المرأة والجهاد.. في الفقه الحركي الإسلامي

لائحة الأخوات كانت تنظّم عمل قسم النساء وتحدّد كيفية إدماجهن في التنظيم الإخواني وواجبات المنتميات.

بقلم: عبدالغني عماد

كتب حسن البنا مقالاً في مجلة المنار، ويعد ذلك المقال أول رسالة وجهها البنا للمرأة في قسم الأخوات في الإخوان المسلمين، وجاء في كلام البنا ما نصه: “… ليست المرأة في حاجة إلى التبحر في اللغات المختلفة، وليست في حاجة إلى الدراسات الفنية الخاصة، فستعلم عن قريب أن المرأة للمنزل أولاً وأخيراً، وليست المرأة في حاجة إلى التبحر في دراسة الحقوق والقوانين، وحسبها أن تعلم من ذلك ما يحتاج إليه عامة الناس»، ثم يقول البنا في الوثيقة نفسها: «ونحن لا نريد أن نقف عند هذا الحد، ولا نريد ما يريد أولئك المغالون المفرطون في تحميل المرأة ما لا حاجة لها به من أنواع الدراسات، ولكننا نقول: علموا المرأة ما هي في حاجة إليه بحكم مهمتها ووظيفتها التي خلقها الله لها.. تدبير المنزل ورعاية الطفل".

في رسالته هذه يقوم البنا بتأكيد المنظور التقليدي الذكوري الموروث بحصر مهمة المرأة في المنزل ورعاية الأطفال، ويتابع في رسالته المعنونة «نحو النور» والموجهة إلى من يلقبه بصاحب المقام الرفيع، ويقصد به رؤساء الوزارات في العصر الملكي، نتبين بعض الملامح الأخرى في موقفه من دور المرأة. فقد طالب حسن البنا في هذه الرسالة بما يعتبره مطالب إصلاحية تتعلق بالمجال السياسي والاجتماعي، جاء منها خمسة تتعلق بالمرأة والعائلة منها المطلب الأول: “مقاومة التبرج والخلاعة وإرشاد السيدات إلى ما يجب أن يكون، والتشديد في ذلك   المدرسات والتلميذات والطبيبات والطالبات ومن في حكمهن”، والثاني: “إعادة النظر في مناهج تعليم البنات ووجوب التفريق بينها وبين مناهج تعليم الصبيان في كثير من مراحل التعليم”، والثالث: “منع الاختلاط بين الطلبة والطالبات واعتبار خلوة أي رجل بامرأة لا تحل له جريمة يؤاخذان بها”، ثم أخيراً مراقبة دور التمثيل وأفلام السينما والتشديد في اختيار الروايات والأشرطة وتهذيب الأغاني واختيارها ومراقبتها والتشديد في ذلك.

كان للبنا تحفظ معلن حين عُرض موضوع اشتغال المرأة بالمحاماة على مجلس النواب المصري، وإباحة حق الانتخاب للمرأة عام 1944، وقد تمَّت موافقة المجلس على إباحة اشتغال المرأة بالمحاماة، ورفض حقها في الانتخاب في مجتمعٍ أغلبه يُعاني الأمية الثقافية والفكرية والدينية الصحيحة، وفي سياقٍ زمني مختلف. يأتي هذا الموقف في مناخ كانت تتصاعد فيه مطالب الحركات النسوية في العدالة والمساواة ويتزايد تأثيرها في المجال العام.

في مناقشته لهذه المسألة يذهب البنا إلى اعتبار مثل هذه المطالب دعاوى زائفة وصدى لدعاوى التغريب، والدليل على ذلك عنده أنهم أرادوا للمرأة أن تشتغل بالمحاماة، وهم بالأمس القريب فكروا في التشدد في شروط قبول الشباب في جدول المحامين، وصار كثير منهم لا يجد عملاً حتى زاحموا الكتبة العموميين على أبواب المحاكم، ونراه يقدم حلاً طريفًا لمشكلة المحامين والمحاميات فيقول: “أفما كان الأولى والأجدر أن يقرر مجلس النواب المصري إلزام المحاميات بأن يتزوجن محامين، فيضرب العصفورين بحجر واحد، ويفرج أزمتين، أزمة المحاماة وأزمة الزواج معًا بقرار واحد، ويضع بذلك أساسًا قوي الدعائم للتعاون لا للتزاحم”. وحول حقها بالانتخاب يرى أن كثيراً من الرجال ممن منحوا هذا الحق لا يحسنون استخدامه، فالأجدر بنا أن نهتم أولاً بتربية هؤلاء الرجال.

