المخدرات خطر داهم يهدد الكويت

‏الكويت - من فيصل الزيد‏
ادمان المخدرات هو بداية النهاية

"أنتم معشر الصحفيين لا يهمكم من أمر هذا المرض ‏الاجتماعي الخطير سوى الاثارة ولا تهتمون بدراسته كظاهرة حلت في كل بيت وانتشرت ‏كالنار في الهشيم ولم تتطرقوا الى محاولة علاجها من جذورها". ‏بهذه العبارات التي تشبه اطلاق الرصاص استهل أبو محمد عتابه على الصحفيين بسبب طريقة تغطيتهم لظاهرة المخدرات التي ازداد ‏انتشارها في المجتمع الكويتي.
وأبو محمد الذي كان في مقبرة الصليبخات بعد فقده حفيده أحمد لتناوله ‏جرعة زائدة من المخدرات أودت بحياته في الحال يقول "ان التغيير الحاصل في المجتمع ‏هو السبب" لافتا الى ان "الكويت لم تعد كما كانت في الماضي حيث الطهر والنقاء ‏والعفوية والتوادد".
وتساءل بحرقة وهو يودع حفيده الى مثواه الاخير "هل حقا هناك 20 ألف مدمن راحوا ‏ ‏ضحايا الادمان القاتل" مدافعا عن أسلوب تربيته لابنائه وأحفاده قائلا "ليس صحيحا ‏أن الاهل هم الذين يتحملون المسؤولية. هذه أعذار لا نتقبلها".
الا أن الحاج بو محمد البالغ من العمر 70 عاما تراجع بعض الشيء عن مقولته ‏قائلا "ان عددا من الناس لا يتابعون أبناءهم ولكن يجب أن نكون صادقين مع أنفسنا ‏ونعترف أن التربية السليمة تنشأ جيلا نافعا لنفسه ولوطنه".
ونترك الحاج أبو محمد تترقرق من عينيه دموع الحزن والاسى على حفيده للتحدث مع ابنه جاسم والد الضحية أحمد الذي رفض الحديث واكتفى بالقول تهكما "يجب ضبط ‏الرؤوس الكبيرة فهؤلاء يعيثون في الارض فسادا". وطلبت منه التوضيح فيما يقول لكنه ‏رفض.
وعند سؤال أحد المسؤولين الامنيين في الكويت عن الظاهرة ‏قال "ان المخدرات كارثة والصحافة لا هم لها سوى نقل أخبار الجرائم والمتعاطين ‏ولكنكم لا تساعدوننا على فهم الظاهرة التي تفاقمت".
ويقول المسؤول السابق وهو متقاعد حاليا ولم يشأ ذكر اسمه ان الضجة ‏والعاصفة التي تنشر حول ظاهرة المخدرات تصبح شيئا عاديا مع الزمن اعتمادا على ضعف ‏الذاكرة موضحا "ان القضية ليست مسؤولية وزارة او بيت او مدرسة بل مجتمع بأكمله. ومادام هناك رؤوس فحتما سيظل العنكبوت ينسج خيوطه ويأبى أن تنقطع".
وعند الحديث مع المسؤول الامني عن دور الصحافة ومحاولات رجال الدين والتربويين ‏وأولياء الامور تشخيص الظاهرة والسعي الى ايجاد حلول ناجعة لها قال "ماذا ‏تجدي محاولة الاصلاح اذا كان الفساد سيعود من جديد".
ويضيف"ان الوزارة لا تألو جهدا في اقامة المؤتمرات ونشر برامج التوعية ‏ولكننا في حيرة من الاعداد الهائلة للمدمنين والمتعاطين وتجار المخدرات ‏والمهربين".
ويضيف أن المهربين "ابتكروا حيلا كثيرة لترويج هذه الآفة ونعلم بوجود وسطاء ‏لهم في المجتمع وهي ازمة للمجتمع والمسؤول في البلد".
ويوضح المسؤول الامني "ان ما نحتاج اليه في الكويت هو انشاء مركز للمعلومات ‏يجمع المعلومات ويحللها لتكون جاهزة لاتخاذ القرار في قضية المخدرات".
