المجلس الإسلامي السوري وزواج القاصرات

هذا أمر خطير للغاية ويستحق منهم فتوى واضحة صريحة بتحديد سن الزواج وتحريم هذا النوع من الزيجات بدل التحريض عليه والترغيب به فالأوليات خلل واضح يراه القاصي والداني ووجب على الفقهاء الارتقاء بأولوياتهم وإعادة النظر فيها!

بقلم: عبد الحفيظ شرف

أصدر المجلس الإسلامي السوري فتوى يمنع فيها اللاجئين السوريين في بلاد الغرب من الزواج بنساء يدينون بغير دين الإسلام، وشملت الفتوى منع الزواج من النساء المسيحيات أو اليهوديات؛ مع العلم أن الدين الإسلامي يطلق على المؤمنين بالمسيحية واليهودية "أهل الكتاب"، وأجاز الزواج من أهل الكتاب وهذا متعارف عليه منذ الأزل.

إلا أن المجلس الإسلامي السوري رأى أن هذا الموضوع يمثل أهمية قصوى، خصوصا في ظل الأوضاع التي تمرّ بها سوريا، فأصدر الفتوى ووقع عليها عدد كبير ممن يطلق عليهم اسم علماء الشام.

قرأت في الفتوى الصادرة عن المجلس الإسلامي السوري أن الزواج من غير المسلمة فيه أضرار كثيرة ومنها "منع ولاية الزوج على الزوجة والعائلة" بحكم الأحكام الخاصة ببلاد الغرب؛ وكذلك "الخشية على ذرية المسلم بأن ينشؤوا على غير دين الإسلام"؛ وثالثها أثر هذه الزيجات على بنات المسلمين بأن يعزف الشباب عنهن ليذهبوا للزواج من أهل الكتاب. وبناء عليه صدر القرار والفتوى بمنع هذه الزيجات بالكلية من المجلس الإسلامي السوري.

لدي عدة ملاحظات وأسئلة للسادة العلماء في المجلس الإسلامي السوري وهي:

أحب أن أذكركم أن بلادنا تعيش حالة حرب مخيفة. قتل من أبنائها ما يصل نصف مليون بكثير، وتوقفت المؤسسات الدولية عن إحصاء الضحايا لكثرتهم؛ واعتقل مئات الآلاف؛ وهجر الملايين من ديارهم وتدمرت البلد والبنى التحتية؛ وانتشر الإرهاب والفكر التكفيري؛ وحرم مئات آلاف الأطفال من الدراسة والمدارس؛ وهناك آلاف المفقودين.

كان حريا بكم أن تقوموا بدوركم في محاربة الفكر التكفيري، الذي انتشر وتغلغل في عقول بعض الشباب المتحمس، كما كان عليكم أن تقوموا بدوركم في التحريض على التعليم والعودة إلى المدارس، فقد صرف المجلس الإسلامي مبالغ كبيرة في إنشاء حلقات تحفيظ القرآن الكريم بدلا من المساعدة في إنشاء المدارس والمساهمة في إعادة عجلة التعليم.

من يتابع عمل المجلس، يدرك أن كثير من الأولويات مقلوبة لدى المجلس الإسلامي السوري، وهو أمر يتشاركه المجلس مع أغلبية المجالس والهيئات العلمية الإسلامية في الوطن العربي بشكل عام.

الأمر الثاني، وهو في صلب الفتوى بحد ذاتها: فكيف لكم أن تحرموا ما أحلّ الله بشكل واضح وبآيات صريحة في القرآن الكريم؟ وأعتقد أن كل الموانع التي ذكرت في الفتوى لم تتغير من فترة طويلة وجواز الزواج من أهل الكتاب معلوم بالضرورة في الدين الإسلامي!

المانع الأول الذي ذكرتموه في الفتوى، وهو ما يخص عدم ولاية الزوج على زوجته وعائلته، فأحب أن أخبركم أيها السادة العلماء أن القانون يسري على الجميع في تلك البلاد سواء كانت الزوجة مسلمة أو غير مسلمة، ولا فرق بين المواطنين والمقيمين في تلك البلاد دينيا أو عرقيا أو مذهبيا والجميع تحت القانون سواء.

لكن مع الأسف أنتم لا تعرفون الكثير عن بلاد الغرب، وغير مطلعين على التفاصيل الحياتية والاجتماعية والقانونية هناك والتي هي جزء مهم جدا لأي مفتٍ. لو كنت تعرفون، لأدركتم أن دين الإنسان في بلاد الغرب لا يوفر له استثناء من القانون؛ فضرب الزوجة ممنوع في القانون بغض النظر عن دينها؛ والاغتصاب الزوجي ممنوع، وغير ذلك كثير القضايا.

