المغرب.. العدل والإحسان تختار أسلوب الابتزاز وتصفية الحسابات

الجماعة تتهم الدولة بأنها تصفي حسابها السياسي في حين أن اللحظة لحظة إجماع لمواجهة خطر الوباء حيث جنّدت الدولة كل إمكانياتها المادية والبشرية لحماية أرواح المواطنين.

بقلم: سعيد الكحل

 لم يكن مفاجئا لمن يطلع على أدبيات جماعة العدل والإحسان ويتتبع أنشطتها ويراقب مناوراتها الاستفزازية للنظام أن يخرج ابن الأمين العام للجماعة بتدوينة يهاجم فيها النظام الملكي ويصفه "بالدكتاتوري والإرهابي" دون أدنى مناسبة، بل في عز أجواء المصالحة بين الدولة والمجتمع وتضافر جهود السلطات العمومية والمواطنين للالتزام بالحظر الصحي الذي تفرضه الحرب على جائحة كورونا. فالجماعة اعتادت على استفزاز النظام كلما غشاها النسيان. كانت نادية ياسين تلعب الأدوار الاستفزازية حين يسود الهدوء بين الدولة والجماعة عبر تصريحاتها التي تتهم فيها النظام بالطغيان وبأوصاف أخرى الغاية منها إعادة التوتر إلى الواجهة لإظهار مظلومية الجماعة والاتجار بها.

بعد وفاة مرشد الجماعة تم تهميش ابنته فلم يعد لها من دور يؤهلها لمواصلة لعب الأدوار نفسها. ومادامت الجماعة تتغذى على الاستفزاز وتنوع أساليبها، فهي في حاجة إلى من يلعب نفس الدور الذي كانت تلعبه نادية ياسين. في هذا الإطار تأتي تدوينات ياسر العبادي ابن الأمين العام للجماعة والتي تهدف إلى التالي:

  • استفزاز النظام بطريقة تستدعي المتابعة القضائية لابن الأمين العام حتى تحظى القضية بمتابعة إعلامية واسعة، وهذا في حد ذاته استثمار لفائدة الجماعة ورأسمالها الرمزي. وهذا الذي شدد عليه بيان الدائرة السياسية للجماعة كالتالي(بناء على سبب اعتقال الأخ ياسر عبادي، المتمثل – حسب التسريبات – في التعبير عن رأيه الحر في موضوع عام بكل سلمية ومسؤولية وبعيدا عن أي كراهية أو تمييز أو تحريض على العنف، واستحضارا لرمزيته السياسية، وبالنظر إلى سياقاته وحيثياته، فإننا نؤكد الخلفية السياسية لهذا الاعتقال، ونعتبره خطوة انتقامية لتصفية الحسابات السياسية مع الجماعة). فالجماعة تحرص على أن يبقى اسمها متداولا وتبقى هي حاضرة في الحياة السياسية ولو على هامشها ما دامت ترفض الانخراط في المؤسسات الدستورية لأنها تعتبره مصالحة مع النظام وترميما لصدعه. فلو فعلها عضو من أعضائها لن تكون له أية مردودية رمزية مثلما هو الأمر بالنسبة لاعتقال ابن الأمين العام.
  • لعب دور الضحية الذي دأبت عليه الجماعة من أجل كسب التعاطف والدعم من داخل المغرب ومن خارجه. فالجماعة لم تعد تواجه النظام مباشرة بعد أن أدركت جسامة الخسارة، فاختارت أسلوب الاستفزاز بدل المواجهة. ومادامت الجماعة لن تثبت وجودها بالمشاركة السياسية وتقديم مشاريع تنموية لفائدة الموطنين كما تفعل كل التنظيمات السياسية وحتى المدنية، فإنها تلعب دور الضحية لاستدرار التعاطف بغرض توسيع قواعدها ومواردها المالية.
  • التشويش على المصالحة وعلى جهود الدولة في محاربة وباء كورونا. فالنجاح البيّن لإستراتيجية الدولة في مواجهة الأزمة المترتبة عن جائحة كورونا والمشهود بها للمغرب له وطنيا ودوليا يزعج الجماعة ويفسد إستراتيجيتها الهادفة إلى التشويش على جهود الدولة حتى تستفحل المأساة، لا قدر الله، مما تستثمره الجماعة بغرض سحب الشرعية عن النظام، ومن ثم تشكيل جبهة معارِضة تضم مختلف الأطياف كمقدمة لعزل النظام سياسيا وشعبيا. وما دامت المصالحة تقوي النظام كما تقوي علاقة الدولة بالمجتمع فإنها تضيق مساحة المناورة أمام الجماعة. إذ كلما ساد التوتر علاقة الدولة بالمجتمع إلا وحاولت الجماعة استغلاله في توسيع تحالفها ضد النظام استعدادا ليوم "الزحف".