وردا على سؤال ان كان "الجميع" سيقدمون معلومات حقيقية عن الظاهرة أجاب ‏المسؤول "الجميع يخشون تقديم بيانات حقيقية عن أنشطة المهربين والمخادعين ‏والمتعاطين ربما خوفا من كشف أوراقهم أو لاسباب اجتماعية الا ان الحل من دون ‏منظور علمي مبني على حقائق لن يحل المشكلة الحقيقية للمتعاطين".‏
وتجمعت الاسئلة لكي توجه دفعة واحدة الى الامين العام ‏للجنة الوطنية لمكافحة المخدرات الدكتور عويد المشعان الذي أجاب عنها في ندوة ‏توعوية نظمها مركز صباح السالم التخصصي حيث يقول "ان معظم الدراسات أثبتت أن ‏الصحبة السيئة - وليست الصحافة كما يقول أبو محمد - هي احد العوامل الاساسية ‏للادمان فلا بد من متابعة الابناء وتلمس مشكلاتهم حتى لا يقعوا في شباك الادمان".
ويبين أن هناك آثارا اقتصادية تنجم عن تعاطي المخدرات "لان المتعاطي يصرف ‏مبالغ كبيرة جدا وقد تصل به الامور الى السرقة من أجل توفير المال. واجتماعيا ‏هناك نوع من العنف الاسرى ينشأ بين أفراد العائلة سواء كان عنفا ضد الزوجة او ‏الابناء".
ويضيف "من الآثار الناجمة عن تعاطي المخدرات الآثار النفسية فقد يصاب المتعاطي ‏بالاكتئاب والقلق وقد يصاب بنوع من الوسواس او انفصام الشخصية".
ولم يدع القانون الكويتي هذه الظاهرة تتفاقم دون تطبيق العقوبات على مدمني ‏المخدرات ومتعاطيها والمتاجرين بها فتقضى عقوبة الاعدام على كل من يحاول تهريبها ‏واخف عقوبة للمتعاطي خمس سنوات فيما تصل عقوبة الاتجار الى 15 سنة وتتم مضاعفتها ‏في حالة العودة وتشدد العقوبات على كل الموظفين العموميين مثل رجال الشرطة ‏والجمارك وكل على من يستخدم قاصرا في بيع المخدرات وخصوصا بالقرب من المدارس.
ويشارك مصدر امني اخر في التحقيق ليكشف في بيان وزع على الصحافة مؤخرا اساليب العلاج المستمر وهو منحى وزارة الداخلية نحو تعزيز الاسلوب العلاجي للمدمنين ‏والرعاية اللاحقة بهم مشيرا الى ان الوزارة لن تكتفي بضبط المدمنين والرعاية ‏اللاحقة فقط بل ستتابع علاجهم في المصحات التي سيحالون اليها بالتعاون مع بقية ‏الجهات المتخصصة كوزارة الصحة‏.
ويؤكد المصدر "ان محاربة تجار المخدرات مستمرة ولن تتوقف" مشيرا الى ‏الحملات التي تشنها وزارة الداخلية على تجار السموم ومتعاطيها.
ومن المحاولات الحكومية لمساعدة المتعاطين الذين زجوا في السجون مشروع انشاء ‏مركز لمعالجة الادمان داخل السجن المركزي يحتوي على 116 زنزانة انفرادية وعنبرا ‏للحجز الجماعي يضم 36 زنزانة جماعية ويتسع لحوالي 300 نزيل.
وسيلقى بعض المتخصصين والاكاديميين ورجال الدين محاضرات توعية حول اخطار ‏ادمان المخدرات على النزلاء.
ومما يؤكد جدية الحكومة الكويتية في علاج الظاهرة من جذورها ما اعلنه نائب ‏رئيس الوزراء ووزير الداخلية الشيخ محمد الخالد في الملتقى الوطني لتقييم التجربة ‏الكويتية في مكافحة المخدرات من ان هذا الملتقى "يضع امام الجميع الجهد المتواضع ‏وخلاصة الاجتهاد في الحرب ضد المخدرات امام مجهر رأيكم وندعوكم من منطلق ‏المسؤولية الجماعية الى تقييم حقيقي لها من خلال طرحكم الموضوعي الصادق وانتقادكم ‏الجاد".
واظهرت اخر احصائيات ادارة التوعية والارشاد بوزارة الشؤون الاجتماعية والعمل ‏ان هناك 180 مليون مدمن في العالم من بينهم7.5 مليون في سن المراهقة، وان 80 ‏بالمائة من المدمنين تعاطوا المخدرات في هذه السن.
وتذكر احصائيات رسمية اخرى ان حالات الاعتداء التي يتعرض لها موظفو الجمارك ‏لتعقبهم مجرمي المخدرات في ازدياد مطرد.
