المغرب يواجه شح المياه بمشاريع مائية موازية للسدود

البلاد توجهت في السنوات الأخيرة بقوة إلى البحر لتعزيز إمداداتها المائية.

الرباط - اعتمد المغرب منذ عقود على السدود ضمن استراتيجيته المائية لضمان تزويد السكان والزراعة بالمياه.

ويوجد في المملكة 149 سدا كبيرا، يساعد على تخزين الماء وسقي مساحات واسعة من الحقول، فضلا عن توفير الماء الصالح للشرب والكهرباء.

وبحسب وزارة التجهيز والماء، فإن حجم المياه المخزنة في السدود بلغ حتى 3 سبتمبر/أيلول الماضي نحو 4.3 مليارات متر مكعب، أي ما يعادل 26.7 في المئة معدل امتلاء، مقابل 36 في المئة خلال نفس الفترة من العام الماضي.

وفي يناير 2023، أكد عضو أكاديمية المملكة ادريس الضحاك أن المغرب بفضل مجموعة من المخططات يمكن أن يكون نموذجا في مواجهة شح المياه، وفق وكالة المغرب العربي للأنباء.

وأضاف أن المغرب رغم شح المياه استطاع لحد الآن تدبير هذه المادة الحيوية بشكل جيد بفضل سياسة السدود التي أطلقها الملك الحسن الثاني، وسياسة تدبير الماء ومواصلة تشييد السدود التي يسهر عليها العاهل المغربي الملك محمد السادس.

وأشار إلى أن المغرب بفضل الأعراف والقوانين وكذا التخطيطات الموجودة إذا ما نفذت بالشكل المطلوب، فإنه يمكن اعتباره نموذجا لمواجهة شح المياه، وبالتالي تحقيق الأمن المائي.

وذكر بالاستراتيجية الوطنية للماء التي أصدرها المجلس الأعلى للماء والمناخ (2009 - 2030)، وكذا المخطط الوطني للماء والمخططين المندمج والمحلي، مبرزا أن الماء مؤطر تأطيرا جيدا من حيث الهيكلة والبرامج لكن ما يجب أن يتحقق هو مسألة تنفيذ هذه الاستراتيجية.

ورغم الأهمية الكبيرة التي تلعبها هذه السدود، إلا أن توالي سنوات الجفاف جعل الطلب يتزايد على المياه، مما جعل المغرب يغير من استراتيجيته، إذ بدأت البلاد في تقوية وزيارة عدد السدود، والاعتماد على موارد أخرى من مصادر المياه مثل تحلية مياه البحر، وتشييد قنوات مائية لربط مناطق تعرف كميات وافية من المياه بمناطق تعرف شحا في المادة الحيوية.

وأطلقت البلاد في 10 مايو/أيار 2022 خطة عمل لمكافحة آثار الجفاف، بالنظر إلى الوضع المناخي والمائي الذي أثر بشكل سلبي على سير موسم الفلاحة وتوفر المراعي.

وأعطى العاهل المغربي الملك محمد السادس "تعليماته للحكومة لتفعيل الإجراءات العاجلة لبرنامج مكافحة آثار الجفاف"، وفق بيان للديوان الملكي صدر حينها.

ووفق البيان "تم تخصيص اعتمادات إضافية لرفع إجمالي ميزانية البرنامج الوطني إلى 143 مليار درهم (14.3 مليار دولار)".

وتمت "برمجة سدود جديدة، ومعاينة تكاليف حوالي 20 سدا يتوقع إنجازها، والتي ستتمكن من رفع قدرة التخزين إلى 6.6 مليارات متر مكعب من المياه العذبة".

وقال عمر الكتاني الخبير الاقتصادي إن "مؤشرات أزمة المياه كانت بادية منذ عقود، لذلك اعتمدت البلاد على سياسة السدود"، مضيفا أن البلاد "حصلت سابقا على دعم مالي من طرف البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، من أجل المضي قدما في سياسة بناء السدود".

وأوضح أن "هذه السياسة كانت تهدف لتحقيق الأمن الغذائي، إلا أن عددا من النواقص التي اعترتها لم تساهم في تحقيق هذا الهدف"، متابعا "ساهمت السدود في تلبية حاجيات البلاد، سواء ماء الشرب أو الماء الموجه للزارعة خلال فترة طويلة.. عمل كبير ينتظر البلاد بالنظر إلى توالي سنوات الجفاف".

