المغاربة يحتفلون برأس سنة أمازيغية استثنائية هذا العام

احتفالات ومهرجانات تنطلق بمناطق مختلفة بالمغرب احتفاء بالمناسبة.

الرباط - احتفل المغاربة، الأحد، برأس السنة الأمازيغية وهم في عطلة رسمية مؤدى عنها، على غرار فاتح محرم من السنة الهجرية ورأس السنة الميلادية.

ويعتبر هذا الاحتفال الأول من نوعه بعد أن جرى إقرار هذا اليوم كعطلة وطنية رسمية بأمر من العاهل المغربي الملك محمد السادس، الذي أصدر توجيهاته السامية إلى رئيس الحكومة قصد اتخاذ الإجراءات اللازمة لتفعيل هذا القرار الملكي.

ونظمت هيئات حكومية وغير حكومية مغربية عددا من الاحتفالات والمهرجانات بمناسبة رأس السنة الأمازيغية الذي يوافق الثالث عشر من يناير من كل عام.

وانطلقت الاحتفالات، سواء عبر تنظيم مهرجانات أو أيام دراسية أو حفلات تتضمن طقوسا وتقاليد توارثتها الأجيال. ويطلق على رأس السنة الأمازيغية اسم "إيض يناير/كانون الثاني" (ليلة يناير).

وأكد باحثون في الثقافة الأمازيغية، الجمعة، على هامش يوم دراسي نظمه المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية حول موضوع "السنة الأمازيغية (إيض إيناير): الجذور التاريخية والممارسات الاحتفالية" بالرباط، أن الاحتفال بالسنة الأمازيغية، لاسيما بعد إقرار مطلعها عطلة رسمية يعد تكريسا للتعدد الثقافي والحضاري للمغرب.

وتعتبر المرأة المغربية "العمود الفقري للاحتفال بالسنة الفلاحية الأمازيغية" من خلال مجموعة من الطقوس والعادات التي تقوم بها من قبيل إعداد مجموعة من الأطباق المغربية التقليدية، وفق الباحثة بمركز الدراسات التاريخية والبيئية، التابع للمعهد الملكي للثقافة الأمازيغية صباح علاش.

وأشارت علاش في تصريحات لوكالة المغرب العربي للأنباء إلى أن هذه الطقوس والعادات تعد بمثابة إرث هوياتي ثمين ورثته المرأة الأمازيغية عن الأجيال القديمة، وتحرص على حفظه وحمايته، من أجل نقله بكل تفاصيله للأجيال القادمة.

ويكون الاحتفال برأس السنة الأمازيغية عبر الزيارات العائلية وإعداد أطباق معينة بالمناسبة، وفق سليمان صدقي، رئيس الرابطة المغربية الأمازيغية (غير حكومية).

وفي تصريح له أشار صدقي إلى أن الاحتفالات تنظم ببلاده ودول شمال أفريقيا، موضحا أنه مثلا في منطقة سوس (وسط)، يتم إعداد طبق "العصيدة" (دقيق قمح مطحون بالماء)، فضلا عن "حاكوزة" (كسكس مع أنواع معينة من الخضر) و"الرفيسة" (ثريد) بمناطق أخرى في البلاد.

وشدد على أن الجميع "يحرص على ارتداء اللباس التقليدي، على اعتبار أن المناسبة موروث ثقافي وتاريخي"، لافتا إلى أن هذه السنة تتميز بطابع خاص، بعد القرار الملكي باعتماد الرابع عشر من يناير من كل عام عطلة رسمية بمناسبة رأس السنة الأمازيغية.

وفي مايو/أيار الماضي، قرر العاهل المغربي الملك محمد السادس اعتماد رأس السنة الأمازيغية عطلة وطنية رسمية مدفوعة الأجر، على غرار فاتح محرم من السنة الهجرية ورأس السنة الميلادية.

ويأتي هذا القرار، كما أكد بلاغ الديوان الملكي في مطلع مايو/أيار الماضي "تجسيدا للعناية بالأمازيغية باعتبارها مكونا رئيسيا للهوية المغربية الأصيلة الغنية بتعدد روافدها، ورصيدا مشتركا لجميع المغاربة بدون استثناء. كما يندرج في إطار التكريس الدستوري للأمازيغية كلغة رسمية للبلاد إلى جانب اللغة العربية".

ويهدف القرار الملكي لصيانة التنوع الثقافي الوطني، وتعزيز ما تحقق من مكتسبات متعلقة بالأمازيغية منذ الخطاب الذي ألقاه الملك محمد السادس بأجدير سنة 2001.

ويشكل هذا الاحتفال تجليا بارزا للجهود المبذولة لترسيخ الاهتمام المتزايد بالثقافة والتراث الأمازيغيين، كما يعتبر أحد تجليات الحرص الملكي على تثبيت الثقافة الأمازيغية في العديد من المجالات.

