المحكمة الإتحادية وتركمان كردستان

كردستان قد تكون مقبلة على برلمان يحرم التركمان والأحزاب الصغيرة والإسلامية من التمثيل.

خلال انتخابات برلمان كردستان في أيلول/سبتمبر 2018  فاز الحزب الديمقراطي الكردستاني (البارتي) بالأكثرية، وكان ذلك أمراً متوقعاً بالنسبة للكردستانيين، وكذلك للآخرين الذين يراقبون وضع الإقليم، فمسيرته الطويلة وإنجازاته التي إرتكزت على الأولويات المهمة، وإنتهاجه مساراً حكيماً في التعامل مع مختلف الأطياف من قوميات وإثنيات تعيش على أرض كردستان، منحاه الأحقية في قيادة الإقليم ورسم سياسته ورعاية مصالحه، ودفعا الناخب الكردستاني لاختياره والتصويت له.

أما الأحزاب الأخرى التي حصلت على مقاعد أقل من توقعاتها، أو بالأحرى التي تراجعت ونالت ما تسحق من مقاعد برلمانية، فقد بادرت في إلقاء اللوم على قانون ومفوضية إنتخابات الإقليم وساهمت بعضها في تلبيد الاجواء والتخندق خلف ستار التضليل والتشويه والتشبث بأفكار عفا عليها الزمن، كي تستغلها كذريعة للمطالبة بإمتيازات خاصة وصلت بعضها الى درجة المستحيل في ظل القانون. وخلال الدورة البرلمانية الخامسة التي بدأت في 2018 وإستمرت لغاية 2023، طالبت بعض الأحزاب بتعديل قانون الإنتخابات، ووصفت القانون الانتخابي بأنه "قديم جداً وفقد روحه، ولم يعد نافعاً في الوقت الحالي، ولا يتناسب مع متغيرات الحياة السياسية"، على الرغم من تعديله من قبل برلمان كردستان، ووصفه من قبل فقهاء القانون بأنه قانون مكتمل ليس فيه أي ثغرات قانونية.

مع ذلك جرت مداولات ومناقشات مستفيضة وتوافقات وطنية وسياسية لإعادة النظر في القانون المذكور وتعديله، ولكن وجود النوايا المبيتة التي كانت تهدف الى تأخير الحسم فيه الى حين إنتهاء الدورة البرلمانية، ومحاولات إغتيال الحقيقة خوفاً من النتائج المتوقعة في ظل أزمة المصداقية والانهيار التي كانت تعيشها بعض الأحزاب نتيجة لأخطائها الفادحة التي إقترفتها، حالت دون ذلك، وبقي القانون مركوناً على رفوف البرلمان الكردستاني لنحو سنتين كاملتين. ولم يتم إجراء الإنتخابات في موعدها الدستوري. وهذا ما حدى برئاسة الإقليم الى تأجيل موعد الإنتخابات لعام كامل وتحديد موعد جديد. وخلال ذلك، لم يحاول بعضهم التعاطي مع التحديات القائمة بحكمة لحين إنتهاء العواصف، وطرحوا مطالب لا تخلوا من التراجع الى الوراء في المجالات التي تتعلق بمبادئ الديموقراطية والحقوق المدنية والحريات العامة والاستحقاق المكوناتي في سبيل إستثمار المواقف سياسياً وشعبياً، ورفعوا سقف مطالبهم عالياً على غرار دعوتهم الى طاولة المشاورات في مسارات معينة كانت من أولوياتها، إعاقة إجراء الإنتخابات بكل الوسائل، وبعثرة أصوات البارتي والعصف بحقوق المكونات التركمانية والمسيحية والبحث عن تصورات جديدة لتقليل عدد مقاعدهم في الكوتا، أو توزيعها على الجغرافيا الكردستانية.

وعوضاً عن تناول الأمور بوعي ورؤية واقعية واضحة، والتصرف بعقلانية، وتهرباً من مأزق الانتخابات، وتغطية للخلافات الناشبة بين صفوفهم، لجأ البعض الى المحكمة الإتحادية لتسجيل دعاوي تتعلق بالكوتا وقانون الإنتخابات، ظناً منهم (وبعض الظن إثم) أن المحكمة ستنصرهم ما دام الطرف الآخر هو البارتي.

المحكمة الإتحادية أجلت إصدار الحكم بهذا الشأن لعدة مرات، ومن المقرر أن تعقد جلسة جديدة حول الموضوع في يوم 5 تشرين الثاني/نوفمبر 2023 لتحسم الجدل والسجال. وإذا قررت رد الدعوة، وهذا هو المتوقع لأنها على علم بأن الإقليم والعراق والمنطقة برمتها تعيش على صفيح ساخن وفي ظروف مليئة بالهموم والتنازع والتعقيد ولا تريد أن تصب الزيت على النار، سيتم إجراء الانتخابات التشريعية المزمعة في 25 من شهر شباط /فبرايرالمقبل وفق القانون النافذ دون توترات، أما إذا حكمت لصالح المشتكي الذي يطالب بإلغاء التعديلات وإعادة القانون إلى نسخته الأصلية، عندها تتحمل مساءلة التاريخ، وستجرى الإنتخابات وفقا لقانون المجلس الوطني الكردستاني لعام 1992، ويحرم تركمان كردستان من المشاركة في البرلمان.

والمفارقة المضحكة المبكية هنا هي أن الذين رفضوا القانون الحالي، المعدل ست مرات بالإعتماد على الشرعية القانونية والبرلمانية، ووصفوه بالقديم الفاقد للروح وغير المناسب مع متغيرات الحياة السياسية، سيتعاملون مع قانون قديم شرع في 1992 من قبل الجبهة الكردستانية بالإستناد على الشرعية الثورية، قانون لا يحتوي على وجود الكوتا للتركمان،  ويحرم الأحزاب التي لا تفوز بأكثر من 7% من المقاعد من المشاركة في البرلمان، وهذا يعني أننا (ربما) نجد برلماناً بدون التركمان والأحزاب الإسلامية والأحزاب الصغيرة التي تضيف الثقة والجمالية للمشهد السياسي والبرلماني في الإقليم.