ولي عتب كبير، على علماء سوريا، في اختيار المصطلحات في الفتوى وإطلاق لفظ "ديار الكفر" على دول أوروبا وأميركا، وهي التي استقبلت ملايين اللاجئين السوريين وأكرمتهم واحتضنتهم، وصرفت عليهم عشرات مليارات الدولارات، ووفرت لهم سكنا آمنا وبيئة تعليمية ليبدؤوا مرحلة جديدة من الاندماج في المجتمع وليتخلصوا من الآثار النفسية للحرب المروعة في سوريا.

في المقابل ديار الإسلام كما تحبون تسميتها فقد هرب منها ملايين الناس خوفا على حياتهم، أو رعبا من الديكتاتوريات والفساد والظلم والجور، أو رغبة في الحرية والكرامة.

كما أحب أن أضيف أن ديار الإسلام لم تقدم للاجئين عشر ما قدمته أوروبا لهم من كرامة وعزة وأمن وفرص عمل لهم ولعائلاتهم، فكان الأحرى بكم أيها السادة العلماء أن تحترموا ما قُدّم لأبناء بلدكم وأن تحترموا أبناء بلدكم في الوقت عينه، بدل استخدام مصطلحات قد تكون طريقا ووسيلة تُستخدم لدفع البعض من شباب بلادهم المتواجدين في "بلاد الكفر" المزعومة، إلى التطرف والإرهاب ضد المجتمعات التي استقبلتهم.

السؤال الثالث لماذا لم يلفت انتباهكم واهتمامكم أيها السادة العلماء آلاف القصص لعائلات سورية لاجئة زوجت بناتها اليافعات القاصرات في سن صغيرة بسبب الأعباء المالية المتراكمة على الأسرة!

لماذا لم يلفت انتباهكم زواج الصغيرات والذي انتشر بشكل مرعب بين اللاجئين السوريين في مخيمات الأردن ولبنان وتركيا لتصدروا الفتاوى بتحريم زواج الصغيرات؟

هل يعلم القيمون على المجلس الإسلامي السوري أن نسبة زواج القاصرات ارتفعت إلى أكثر من 35 في المئة من نسبة الزيجات بين اللاجئات السوريات في الأردن؟

هل يعلم المجلس أن هذه الظاهرة عادت لتنتشر في تركيا رغم المنع القانوني؟ وقد انتشرت مؤخرا قصة اللاجئ السوري الذي يبلغ من العمر 27 عاما سنة وتزوج من بنت يافعة تبلغ من العمر 12 سنة وأنجب منها طفلة، وقد قام الطبيب المعني بعلاجها وعلاج ابنتها الصغيرة بإبلاغ السلطات التركية لتقوم الأخيرة باعتقاله وإيداعه السجن على ما ارتكب من ظلم واستغلال جنسي لهذه البنت الصغيرة.

هل يعلم المجلس أن فتيات بأعمار الزهور يُجبَرن على ترك المدارس والتعليم في المرحلة الابتدائية والمتوسطة ليتزوجن برجال يكبرهن سنا بكثير لتتخلص العائلة من العبء المالي، وكأن هذه الفتيات أصبحن صفقة تجارية يستغلها الأهل لتحسين أحوالهم المادية.

ويشار إلى أن أغلب عقود هذه الزيجات تتم خارج المحاكم وتكون بالغالب قصيرة الأجل وتتفاقم آثارها بعد حصول الطلاق. أعتقد أن هذه العقود ما هي إلا غطاء شرعي للاستغلال الجنسي ضد القاصرات؛ وبدلا من إصدار فتاوى شرعية بتحديد سن الزواج ومنع زواج القاصرات تجد العلماء الأفاضل ينهمكون في إصدار فتاوى الترغيب في "الزواج المبكر" وهو لفظ مخفف ومحبب لدى رجال الدين وأتباعهم وحقيقته هو "زواج القاصرات".

ألا يعتقد السادة العلماء أن هذا أمر خطير للغاية ويستحق منهم فتوى واضحة صريحة بتحديد سن الزواج وتحريم هذا النوع من الزيجات بدل التحريض عليه والترغيب به؟

أعتقد أن الأوليات لديكم أيها السادة العلماء فيها خلل واضح يراه القاصي والداني ووجب عليكم أن ترتقوا بأولوياتكم وتعيدوا النظر فيها!

عن الحرة