والجمعة، أكد رئيس الحكومة المغربية عزيز أخنوش بأكادير أن الاحتفاء برأس السنة الأمازيغية الذي أقره الملك محمد السادس، عطلة وطنية رسمية مؤدى عنها، يعد احتفاء بتراث كبير للمغاربة قاطبة.

وقال أخنوش في تصريح للصحافة بمناسبة الاحتفال بالسنة الأمازيغية الجديدة 2974 "نحتفل اليوم من أكادير مع المغاربة بهذه المناسبة الوطنية التي تعد تراثا كبيرا ليس فقط للأمازيغ بل للمغاربة قاطبة".

ويرى مدير مركز البحث الديداكتيكي والبرامج البيداغوجية بالمعهد الملكي، عبدالسلام خلفي أن الاحتفال بالسنة الأمازيغية يكتسي بعدا تاريخيا بارزا باعتباره يعود لقرون طويلة في المغرب، وأيضا لكونه مرتبطا بالعلاقة الوطيدة والخاصة التي طالما ربطت الإنسان الأمازيغي بالأرض وبالمجال الزراعي بصفة عامة.

ويكتسي الاحتفال برأس السنة الأمازيغية، الذي يندرج ضمن مداخل التنمية الشاملة، رمزية دالة على تجذر وتنوع النسيج الثقافي للمغاربة، ويؤشر على الرغبة في المضي قدما على طريق التفعيل الحقيقي للطابع الرسمي للأمازيغية. كما يتعلق الأمر بإجابة عملية على تطلعات المجتمع المغربي في سياق النهوض باللغة والثقافة الأمازيغيتين، وإدماج الأمازيغية في التعليم والإدارة.

وقد أعطى إقرار رأس السنة الأمازيغية عطلة وطنية رسمية دفعة قوية لمسار التدابير المتخذة لتعزيز الفعل الأمازيغي الوطني، لاسيما على المستويات الثقافية، وهي خطوة تأتي في سياق رفع التحديات التي طرحت على مستوى دعم الثقافة الأمازيغية في المغرب، وتعزيز مكانتها في جميع المجالات، من خلال التطبيق الأمثل لنص الدستور.

وتأتي الخطوات والفعاليات المختلفة المحتفلة بإقرار رأس السنة الأمازيغية لتؤشر أيضا على انخراط الحكومة في تفعيل ورش الطابع الرسمي للأمازيغية.

وتعتمد السلطة التنفيذية النهج المتدرج في تفعيل هذا الطابع، عبر الإطلاق الرسمي لمشاريع تهم بتعزيز استعمال اللغة الأمازيغية في الإدارات العمومية وإدماجها بمختلف مجالات الحياة العامة.

كما تبذل عدة مجهودات بغية توفير خدمة الاستقبال باللغة الأمازيغية في مجموعة من الإدارات العمومية، حيث تم تخصيص المئات من الموظفين المكلفين باستقبال وتوجيه المرتفقين الناطقين باللغة الأمازيغية لتسهيل ولوجهم إلى الخدمات العمومية، وإدراج اللغة الأمازيغية في اللوحات وعلامات الإشارة بمقرات الإدارات والمؤسسات العمومية.

وتؤكد الحكومة أنه تم، أيضا، توفير خدمة الاستقبال الهاتفي باللغة الأمازيغية في تسعة مراكز للاتصال تابعة لبعض القطاعات الوزارية والمؤسسات العمومية، التي تشهد إقبالا كبيرا من طرف المرتفقين من خلال توفير 63 مكلفا بالتواصل الهاتفي باللغة الأمازيغية.

وينص الفصل 5 من دستور المملكة على أنه "تظل العربية اللغة الرسمية للدولة. وتعمل الدولة على حمايتها وتطويرها، وتنمية استعمالها. تعد الأمازيغية أيضا لغة رسمية للدولة، باعتبارها رصيدا مشتركا لجميع المغاربة بدون استثناء. يحدد قانون تنظيمي مراحل تفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية، وكيفيات إدماجها في مجال التعليم، وفي مجالات الحياة العامة ذات الأولوية، وذلك لكي تتمكن من القيام مستقبلا بوظيفتها، بصفتها لغة رسمية..".

وأكد رئيس جمعية لغتنا المواطنة مولاي هشام كنون، في تصريح لوكالة المغرب العربي للأنباء، أن "سياق الاحتفال برأس السنة الأمازيغية بالمغرب سنة 2024 يتميز برغبة متزايدة في تعزيز الثقافة والهوية الأمازيغيتين. ويهدف هذا الاحتفال إلى أن يكون تجربة ثقافية غامرة لإبراز ثراء الثقافة المغربية"، مشيرا إلى أن الاحتفال يمثل لحظة تاريخية في الاعتراف الرسمي بالثقافة الأمازيغية.

