المحاصصة تحبط انتخاب أعضاء المحكمة الدستورية في تونس

سياسيون يتهمون النهضة بالتعنت في دعم المرشح العياشي الهمامي وذلك في اطار المماطلة لمنع ارساء المحكمة.
تعنت الاسلاميين في دعم العياشي الهمامي صعد الخلاف بين الكتل النيابية
لا توجد ارضية فكرية مشتركة بين التقدميين والاسلاميين فيما يتعلق بالمحكمة الدستورية

تونس - فشل البرلمان التونسي الأربعاء مجددا في انتخاب أعضاء في المحكمة الدستورية التي نص عليها الدستور بسبب عدم التوافق بين الكتل البرلمانية.

وباشر النواب ال217 صباح الأربعاء انتخاب المرشحين لعضوية المحكمة الدستورية، لكن لم يتمكن أي منهم من الحصول على 145 صوتا وهو العدد اللازم الذي ينص عليه الدستور التونسي.

وازدادت المطالبات بتشكيل هذه المحكمة في تونس عقب تعرض الرئيس الباجي قائد السبسي (92 عاما) نهاية شهر حزيران/يونيو الفائت "لوعكة صحية حادة" نقل اثرها الى المستشفى للعلاج.

وتضم الهيئة وجوبا 12 عضوا ويجب أن يتمتع كل فرد بخبرة لا تقل عن عشرين عاما وان يكون ثلاثة أرباعهم من المتخصصين في القانون.

ويعين رئيس الجمهورية أربعة أعضاء والمجلس الأعلى للقضاء أربعة آخرين.

ويواجه البرلمان منذ العام 2014 صعوبات في استكمال انتخاب ثلاثة اعضاء باقين بسبب غياب التوافق على المرشحين ولم يتمكن سوى من انتخاب القاضية روضة الورسيغني في جلسة عامة في آذار/مارس 2018.

كما لم يتمكن النواب في جلسة عقدت في نيسان/ابريل الفائت من استكمال الانتخاب.

ومن المنتظر ان يجتمع مكتب البرلمان الخميس ليحدد موعدا لجلسة مقبلة.

ويقول الخبير في القانون الدستوري والرئيس الأسبق للهيئة العليا المستقلة للانتخابات شفيق صرصار إن هذه الهيئة التي يطالب المجتمع المدني بتشكيلها تعتبر "مفتاح الحل في نظام الدولة".

المحكمة الدستورية تعتبر مفتاح الحل في نظام الدولة

ويوضح أنها ايضا "حارس الدستور وسلطة رقابة على تطبيق الدستور، اذ ستراقب بذلك الجانب التنفيذي والتشريعي معا".

وينص الفصل 120 من الدستور التونسي على ان المحكمة الدستورية "تختص دون سواها بمراقبة دستورية مشاريع القوانين بناء على طلب من رئيس الجمهورية أو رئيس الحكومة أو ثلاثين عضوا من أعضاء مجلس نواب الشعب". كما تنظر في المعاهدات الدولية وتطبيق قانون الطوارئ.

الى ذلك، "تلعب دورا ليس فقط في مراقبة دستورية القوانين ولكن أيضا في الاستقرار السياسي في البلاد لأنها هي التي تعلن عن الشغور في منصب رئاسة الجمهورية".

تلعب دورا ليس فقط في مراقبة دستورية القوانين ولكن أيضا في الاستقرار السياسي في البلاد

وأطلقت منظمة "البوصلة" المتخصصة والتي تتابع من قرب أعمال البرلمان، في الخامس من تموز/يوليو حملة تطالب فيها بتشكيل المحكمة الدستورية "اليوم قبل الغد" و"الضغط" على النواب لاستكمال انتخاب باقي الأعضاء.

ويرى صرصار أن البطء في عدم تشكيل المحكمة يعود الى السياسيين والأحزاب الممثلة في السلطة "لانهم يخشون أن تحد هذه المحكمة من سلطتهم"، لافتا الى ان الكتل البرلمانية تريد "أعضاء مستقلين وليس حلفاء لأحزاب سياسيين".

