المركزي الليبي يحذر من انهيار اقتصادي باستمرار الإنفاق الحكومي المزدوج
طرابلس – حذر مصرف ليبيا المركزي من انهيار اقتصادي باستمرار الانفاق المزدوج بين حكومتي الوحدة الوطنية الموقتة برئاسة عبدالحميد الدبيبة والحكومة المكلفة من مجلس النواب برئاسة أسامة حماد، معلنا عن اضطراره الى إعادة النظر في سعر صرف الدينار، في ظل تحديات كثيرة أدت الى تفاقم العجز في الميزانية العامة للبلاد.
وأوضح المركزي الليبي في بيان الأحد أن حجم الإنفاق العام المزدوج خلال العام 2024 بلغ 224 مليار دينار(46.489 مليار دولار) منها 123 مليارا نفقات حكومة الدبيبة و42 مليارا مبادلة النفط، ونحو 59 مليارا إنفاق حكومة أسامة حماد مقابل إيرادات نفطية وضريبية بلغت 136 مليار دينار(28.226 مليار دولار)، مؤكّدا أن ذلك ولد طلبا على النقد الأجنبي بقيمة 36 مليار دولار، مما أسهم في اتساع واختلال الفجوة بين الطلب والعرض من العملات الأجنبية، فيما حال دون المحافظة على استقرار سعر الصرف والرفع من قيمة الدينار.
وأعلن تخفيض سعر صرف الدينار مقابل العملات الأجنبية بنسبة 13.3 بالمئة لتصبح قيمته 5.5677 دينار لكل دولار، لافتا إلى أنه اضطر لاستخدام جزء من احتياطيات النقد الأجنبي للمحافظة على استقرار سعر الصرف، في ظل غياب سياسات اقتصادية فاعلة وتوسع في الإنفاق غير المنضبط.
وفي سبتمبر/أيلول الماضي، تراجع الدينار مقابل الدولار في السوق الموازية بسبب أزمة متعلقة بالسيطرة على البنك المركزي أدت إلى انخفاض إنتاج النفط وصادراته.
ووجدت الأزمة طريقها إلى الحل في وقت لاحق من الشهر نفسه بعد اتفاق أبرمه ممثلون عن المجلسين التشريعيين لحكومتي غرب ليبيا وشرقها. وتوسطت الأمم المتحدة في الاتفاق الذي مهد الطريق لتعيين محافظ جديد للبنك المركزي.
وفي نوفمبر/تشرين الثاني، خفض رئيس البرلمان عقيلة صالح الضريبة على مشتريات العملة الأجنبية إلى 15 من 20 بالمئة. وتضاف الضريبة إلى سعر الصرف عندما يشتري الناس العملات الأجنبية من البنوك التجارية.
وتشير البيانات الرسمية الى أن إجمالي مصروفات النقد الأجنبي للربع الأول من العام الجاري بلغت نحو 9.8 مليار دولار، منها 4.4 مليار دولار اعتمادات وحوالات و44 مليار دولار بطاقات تجار وأغراض شخصية، ومليار دولار مصروفات حكومية. في حين بلغت الإيرادات النفطية والإتاوات الموردة للمصرف نحو 5.2 مليار دولار حتى 27 مارس الماضي، بعجز بلغ نحو 4.6 مليار دولار خلال ثلاثة أشهر فقط.
وباءت كل محاولات حلحلة أزمة الانقسام المالي والاقتصادي، بينما صنفت البلاد من ضمن أسوأ 10 دول في العالم على مستوى مؤشر مدركات الفساد العالمي لعام 2025.
وشدد المركزي الليبي على أن الأمر سيزداد خطورة في حالة انخفاض معدلات إنتاج وصادرات النفط لأي متغيرات، أو تدهور أسعار النفط العالمية، محذّرا من تفاقم الأزمة بسبب استمرار تهريب السلع والمحروقات، وارتفاع العمالة غير النظامية والهجرة غير الشرعية، مما يستنزف نحو 7 مليار دولار سنوياً، ويساهم في تغذية السوق الموازي وتمويل الأنشطة غير المشروعة.
ويحذّر مراقبون من تداعيات غياب الانضباط المالي في ظل استمرار الإنفاق غير المنظم من الحكومتين في الشرق والغرب، مؤكدين أن الوضع الحالي يحمل مؤشرات خطيرة من شأنها أن تهدد قيمة العملة الوطنية، لا سيما وسط تراجع أسعار النفط عالميًا.
ووصف الخبير الاقتصادي الليبي سليمان الشحومي زيادة الضريبة المفروضة على سعر الصرف أو تعديل سعر الصرف بالكامل، بأنها "وصفة لاستمرار حالة التدهور الاقتصادي"، منبها من تداعيات هذه السياسات في ظل غياب رؤية واضحة.
وأكد الشحومي في تصريحات لصحيفة "صدى الاقتصادية" المحلية أن هذه الخطوة تأتي في إطار الضغط على مصرف ليبيا المركزي لتمويل نفقات الحكومتين، دون وجود إطار منظم يحدد أولويات الإنفاق الحكومي بمستهدفات واضحة ومحددة.
وأضاف "ليس بإمكان المصرف المركزي الدفاع عن قيمة الدينار الليبي طالما أننا ندور في نفس المكان، ونستخدم نفس الأساليب عند كل أزمة أو مختنق مالي"، مشددا على الحاجة إلى رؤية استراتيجية متكاملة، قائلا "نحن في حاجة ماسة إلى مشروع اقتصادي مالي، نقدي تجاري واستثماري متناغم تديره حكومة واحدة، وليس مجرد تكتيكات أو معالجات مسكنة فاشلة لمرض يبدو أنه أصبح مزمنًا".