وتعتبر رئيسة مؤسسة الطارق لعلوم النيازك والكواكب حسناء الشناوي أودجهان، أن الاحتفال برأس السنة الأمازيغية في المغرب يشكل فرصة للأمازيغ للالتقاء والاحتفاء بثقافتهم وتراثهم، مشيرة إلى أن الاحتفالات تشمل رقصات تقليدية وأغاني وعروض للأزياء ومهرجانات للمأكولات.

وقالت إن "الاحتفال برأس السنة الأمازيغية يكتسي معنى خاص، يجمع بين التقاليد والحداثة، وذلك مع إحداث منصة في متناول الجميع لاستكشاف وتقدير ثراء الثقافة الأمازيغية"، مضيفة أن "معارض الصور الفوتوغرافية، والأطباق التقليدية، والندوات والعروض تشكل تجربة غامرة وتربوية وترفيهية.. تحفز هذه المقاربة الاهتمام أكثر بالثقافة الأمازيغية داخل المجتمع، كما تشجع الحوار بين الثقافات. وتنظيم أنشطة ترفيهية إضافية للأطفال يجلب تجربة ممتعة بلمسة عائلية تشجع الأجيال المقبلة على حماية هذا التراث الثقافي".

وتداول العديد من نشطاء منصات التواصل الاجتماعي صورا ومقاطع فيديو لاحتفالهم بمناسبة رأس السنة الأمازيغية هذا العام، تخللتها فقرات فنية جماعية، تهدف إلى التعريف بالتقاليد والطقوس الاحتفالية الخاصة.

وشهدت عدة مدن مغربية تنظيم مهرجانات بهذه المناسبة، مثل النسخة الأولى للمهرجان الوطني للثقافة الأمازيغية التي انطلقت تحت شعار "الثقافة الأمازيغية.. هوية وحضارة"، بين الثاني عشر والرابع عشر من يناير/كانون الثاني الجاري بمدينة أورير (شمال).

وتحتضن مدينة إفران (شمال) عدة أنشطة، مثل إقامة معرض للمنتجات المجالية، وعروض للفرق الشعبية الأمازيغية، بالإضافة إلى حفل للحناء والألبسة وتذوق الأطعمة المحلية، فضلا عن أمسية شعرية أمازيغية.

المرأة المغربية تعتبر العمود الفقري للاحتفال بالسنة الفلاحية الأمازيغية من خلال مجموعة من الطقوس والعادات التي تقوم بها

وكان من أبرز الفعاليات المهرجان الوطني للثقافة الأمازيغية بمدينة أيت أورير (إقليم الحوز) الذي افتتحه نجم الموسيقى الشعبية والأمازيغية الفنان مصطفى أومكيل، السبت، وتواصلت فعاليات نسخته الأولى إلى غاية الأحد الرابع عشر من يناير/كانون الثاني الجاري.

وتحت تصفيقات رواد المهرجان الذين توافدوا بأعداد كبيرة على ساحة حديقة المقاوم محمد بن حمو أيت سعيد، للقاء نجمهم المفضل، استطاع الفنان مصطفى أومكيل الغوص بالجمهور الحاضر في عمق الثقافة الشعبية والأمازيغية الأصيلة، وإمتاعه بباقة من الأغاني المتميزة مستوحاة من الريبرتوار الموسيقي العريق من أعماق المغرب.

وقدم الفنان أداء مميزا يحتفي بالثقافة الشعبية والأمازيغية التي تعتبر أحد المكونات الأساسية للهوية المغربية المتعددة والموحدة، واستطاع ببراعة المزج بين الأغاني الأمازيغية والشعبية، فكان الحفل مناسبة لإبراز من جديد أن الموسيقى تظل لغة عالمية حقيقية.

كما كان جمهور المهرجان على موعد مع برمجة غنية من خلال تقديم عروض متميزة امتزجت فيها الأغاني بالرقص والموسيقى من قبل مجموعة من الفرق الموسيقية على غرار "أحواش أكاجكال" و"شباب مشطون".

كما استمتع الجمهور الحاضر من سكان مدينة أيت أورير وزائريها بإيقاعات وعروض موسيقية من أداء مجموعة "أحواش تابيا" ومجموعة "تماكيت" ومجموعة "أيت تماتن الحوز".

وفي تصريح له، أبرز رئيس مصلحة الشؤون الثقافية بالمديرية الجهوية للثقافة لجهة مراكش آسفي، سمير الوناسي أهمية هذا المهرجان المخصص للثقافة الأمازيغية، مذكرا بالاهتمام الخاص الذي يوليه المغرب للثقافة الأمازيغية كتراث وطني ينبغي الاحتفاء به والاهتمام به باعتباره مكونا من مكونات الثقافة والحضارة المغربيتين.

