المغرب يرى الأزمة مع اسبانيا أعمق من استقبال زعيم بوليساريو

وزارة الخارجية المغربية توضح أن عمق الأزمة الحالية مع إسبانيا يتمثل في كسر مدريد الثقة بين الشريكين والصورة العدائية التي تعاملت بها مع موضوع الصحراء المغربية.
محاكمة زعيم البوليساريو خطوة ايجابية لكنها ليست جوهر الأزمة مع إسبانيا
الرباط تؤكد أن الأزمة مع مدريد لم تبدأ باستقبال غالي ولن تنتهي بخروجه منها
سانتشيث يُصعد ضد المغرب للالتفاف على حقيقة مواقفه من نزاع الصحراء

الرباط - تسببت ممارسات وسياسات الحكومة الاسبانية الاشتراكية في تأزيم العلاقات مع الشريك المغربي في الوقت الذي يتطلع فيه الاتحاد الأوروبي لشراكة أكبر وأوثق مع المغرب الذي لعب دورا محوريا في تجنيب عدة دول أوروبية اعتداءات إرهابية دموية وساعد اسبانيا على مكافحة الهجرة والجريمة المنظمة وشكل سدا منيعا أمام الإرهاب العابر للحدود ومنه الإرهاب الذي تورطت فيه عناصر من جبهة البوليساريو الانفصالية بشكل مباشر وغير مباشر.

وقد اعتبرت الرباط أن مثول زعيم جبهة البوليساريو إبراهيم غالى المقرر أمام القضاء الإسباني في مطلع يونيو/حزيران خطوة إيجابية، مؤكدة في نفس الوقت على أن محاكمة غالى ليست جوهر الأزمة الدبلوماسية مع إسبانيا.

وقالت وزارة الخارجية المغربية في بيان اليوم الاثنين، إن عمق الأزمة الحالية مع إسبانيا يتمثل في كسر الثقة بين الشريكين والصورة العدائية التي تعاملت بها مع موضوع الصحراء المغربية وهي خط أحمر وثابت من الثوابت الوطنية لا يقبل نقاشا ولا مساومات وهو أمر معلوم بالنسبة لمدريد التي تدرك حساسية هذا الأمر بالنسبة للمملكة المغربية قيادة وشعبا وحكومة.

بعيدا عن حالة المدعو غالي، هذه القضية كشفت عن مواقف إسبانيا العدائية واستراتيجياتها المسيئة تجاه قضية الصحراء المغربية وأظهرت تواطؤ جارنا الشمالي مع خصوم المملكة

وجاء في بيان الخارجية المغربية "الأزمة لا تتعلق بشخص إبراهيم غالي ولم تبدأ بدخوله إسبانيا ولن تنتهي بخروجه منها. المسألة أساسا تتعلق بفقدان الثقة والاحترام المتبادل بين المغرب وإسبانيا. لقد كانت اختبارا للشراكة بين البلدين".

و شدد البيان على أن الأزمة لا يمكن أن تنتهي فقط بالاستماع إلى إبراهيم غالي بل تتعداه إلى توضيح دون غموض من الجانب الإسباني بخصوص خياراته وقراراته ومواقفه، مشيرة إلى دخول غالي إلى إسبانيا بجواز سفر مزور وهوية جزائرية مزورة على متن طائرة رئاسية جزائرية يفضح الميليشيا الانفصالية.

وشددت الخارجية المغربية على أن مثول إبراهيم غالي أمام المحكمة الثلاثاء، يؤكد ما قاله المغرب منذ البداية، وهو أن إسبانيا سمحت لهذا الرجل بدخول أراضيها عن علم وبطريقة احتيالية وغامضة وهو المتابع أمام محاكمها بسبب شكاوى قدمها ضحايا يحملون الجنسية الإسبانية وبسبب أفعال ارتكب بعضها على الأراضي الإسبانية.

و تساءلت عن إمكانية الثقة مستقبلا في إسبانيا والاعتماد عليها مستقبلا دون استحضار إمكانية التواطؤ خلف ظهره مع أعدائه وكذلك التناغم في المواقف الإسبانية التي تحارب الانفصال داخل البلد وتشجعه عند جارها، في إشارة إلى الحركة الانفصالية التي يقودها إقليم كتالونيا منذ سنوات، حيث استحضرت وزارة الخارجية محطات تاريخية رفضت فيها استقبال قادة انفصاليين كتالونيين، احتراما للعلاقة الطيبة التي تجمع المغرب وإسبانيا.

وواجهت اسبانيا تمردا مسلحا أيضا قادته منظمة 'ايتا' الانفصالية التي سعت منذ نهاية الخمسينات إلى الانفصال بإقليم الباسك وتأسيس دولة مستقلة اشتراكية، كل النشاطات المسلحة العنيفة من قتل وتفجير واختطاف من أجل تحقيق هدفها.

وأدت أنشطتها منذ تأسست في العام 1959 وحتى الآن إلى قتل المئات وجرح الآلاف، كما أضرت بالاستقرار السياسي في إسبانيا على مدار سنوات.