وضع البنا أول لائحة لما أسماه (فرقة الأخوات المسلمات) عام 1933 بعد خمس سنوات من تأسيس جماعته في مدينة الإسماعيلية عام 1928، ومن إنشاء أول مدرسة لتعليم الفتيات (مدرسة أمهات المؤمنين). كانت لائحة البنا للنساء تعبيراً حقيقياً وكاشفاً -إلى حد كبير- عن موقف الجماعة التنظيمي من النساء، وإدراكه لأهمية انخراط النساء في أفكار الجماعة وتنظيماتها، حتى لو تناقض هذا مع أفكاره الفقهية المعلنة في أدبيات الجماعة، والتي ترفض إعطاء النساء أبسط حقوقهن وهو حق التعليم، أو حتى حق الخروج من البيوت أو المشاركة السياسية أو التعيين في الوظائف الحكومية. كان يدعو النساء علناً للمكوث في بيوتهن وألا يختلطن بالرجال وألا تسافر إحداهن ولو مسافة قصيرة إلا بمحرم، لكنه بالنسبة لنساء الجماعة، وإدراكاً منه لأهمية دورهن، يغضُ البصر عن ذلك وفي براغماتية لافتة لا يمانع من قيامها بأنشطة حركية ورحلات تجنيد واستقطاب وتوعية، ومع ذلك وفي مفارقة لافتة أجلس زوجته في بيتها ولم يجعلها تنخرط في أي من أنشطة الجماعة، كما تفعل نساء الجماعة الأخريات.

لائحة الأخوات كانت هي التي تنظّم عمل قسم النساء، وتحدّد كيفية إدماجهن في التنظيم، وواجبات المنتميات له وأدوارهن في خدمة الجماعة، وعلى الرغم من أن القسم هو قسم نسائي، فإن رئاسته -وحسب اللائحة التي وضعها البنا- يتولاها هو شخصياً، بينما كان سكرتير عام القسم رجلاً آخر وهو محمود الجوهري (أحد المقربين له) والذي استمر في مهمته هذه ما يزيد عن خمسين عاماً، ثم تتولى إدارة القسم داخلياً سيدة.

كان البنا يهاجم نساء الطبقة العليا ممن شاركن في مؤتمر إسطنبول، ويسعى لهن عبر تجنيد واحدة من أبناء أغنى الوزراء وأكثرهن أرستقراطية، وهي أمال محمد العشماوي، ابنة العشماوي باشا وزير المعارف العمومية في وزارة إسماعيل صدقي الثالثة عام 1946، والذي عرف بميله للتديّن وثرائه الكبير. أمال هي الوجه النسائي الثالث من نساء البنا اللاتي اعتمد عليهن واعتُبرن من أعمدة التنظيم النسائي، يمكن القول: إنها كانت المنقذ والممول الحقيقي للتنظيم في سنوات الأزمات السياسية الطاحنة. أخوها حسن العشماوي كان قد سبقها للتنظيم ولحقت به هي وزوجها منير الدلّة القيادي الإخواني المعروف في ما بعد، وعضو مكتب الإرشاد وأحد أبناء الطبقة الثرية. وحكت فاطمة عبدالهادي في مذكراتها أنه عندما انضمت أمال العشماوي للجماعة، احتفى بها البنا احتفاءً خاصاً حيث عقد اجتماعاً للمجموعة التي كانت تدير قسم الأخوات وقتها، وأخبرهن بأن عضوة جديدة ستنضم إليهن، وهي أمال العشماوي ابنة العشماوي باشا وزير المعارف وأوصاهن بها خيراً، حسب شهادة فاطمة عبدالهادي.

كانت مسألة الجهاد حاضرة في معظم رسائل حسن البنا، إلا أنها كانت تركز في تلك الحقبة على التربية الروحية والتضامن وإرسال التبرعات إلى فلسطين وتهريب السلاح إليها، وقد شاركت لاحقاً مجموعات إخوانية في القتال إلى جانب مجموعات جهادية فلسطينية، وبدأت تتكون لديهم خبرات عسكرية حيث اشتهر الجهاز السري للإخوان والمعروف باسم “النظام الخاص”، وعلى الرغم من ذلك بقيت المرأة -بحسب رؤية البنا- بعيدة عن هذا المجال، وهو ما تؤكده فاطمة عبدالهادي في مذكراتها، حيث لم يتخط دورها الرعاية الاجتماعية والعائلية لأفراد التنظيم ممن هم في السجون أو المعتقلات وجمع التبرعات لهم.

ملخص منشور مركز المسبار

المرأة والجهاد في فقه الإسلاميين: من الإخوان إلى داعش