المغرب.. دور المرأة داخل الحقل الديني

عمل المرأة في المجالس الفقهية وتعزيز تمثيلها داخلها في تأطير الامن الروحي للمواطنين والمواطنات كما كرس دور المرأة بوصفها نصف المجتمع وتوأم الرجل والركن الأساس للأسرة في التوجيه الديني السليم لمختلف شرائح المجتمع وفئاته وخصوصاً في القطاع العريض من النساء.

بقلم: وفاء صندي

بعد التفجيرات التي هزت مدينة الدار البيضاء في 16 مايو 2003 خاض المغرب سلسلة من الإصلاحات لتدبير الحقل الديني، حيث أدرك القائمون على هذا المجال انه لا ينبغي أن يبقى مفتوحا، كما كان، أمام أئمة وخطباء نصف أميين أو متطرفين، أو لا تتحقق فيهم ضوابط الإمامة من الاجتهاد الفقهي والديني.

وقد عمل المغرب، منذ ذلك الوقت، على مراقبة المساجد، وتأهيل الأئمة، وجعل الفتوى مهمة حصرية للمجلس العلمي الأعلى (وهو مؤسسة دينية تعنى بالإفتاء ويترأسها الملك محمد السادس)، كما جعل المرأة في صلب هذه الاصلاحات حيث تم ادماجها في المؤسسات الدينية واشراكها فيها بقوة، من خلال تكريس اسهامها في نشر مبادئ الدين الإسلامي الحنيف وترسيخ قيمه السامية وتعاليمه السمحة، والإشراف على كراسي الوعظ والإرشاد والثقافة الإسلامية، وتنظيم حلقات خاصة للتوعية والتوجيه الديني لفائدة نساء آخرين، وكل ذلك بهدف مكافحة التطرف وتخفيض درجات الاختلال داخل المجتمع، وتحقيق النهضة الشاملة للأمة.

ففي خطاب يوم 30 أبريل 2004، أوصى الملك محمد السادس بضرورة إشراك المرأة المتفقهة في هيكلة المجلس العلمي الاعلى والمجالس العلمية المحلية، إنصافا لها، وتحقيقا لمبدأ مساواتها مع الرجل، واهتماما بأوضاعها وتمتيعها بكل الحقوق المستحقة. وقد تم إشراك المرأة في وظائف هذه المجالس على مستوى تنظيم حلقات خاصة للتوعية الدينية، وإرشاد المواطنين والمواطنات في أمور دينهم، والإشراف على عملية تزكية الواعظات، وغير ذلك.

وقد عزز عمل المرأة في قلب المجالس الفقهية، وتعزيز تمثيلها داخلها، في تأطير الأمن الروحي للمواطنين والمواطنات، كما كرس دور المرأة بوصفها نصف المجتمع، وتوأم الرجل، والركن الأساس للأسرة في التوجيه الديني السليم لمختلف شرائح المجتمع وفئاته، وخاصة في القطاع العريض من النساء. فإذا كانت وظيفة الإصلاح الاجتماعي والتعليم والأمر بالمعروف والنهى عن المنكر ليست حكرا على الرجل، فإن هؤلاء العالمات هن أحسن من يخاطبن بنى جنسهن ويجبن عن اشكالاتهن الخاصة ويصححن بعض ممارساتهن واعتقاداتهن المغلوطة، ويقمن بتوجيه المجتمع الى الطريق السليم من خلال ما ينشرنه من رسائل الوسطية والاعتدال.

في المغرب ولجت النساء، أيضا، باب الوعظ والإرشاد، فكانت منهن المرشدات اللواتي خضعن لتكوين خاص في معهد محمد السادس لإعداد الأئمة والمرشدين والمرشدات، الذى أنشأه المغرب عام 2015، والذى يشترط فيه حصول المرشحة على شهادة الإجازة في أي شعبة أو تخصص مع درجة التفوق في السنوات الجامعية، وحفظ النصف من القرآن الكريم. ويشمل برنامج التكوين، بعد اجتياز الامتحانات، بالدرجة الأولى العلوم الشرعية كعلم الحديث، والأصول، والمقاصد، والفقه، وعلوم أخرى كالتواصل، والتاريخ، وعلم الاجتماع. وقد أنيطت مهمة التكوين والتدريب لثلة من العلماء والأساتذة الأكفاء، الذين يعملون على تصحيح المفاهيم الإسلامية الكبرى كالجهاد، والأمر بالمعروف والنهى عن المنكر، والولاء والبراء والشورى والسلفية، وغيرها من المفاهيم الإسلامية التي قصدت بغير مقاصدها، وأصبحت منطلقا للفكر المتطرف الإرهابي.

ويراهن القيّمون على الشأن الديني، في المغرب، على هؤلاء المرشدات، اللواتي يتخرجن من المعهد ويتلقين فيه ما يحتجن إليه من علوم شرعية وإنسانية ومعارف صحيحة وواضحة ودقيقة، وخبرات وتجارب ومهارات، لنشر الفكر المتنور والاعتدال في السلوك الاجتماعي، والتأثير الإيجابي في الناس، بالحوار والحكمة والموعظة والقدوة الحسنة، والتفقيه في المسائل الدينية، والتعامل مع الأزمات الأسرية، دون اقصاء لأى فرد من أفراد المجتمع مهما تكن ديانته. واحدة، أيضا، من صور التفرد التي يتميز بها المغرب في مجال تدبير الشأن الديني هي مجالس الدروس الحسنية، التي تلقى في حضرة العاهل المغربي خلال شهر رمضان من كل سنة، والتي اذن الملك محمد السادس، بصورة غير مسبوقة في العالم الإسلامي، أن تعتلى فيها المرأة المغربية المنبر وتحاضر في حضرة ملك البلاد وبحضور صفوة من العلماء الأجلاء من جميع بلدان العالم. وبذلك فقد تمت إزالة الحواجز الموضوعة للمرأة في ميادين اعتاد الرجل أن يبرز فيها دون غيره، وتعزيز مكانة المرأة في الحقل الديني المغربي، وإضفاء إشعاع علمي عالمي للمرأة المغربية العالمة.

إن التجربة المغربية في إدماج المرأة في تأطير الشأن الديني تعد رائدة بالنظر إلى الأدوار التي تقوم بها المرأة سواء كعالمة او محاضرة او مرشدة تسهم في ترشيد الوعي الديني، وتأطير الناس وتوجيههم نحو ممارسة دينية قوامها الثوابت الدينية العقدية والفقهية والسلوكية، ومدارها التيسير والسماحة والوسطية والاعتدال. وإشراك المرأة في العمل الديني، ليس اعتباطا بل هو تدبير محكم لما للمرأة من كفاءات تخولها العمل إلى جانب الرجل لمواجهة كل التحديات والمخاطر التي تتربص بأبنائها. وإذا كان التطرف عدوا للمجتمع، فهما للمرأة أشد عداوة باعتبارها الحاضنة والمربية والمسؤولة الاولى التي يجب ان يكون لها دور في الوقاية، ودور في العلاج ودور في البناء والتنمية.

نُشر في الأهرام المصرية