إن جماعة العدل والإحسان تعتبر نفسها وأعضاءها فوق القانون وترفض أن يسري عليهم ما يسري على باقي المواطنين. من هنا ثارت ثائرتها إثر اعتقال ابن أمينها العام متهمة الدولة بالاستغلال السياسي لحالة الطوارئ الصحية . لكن الذي تخفيه الجماعة هو كونها البادئة بالاستفزاز والتشويش على جهود الدولة لتقويض المصالحة ولتجاوز آثار الأزمة الصحية والاقتصادية والاجتماعية المترتبة عن الوباء. وما تتجاهله الجماعة هو أن أعضاءها ليسوا فوق القانون، وأن ما عبر عنه ابن العبادي ليس رأيا بقدر ما هو إهانة للدولة ومس برموزها واستهزاء بمؤسساتها واعتداء على قوانينها.

اليوم تتهم الجماعة الدولة بأنها تصفي حسابها السياسي، في حين أن اللحظة هي لحظة إجماع وطني ووحدة الصف لمواجهة خطر الوباء حيث جنّدت الدولة كل إمكانياتها المادية والبشرية لحماية أرواح المواطنين جميعهم دون تمييز بين المعارضين وغير المعارضين لسياساتها. إذن، فالجماعة هي من تريد إفساد هذا الجو التعبوي لتصفية الحساب مع النظام وإضعاف جهود الدولة حتى تفشل في حربها ضد الجائحة. إنه الاستثمار الفظيع في الأزمة. ولتتذكر الجماعة، وهي تتباكى على حقوق الإنسان فقط حين اعتُقل ابن أمينها العام، أن أعضاء منها قتلوا طلبة في تسعينيات القرن الماضي فقط لاختلاف خلفياتهم الإيديولوجية، وأن أزيد من 5000 حالة تمت متابعتهم بخرق الحظر الصحي ضمنهم العشرات تم اعتقالهم بسبب تدوينات فيسبوكية دون أن يصدر عنها أي تضامن أو تنديد ولا عن الهيئات التي تندد باعتقال ابن العبادي وتتضامن مع الجماعة. فهل حقوق الإنسان وحرية التعبير مقصورة فقط على أعضاء الجماعة؟ وهل القانون يسري على عموم المواطنين دون العدلويين؟

الذين يتضامنون مع الجماعة وينددون باعتقال ابن أمينها العام ويسوّغون مضمون تدوينته يشجعون على الفوضى وخرق القانون وينخرطون في إستراتيجية إضعاف الدولة وتصفية الحساب مع النظام. فالعداء للدولة وللنظام هو الجامع بين المتضامنين مع الجماعة وإلا لكان تضامنهم مبدئيا وتلقائيا مع باقي المدونين الذين تم اعتقالهم على خلفية تدويناتهم المتعارضة مع القانون. ومهما كان هذا العداء فإنه لا يسوغ للجماعة وللمتضامنين معها الخروج بهذا الموقف الأرعن ونعت النظام "بالإرهابي".

كان أحرى بالجماعة أن تسحب تدوينة ابن أمينها العام وتعتذر فعله الجرمي، أما أن تتعنت وتتبنى النعْت إياه فهذا طعنة في خصر الإجماع الوطني ومتاجرة بالمأساة الذي بدل أن تسارع إلى الدعم المادي بالتنسيق مع السلطات المحلية والمجالس الترابية كما تفعل الهيئات المدنية بهدف التخفيف عن الأسر المعوزة ، فهي تختار التشويش وتسميم الأجواء.

كاتب مغربي