ووجه مراقبون انتقادات لحركة النهضة بالوقوف في وجه الجهود التي تبذلها مختلف الكتل داخل البرلمان للتوافق حول مرشحين المحكمة الدستورية.

وقالت النائبة عن افاق تونس ريم محجوب في إذاعة " موزاييك" المحلية ان النهضة تساوم في ملف المحكمة الدستورية من خلال اصرارها على دعم المرشح العياشي الهمامي او رفض ارساء المحكمة ما يهدد الانتقال الديمقراطي.

وللنهضة مرشحها لعضوية المحكمة الدستورية وهو عبد اللطيف البوعزيزي لكنها تدعم في نفس الوقت العياشي الهمامي وهو مرشح الكتلة الديمقراطية.

وكان النائب عن الكتلة غازي الشواشي نفى ان يكون العياشي الهمامي مرشح النهضة وانها قبلت به فقط في اطار التوافقات أي القبول بالهمامي مقابل القبول بعبد اللطيف البوعزيزي ما يؤكد ان المحكمة الدستورية تخضع لمبدأ المساومة والمحاصصة.

ووصفت ريم محجوب مواقف النهضة بالمتعنة في وقت تعيش فيه البلاد على وقع توترات مع اقتراب الانتخابات التشريعية والرئاسية.

ونفى القيادي في النهضة نور الدين البحيري في تدوينة بصفحته الرسمية على الفايسبوك التهم الموجهة للحركة قائلا " تصريح محجوب محض افتراء لأنّنا نعتبر في كتلة النهضة أنّ تركيز المحكمة الدستورية أولوية وطنية عاجلة دعونا وندعو المعترضين على العياشي الهمامي إلى رفع اعتراضهم اقتداء بما فعلناه في عضوية هيئة مكافحة الفساد وفِي عضوية المحكمة الدستورية بقبولنا بدعم مرشّحيهم".

ويري البعض ان تصريح القيادي في النهضة دليل على ان المنصب اصبح خاضعا للمحاصصة الحزبية والتموقعات السياسية عوض ان تكون الكفاءة والخبرة القانونية هي المحدد الاساسي لهذا المنصب الحساس.

وانتقدت المحامية مايا الكسوري في مداخلة على قناة تونسية خاصة مواقف النهضة قائلة بان الحركة لم تتخلى عن خلفيتها الاخوانية في التعامل مع هيئات هامة متهمة النهضة بالسعي لان تكون المحكمة وسيلة لتطبيق مفاهيم متشددة للدين لا تخرج عن اطار الشريعة.

واوضحت القسوري انه لا توجد ارضية مشتركة بين التقدميين والاسلاميين فيما يتعلق بالمحكمة الدستورية لان البعض يريد منها ان تتحول الى محاكم شرعية متابعة " سنشهد ازمات عندما تنظر المحكمة في ملفات وقوانين هامة على غرار قضية المساواة في الميراث.

وكانت النهضة دعت إلى تعديل قانون الهيئة الوقتية لمراقبة دستورية مشاريع القوانين بحيث تتولى مهام المحكمة الدستورية وهو ما اعتبره سياسيون محاولة من النهضة للمناورة ودليلا على رفض الحزب لارساء المحكمة الدستورية.

وردا على تلك الدعوات قال القيادي في نداء تونس رضا بالحاج ان النهضة تواصل من خلال بيانها المناورة لتجنب تركيز المحكمة الدستورية من خلال اقتراح تغيير صلاحيات الهيئة الوقتية لمراقبة دستورية القوانين التي تنحصر حسب الفصل 148 الفقرة 7 من الدستور، وإسنادها صلاحيات خصها الدستور صراحة وحصرا للمحكمة الدستورية”.

واضاف "لابد لحركة النهضة أن تتخلّى عن مناوراتها التي تهدف أساسا إلى إضعاف رئيس الدولة من خلال منعه من تعيين أعضاء المحكمة الدستورية".