلى أبعد الحدود مشبهين الوضع في أفغانستان اليوم بما حدث من قبل حين سلحت المجاهدين لمحاربة السوفييت، وكان ذلك بداية الطريق لظهور طالبان ومن ثمة نشأة تنظيم القاعدة، الذي كان سببا في ما بعد في دخول الأميركيين لأفغانستان وإسقاط حكم طالبان بعد أحداث 11 سبتمبر.

وباعتماد تفسير نظرية المؤامرة أو التفسيرات الأكثر واقعية الأخرى واعتبار أن سقوط كابول مرجعه فشل الاستخبارات الأميركية وعدم جهوزية الجيش الأفغاني وعقيدة طالبان المترسخة في بعض الأقاليم الأفغانية، كما الدعم الخارجي للحركة وسنوات المراجعة وتدارك ثغرات الماضي، في كل الحالات تبدو الصين في مأزق، مثلما هو وضع المنطقة بل والعالم ككل.

المأزق الصيني

تشترك الصين في حدود طولها أكثر من 70 كيلومتراً تقريبا مع أفغانستان من الجهة الشمالية الشرقية للأخيرة، وهي حدود مع منطقة شينجيانغ ذات الأغلبية الإيغورية المسلمة، والتي تواجه تضييقا كبيرا في الصين. وانضم عناصر من الايغور إلى حركة طالبان. وتخشى بكين أن يستخدم الانفصاليون الأويغور أفغانستان كنقطة انطلاق لشن هجمات ضدها وقد يعملون على عرقلة المشاريع لصينية الضخمة في المنطقة.

أدركت الصين منذ الإعلان عن الانسحاب الأميركي أنها من الممكن أن تواجه مثل هذا المأزق، وإن كان يناسبها وجود حكومة غير موالية لواشنطن. بدأت بكين من سبتمبر 2019 محادثات مع طالبان التي زار وفد منها الصين آنذاك. وأكد أن أفغانستان لن تكون قاعدة لإطلاق هجمات تستهدف الصين.

فتحت بكين حوارات مع قادة طالبان، كما سارعت بمجرد الإعلان عن سقوط كابول في أيدي أفغانستان إلى الترحيب بإقامة "علاقات ودية" مع حركة طالبان. وأكدت متحدثة باسم وزارة الخارجية الصينية هوا شونيينغ أمام الصحافة أن بكين "تحترم حق الشعب الأفغاني في تقرير مصيره ومستقبله". وأضافت أن متمردي طالبان "عبروا مرات عدة عن أملهم في تطوير علاقات طيبة مع الصين". وقالت المتحدثة الصينية إن سفارة بلادها في كابول "تواصل العمل بشكل طبيعي".

وقال لين مينوانغ، الخبير في شؤون جنوب آسيا في جامعة فودان في شنغهاي، "عندما تُظهر قوة آسيوية كبرى مثل الصين أنها تعترف بالشرعية السياسية لطالبان من خلال مقابلتها بشكل علني، فإن ذلك يمنح طالبان انتصارا دبلوماسيا كبيرا".

وفي انتظار أن تتضح طبيعة العلاقات الصينية الأفغانية بشكل أكبر، سارت دول إقليمية أخرى على نفس الخط المرحب، من ذلك باكستان. واعتبر رئيس الوزراء الباكستاني عمران خان أن أفغانستان كسرت سلاسل العبودية في معرض تعليقه على التطورات في هذا البلد. 

حركة طالبان داخل القصر الرئاسي في كابول بعد انسحاب الرئيس أشرف غني
حركة طالبان داخل القصر الرئاسي في كابول بعد انسحاب الرئيس أشرف غني

وكانت صحيفة نيويروك تايمز قالت في تقرير لها إن موقف باكستان "الودي" تجاه طالبان قد يؤدي لإحراز مكاسب سياسية لصالح خان في الداخل، لا سيما وأن "الكثير من الباكستانيين ينظرون إلى عناصر الحركة كأبطال إسلاميين يواجهون المتطفلين الأجانب".

وسيكون من المثمر بالنسبة لإسلام آباد أن تتوطد علاقة أفغانستان/طالبان ببكين، فذلك سيوفر للطرفين، باكستان والصين فرصة للتضييق على منافستهما الهند، التي تعتبر من بين أبرز الخاسرين من الانسحاب الأميركي من أفغانستان.

أما الجارة الأخرى، إيران، فربطتها علاقات جيدة مع طالبان، وقد كانت ملجأ لقادتها ولقادة تنظيم القاعدة وعائلة أسامة بن لادن. لكن هذا التاريخ قد لا يكون ورقة ضمان لعلاقة مستقبلية ممتازة بين ولاية الفقيه الشيعية و"إمارة أفغانستان الإسلامية" (السنية) التي قالت الحركة إنها ستعلن قيامها قريبا من القصر الرئاسي في العاصمة كابل.

ويقول مراقبون إن إيران، التي تشترك في حدود بطول 921 كم مع أفغانستان، يمكن أن تستفيد من علاقة طالبان بحليفتها قطر، التي رعت محادثات السلام بين الحكومة الأفغانية وطالبان، كما استضافت المكتب السياسي لطالبان في الدوحة، قبل أن تغلقه الحركة في 2013 على خلفية ما اعتبرته "عدم تعامل الأميركيين وحكومة كابول مع الحركة بشكل صادق هذا بالإضافة إلى عدم الإيفاء بالوعود التي قطعت من قبل».

أغلب المؤشرات توحي بأن "خصوم" الولايات المتحدة في المنطقة الآسيوية سيتحولون قريبا إلى حلفاء لحركة طالبان وسيعملون على إعطاء "الإمارة" الجديدة الشرعية التي تحتاجها مقابل تأمين مصالحهم والأهم محاصرة الجماعات الإرهابية متعددة الأهداف والانتماءات والعرقيات.