ويقول بيان وزع على لسان احد النقابيين في الادارة ان ما يتعرض له بعض ‏العاملين في جمارك المطار والنويصيب وميناء الشويخ من اعتداء بالضرب والاهانة على ‏يد مهربي المخدرات والممنوعات يحتم على المسؤولين اعادة النظر في وضعهم.‏
ويؤكد البيان ان مشكلة المخدرات اصبحت تشكل تحديا خطيرا ومؤثرا ليس ‏على المستوى الاقتصادي وحسب وانما الاجتماعي والسياسي وهذه الآفة يستغلها ‏المجرمون لتدمير الشباب وتحطيم اسرهم وعقولهم.
ويوضح ان عدد الشباب الذين قضوا بسبب هذه السموم في فبراير الماضي فقط بلغ 14 ‏شابا الامر الذي يدعو الى العمل وفق الاسلوب الامثل لمعالجة هذه الظاهرة.
ولا تذكر الارقام والاحصائيات هنا للتخويف فخلال مشاركة اعضاء مجلس الامة في ‏ندوات مكافحة المخدرات التي عقدت في الاسبوع الماضي تحدث النائب عبدالوهاب ‏الهارون عن ارقام مرتفعة للمدمنين والمتعاطين وتكلم عن مشكلة الادمان في الكويت ‏من واقع تقرير اللجنة البرلمانية وكانت الارقام مهولة ومخيفة زادها هولا ارقام ‏اللجنة الوطنية لمكافحة المخدرات.
وتذكر احصائيات اللجنة الوطنية ان سبب ارتفاع المشكلة يكمن في رفقاء السوء ‏والتفكك الاسري وتوفر المال والترف وكثرة السفر والاكتئاب وتقليد الآخرين.
واغفلت الاحصائية ان من بين احد الاسباب لتفاقم المشكلة هو صغر العقاقير ‏المخدرة وسهوله اخفائها والتنقل بها فتبدأ ببودرة او بقرص صغير يتم تناوله اما في ‏حفلة او على انفراد ويتدخل الفضول الى نفس الشاب ويخوض تجربته الاولى.
ويقول المدير التنفيذي للحملة الوطنية الشاملة لمكافحة المخدرات المعروفة بـ ‏"غراس" عبداللطيف العبيد ان 20 الف متعاط ومدمن للمخدرات في الكويت هم من الفئة ‏ ‏العمرية مابين 17 و49 عاما.
ويضيف ان اجمالي تجارة المخدرات في العالم بلغ 700 مليار دولار اي ما يعادل ثمانية بالمائة من اجمالي التجارة العالمية.
ويدعو رئيس لجنة استكمال تطبيق الشريعة الاسلامية الشيخ الدكتور خالد المذكور ‏في احد لقاءاته الصحفية الى ضبط الرؤوس الكبيرة "فالقانون ينص على اعدام تجار ‏المخدرات باعتبار انهم يعيثون في الارض فسادا ويفسدون الشباب".
ويؤكد الاطباء في هذا الخصوص ان العقار يؤثر على الجسم بالتدريج فيلاحظ المرء ‏ان المتعاطي تحدث له بعض التغيرات البسيطة في بداية ادمانه تبعا للجرعة وتبقى ‏ ‏الاعراض الحادة نادرة ولا تظهر الا بعد تناول جرعة كبيرة وكل ذلك يحدث بالتدريج ‏حتى يصل المتعاطي الى اهمال عمله ايضا بالتدريج ويبدأ بالقضاء على نجاحاته ‏المدرسية والمهنية والاجتماعية.
ويقولون ان اقصى حالات معرفة المدمن للمخدرات تكون بظهور عوارض "الاحاسيس ‏المصحوبة بهذيان في الرؤية وهلوسة سمعية احيانا من ثلاث الى ست ساعات حتى تنتهي ‏بالاكتئاب".
وبالعودة الى الحاج بومحمد في بيته اثناء تلقي ‏العزاء في اليوم الثالث لوفاة حفيده واستقبلنا بالسؤال كيف سار التحقيق وما ‏ ‏نتيجته وهل هناك حلول. تماما كما في اسئلته اثناء لقائه الاول في المقبره قبل ‏ثلاثة ايام.
وتبقى اسئلة بومحمد بحاجة لجواب. وتبقى الحقيقة ان هناك فئة ‏تقتات وتسمن وتغتني من هذه السموم وهي لا تريد ان تجد الحكومة اوالمؤسسات حلا ‏لهذه المشكلة. (كونا)