جوهر المشكل هو مسألة ثقة تم تقويضها بين شريكين. جوهر الأزمة هو مسألة دوافع خفية لإسبانيا معادية لقضية الصحراء، القضية المقدسة لدى الشعب المغربي قاطبة

ويفترض أن الدولة الجارة التي تجمعها علاقات وثيقة مع المغرب أن لا تمارس الشيء ونقيضه، فمن يرفض النزعة الانفصالية والمساس بوحدة أراضيه لا يفترض أن يدعم تلك النزعة في أي دولة أخرى.

ويأتي بيان المغرب على خلفية التوتر مع اسبانيا بسبب استقبال غالي على أراضيها التي دخلها للعلاج بجواز سفر جزائري مزور وعلى متن طائرة تابعة للرئاسة الجزائرية. وبعد أن افتضح تواطؤها وتكتمها على وجود كبير الانفصاليين على أراضيها، بررت مدريد استقباله بدوافع إنسانية من دون أن تقدم تفسيرا مقنعا لتكتمها على وجوده على أراضيها.

وتشهد العلاقات بين اسبانيا والمغرب احتقانا أيضا بسبب دخول آلاف المهاجرين من ساحل المملكة المغربية إلى جيب سبتة المغربي المحتل وهو أمر حاولت مدريد استثماره لجهة تصعيد لهجتها إزاء الرباط فيما كانت الأخيرة تنتظر منها موقفا واضحا وصريحا من استقبالها لإبراهيم غالي وللتواطؤ غير المعلن مع الجبهة الانفصالية ولمواقفها العدائية.

ويمثل غالي غدا الثلاثاء أمام المحكمة الإسبانية بعد شكوى تقدم بها فاضل بريكة الناشط المغربي الحاصل على الجنسية الإسبانية والتي تضمنت اتهامات لكبير الانفصاليين بالاختطاف والإخفاء القسري والتعذيب وارتكاب إبادة جماعية بحق صحراويين.

وأبدى المغرب حزما إزاء الممارسات والسياسيات الاسبانية العدائية والتي تعتبر بالمنطق السياسي والأمني "طعنة في الظهر" من دولة جارة كان يفترض أن تحصن علاقاتها مع المغرب.

لكن مدريد التي وجدت نفسها في حرج كبير، لم تجد ما يبرر سياساتها المتناقضة والمريبة إزاء الشريك المغربي إلا باللجوء لتصعيد لهجتها وحصر الأزمة مع الرباط في ما أسمته "الخلاف الدبلوماسي' وأزمة الهجرة إلى سبتة.

الأزمة ليست مرتبطة بحالة شخص. إنها لا تبدأ بوصوله مثلما لن تنتهي بمغادرته. إنها وقبل كل شيء قصة ثقة واحترام متبادل تم الإخلال بهما

وحاول رئيس الوزراء الاسباني بيدرو سانتشيث الالتفاف على جوهر الأزمة مهاجما المغرب مدعيا أن تصرفاته خلال الأزمة الحدودية قبل أسبوعين عندما عبر آلاف الطامحين في الهجرة إلى جيب سبتة المغربي المحتل "غير مقبولة وهجوم على الحدود الوطنية".

وردا على سؤال عن تصريحات لوزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة الذي ربط بين أزمة المهاجرين والموقف الاسباني من النزاع القائم في الصحراء المغربية، قال سانتشيث خلال مؤتمر صحفي اليوم الاثنين "من غير المقبول أن تقول إحدى الحكومات إننا سنهاجم الحدود وسنفتح الحدود للسماح بدخول عشرة آلاف مهاجر في أقل من 48 ساعة... بسبب خلافات السياسة الخارجية".

وكان الآلاف قد سبحوا حول الحدود أو تسلقوا السياج الذي يفصل بين جيب سبتة المحتل من قبل اسبانيا والمغرب قبل أسبوعين وعلى مدى يومين.

وجرت إعادة معظم من عبروا إلى المغرب فورا لكن مئات القصر، الذين لا يوجد مرافق معهم ولا يمكن ترحيلهم بموجب القانون الإسباني، ما زالوا هناك.

واعتُبر تدفق المهاجرين على نطاق واسع ردا على قرار إسبانيا استقبال إبراهيم غالي زعيم جبهة البوليساريو التي تنادي بانفصال الصحراء لتلقي العلاج على أراضيها.

وقال سانتشيث إن إسبانيا هي أفضل حليف للمغرب في الاتحاد الأوروبي وإنه يرغب في إتباع نهج بناء تجاه الرباط، لكنه أصر على أن أمن الحدود له الأولوية، مضيفا "تذكروا أن حسن الجوار يجب أن يستند إلى الاحترام والثقة".

لكن المغرب أعلن أن مدريد انتهكت مبدأ حسن الجوار والاحترام والثقة التي كانت قائمة ليس باستقبالها زعيم الانفصاليين (إبراهيم غالي) فحسب بل بمواقف عدائية وباستهانتها كذلك بحساسيات مغربية.