نسخة جديدة من الإرهاب

عودة القاعدة والتنظيمات الإرهابية أكثر ما يقلق الدول الغربية التي حملت الولايات المتحدة مسؤولية الانهيار الذي حصل والتهديدات التي ستقلب العالم رأسا على عقب وستنتشر شظاياه إلى خارج المنطقة.

وحذر الاتحاد الأوروبي من أن حركة طالبان من أنها ستواجه عزلة دولية. وقال جوزيب بوريل، منسق السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي في بيان "... إذا تمت إعادة تأسيس إمارة إسلامية، فإن طالبان ستواجه عدم الاعتراف والعزلة ونقص الدعم الدولي واحتمال استمرار النزاع وعدم الاستقرار الذي طال أمده في أفغانستان".

وقالت ألمانيا إنها لن تدفع "فلسا واحدا" من مساعدات التنمية إذا سيطرت طالبان على البلاد، فيما قال وزير الدفاع البريطاني بين والايس إن ما حصل "فشل للمجتمع الدولي الذي لم يفهم أن الأمور لا تُحلّ في ليلة وضحاها". كما حذر رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون الدول الغربية من الاعتراف بطالبان كحكومة جديدة في أفغانستان دون اتفاق مسبق.

وبين هذا وذاك تقف تركيا من جهة كونها حليفة الأميركيين، وقد عرضت حماية مطار كابول عسكريا، ومن جهة أخرى تتطلع لعلاقات جيدة مع طالبان التي سبق ورفضت مقترح تركيا بخصوص حماية مطار كابول بل وهددتها معلنة أنها ستعتبر القوات التركية في أية منطقة من أفغانستان بمثابة قوات احتلال. 

الموقف الخليجي

 ذكر المكتب الإعلامي لحكومة البحرين على تويتر أن المملكة ستجري مشاورات مع دول الخليج العربية الأخرى بشأن الوضع في أفغانستان، وذلك بصفتها رئيس الدورة الحالية لمجلس التعاون الخليجي.

وقطر، التي استضافت محادثات سلام أفغانية غير حاسمة، هي الدولة الخليجية الوحيدة حتى الآن التي علقت على الوضع في أفغانستان منذ أن سيطرت حركة طالبان على العاصمة كابول، إذ دعت إلى انتقال سلمي للسلطة وتسوية شاملة.

وكانت المملكة العربية السعودية من أوائل الدول التي اعترفت بحكم طالبان في التسعينات، إلى جانب باكستان، وتلتهما الإمارات. لكن اليوم يبدو الوضع مختلفا فالسعودية الجديدة تعمل على الابتعاد عن كل ما ربط صورتها في الماضي بالتشدد وبدعم الحركات المتطرفة وبأحداث 11 سبتمبر.

ويلخص الباحث في الشؤون الإستراتيجية كبير تانيجا الموقف الخليجي بقوله "في عام 2021، قد يكون لمعضلة أفغانستان مجال محدود للغاية للمناورة في الخليج".

اعتراف روسي ولكن

غداة سقوط كابول الاثنين، كان السفير الروسي ديمتري جيرنوف على تواصل مع طالبان على أن يلتقي منسقها الأمني الثلاثاء. وصرح للقناة الروسية التلفزيونية العامة "لقد ضمنوا لنا مجددا أنهم لن يمسوا شعرة واحدة لدبلوماسي روسي (وقالوا): يمكنكم العمل باطمئنان".

وإذا كانت موسكو أكدت في الأيام الأخيرة إخفاق خصمها الأميركي بعد حرب استمرت عشرين عاما في أفغانستان، فإن بيت القصيد لا يكمن هنا. فما يشغل الروس قبل كل شيء هو تجنب ظهور نماذج أخرى لطالبان في المنطقة.

وللروس خبرتهم مع الجهاديين في القوقاز والذين حظوا بدعم طالبان بين العامين 1990 و2000، فضلا عن تصديهم لتنظيم الدولة الإسلامية في سوريا خلال الأعوام الأخيرة.

ويقول الخبراء الروس أن روسيا ستعمل تاليا على توثيق علاقاتها مع منطقة تعتبرها حديقتها الخلفية. وأشار المحلل أركادي دوبنوف إلى أنه "انطلاقا مما يجري في أفغانستان، ستعمد موسكو بالتأكيد الى تعزيز تعاونها العسكري في آسيا الوسطى".

وفي هذا السياق، تتوقع طاجيكستان توسيع القاعدة العسكرية الروسية على أراضيها، ومساعدة من جانب موسكو لضمان حدودها في شكل أكبر.

ورأى فيودور لوكيانوف أنه "مقارنة بما كان عليه الامر قبل عشرين أو 25 عاما، فإن إمكانات روسيا باتت أكبر بكثير وكذلك ثقتها بنفسها".

 والمفارقة هنا أن طالبان مصنفة "إرهابية" ومحظورة في روسيا، لكن ممثليها يتم استقبالهم على الدوام كمحاورين أصحاب صفة شرعية. حتى أن كابولوف اعتبر أن موسكو يمكنها الاعتراف بحكم طالبان إذا كان سلوك الحركة "مسؤولا"، بمعنى إلا تسعى مجددا إلى رعاية الحركة الجهادية الدولية وأن تتخلى عن طموحاتها الإقليمية.

وهذا أمر ستكشفه الأيام المقبلة وطريقة تعامل بقية المجتمع الدولي مع طالبان، كما مآلات الموقف الأميركي.