وأضاف أن "من خلال الإقبال الكبير على هذه التظاهرة، ترى وزارة الثقافة توطين هذا المهرجان بمدينة أيت أورير وذلك تماشيا مع إستراتيجية الوزارة الرامية إلى تنظيم مهرجانات محلية على صعيد جهة مراكش آسفي"، معلنا في هذا الصدد عن تنظيم مهرجان مخصص للموسيقى الشبابية يومي التاسع عشر والعشرين من يناير/كانون الثاني الجاري بشيشاوة.

وأعرب الفنان أومكيل عن أمله في استمرارية هذا المهرجان ليصبح موعدا سنويا متميزا للاحتفاء بالثقافة الأمازيغية بغناها وتفردها.

ويأتي تنظيم هذا المهرجان من قبل وزارة الشباب والثقافة والتواصل ــ قطاع الثقافة على مدى ثلاثة أيام تحت شعار "الثقافة الأمازيغية.. هوية وحضارة"، تنفيذا لإستراتيجية الوزارة في محور دعم الإبداع ومواكبة المبدعين، وفي إطار الاعتزاز بالهوية المغربية متنوعة الروافد والمكونات الثقافية والحضارية، ومن أجل إبراز المؤهلات الثقافية والتراثية والحضارية بالجهة عموما، وبإقليم الحوز خصوصا.

وتسعى الوزارة من خلال هذا المهرجان الثقافي الفتي، الذي يعتبر آلية من آليات الحفاظ على الموروث الثقافي والتعريف به وتثمينه ليكون رافعة مهمة للتنمية المستدامة بالمنطقة، إلى المساهمة في إرساء أسس فعل ثقافي فعال ومنتج يساهم في الحفاظ على الموروث الوطني واستشراف آفاق مستقبلية واعدة قائمة على مرتكزات الحق الثقافي والتنمية المحلية الشاملة.

ويهدف المهرجان إلى صيانة التراث الأمازيغي وتثمينه ليساهم في منظومة التنمية الاقتصادية والاجتماعية والمجالية المندمجة، وتنشيط السياحة الثقافية الوطنية والجهوية وربط الإنسان بتراثه الحضاري الزاخر، وإحياء الذاكرة التاريخية للمغاربة بما يقوي الانتماء إلى الوطن، فضلا عن إبراز قوة الإشعاع الفكري والإبداع المادي واللامادي للثقافة الأمازيغية، والاهتمام بمكونات التراث الفني الأمازيغي بحثا وتوثيقا، والاعتناء بالمواهب والطاقات الشابة في مجال الأغنية الأمازيغية.

وعرفت فعاليات هذه الدورة، المقامة بتعاون مع عمالة إقليم الحوز والمجلس الإقليمي والمجلس الجماعي لأيت أورير، مشاركة حوالي 19 فرقة تراثية تمثل مختلف الألوان الفنية التراثية والفنون المشهدية الأمازيغية محليا ووطنيا، إلى جانب سهرات فنية يحييها ثلة من نجوم الأغنية الأمازيغية.

وموازاة مع فعاليات السهرات الفنية تمت برمجة ندوة علمية تسلط الضوء على الخصوصية الحضارية للثقافة الأمازيغية وآفاق استثمار إمكاناتها في التنمية المستدامة بمدينة أيت أورير، بمشاركة ثلة من الأساتذة المتخصصين، فضلا عن معرض للفنون التشكيلية وآخر حول اللباس التقليدي، بالإضافة إلى معرض ثالث حول الكتاب الأمازيغي يروم التعريف بأهم الإصدارات الناطقة بالأمازيغية وأهم ما تم تحقيقه في هذا المجال.

ومن جهته، توقف الباحث في مركز الدراسات التاريخية والبيئية، التابع للمعهد أيضا، الحسين بوضليب، عند احتفال الجالية المغربية المقيمة بالخارج برأس السنة الأمازيغية، مبرزا أن مغاربة العالم يساهمون بشكل فعال في التعريف بالثقافة الأمازيغية، وتسويقها على مستوى البلدان التي يعيشون بها، "خصوصا أنها تحمل قيما إنسانية غنية ومتعددة، ترتبط بالتضامن والمساواة".

ويطلق على رأس السنة الأمازيغية اسم "إيض يناير" (ليلة يناير)، و"الأمازيغ" هم شعوب أهلية تسكن المنطقة الممتدة من واحة سيوة غربي مصر شرقا إلى المحيط الأطلسي غربا، ومن البحر المتوسط شمالا إلى الصحراء الكبرى جنوبا.