ولفت ادريس الضحاك إلى أن المغرب يتجه حاليا إلى نهج طريقة جديدة لمواجهة الشح المائي والتي لها عدة تصورات متمثلة في استعمال مياه البحر، وإعادة استعمال المياه العادمة، بالإضافة إلى الحكامة في استعمال المياه، وتحسين شبكة التوزيع.

فبموازاة سياسة السدود، توجهت البلاد في السنوات الأخيرة بقوة إلى البحر لتعزيز إمداداته المائية.

ومطلع 2022، شرعت المملكة في استثمار محطة لتحلية المياه بمحافظة اشتوكة آيت بها (غرب)، وهي إحدى أكبر محطات تحلية مياه البحر بمنطقة البحر المتوسط وأفريقيا.

وتبلغ سعة هذه المحطة في مرحلة أولى 275 ألف متر مكعب يوميا، منها 150 ألف متر مكعب موجهة للمياه الصالحة للشرب، ويمكن لمليون و600 ألف نسمة الحصول على هذه المياه في جهة أكادير (جنوب).

وعام 1976 أنشأت المملكة أول محطة صغيرة لتحلية مياه البحر في طرفاية (جنوب) بطاقة إنتاجية 70 مترا مكعبا يوميا، اتبعها بمحطات في مدن أخرى بينها بوجدور وأغادير.

كما أعلنت السلطات شروعها في تشييد أكبر محطة لتحلية مياه البحر في القارة الأفريقية، بمدينة الدار البيضاء (غرب).

وتفيد معطيات رسمية بأن سعتها ستبلغ 300 مليون متر مكعب، بمعدل 840 ألف متر مكعب يوميا، بكلفة إجمالية 10 مليارات درهم (مليار دولار).

ودعا عمر الكتاني إلى إعادة النظر في كيفية التعامل مع السدود، واعتماد بدائل أخرى بالنظر إلى مخاطر أزمة المياه حاليا ومستقبلا، خاصة أن بعض المناطق الفلاحية البارزة في البلاد تعرف شحا كبيرا على مستوى الماء، مثل مدينة أكادير.

المغرب
الجفاف والزلزال جعلا الطلب يتزايد على المياه

وتشير المعطيات الرسمية إلى تراجع مقلق في حصة الفرد السنوية من المياه في البلاد، بينما تسعى المملكة إلى تحقيق "الأمن المائي" بمشاريع تحلية المياه.

وتراجعت حصة الفرد من الماء إلى أقل من 650 مترا مكعبا سنويا مقابل 2500 عام 1960، ومن المتوقع أن تقل الكمية عن 500 متر مكعب بحلول 2030، بحسب تقرير سابق للمجلس الاقتصادي والاجتماعي (حكومي).

ويرى الكتاني بأن الحكومة "مطالبة بتسريع برامج المياه، مع ضرورة توفر قوة التنفيذ، لأن الإرادة غير كافية في غياب تنزيل البرامج على أرض الواقع".

وتقول السلطات إن معدل هطل الأمطار هذا الموسم هو الأدنى منذ 41 عاما.

وسارعت وزارة التجهيز والماء، في اليوم الموالي للزلزال الذي ضرب شمال ووسط المملكة في 8 سبتمبر/أيلول، إلى رصد حالة السدود في المناطق المتضررة من الزلزال.

وأفادت الوزارة أنها رصدت حالة السدود في 9 سبتمبر/أيلول، وتبين أنه لم يحدث أي ضرر بهذه البنى التحتية المائية، ما عدا انقطاع التيار الكهربائي بسد واحد، موضحة في منشور بصفحتها الرسمية بفيسبوك أن "مياه سد واحد تعكرت لفترة وجيزة".

ورغم الموت والدمار الذي خلفهما الزلزال، إلا أن انشقاق الأرض فجّر عددا من الينابيع في بعض المناطق المتضررة، ليمنح أملا جديدا في الحياة لسكانها.

وأخرجت الأرض عيونها في عدد من المناطق، منها قرية أغزر التابعة لمدينة شيشاوة (وسط)، وبدأت مياهها في التدفق لتشكل جدولا، أدخل السعادة على نفوس الأهالي المكلومة.

وأقرت الحكومة، في وقت سابق، برنامجا للتزود بالمياه لأغراض الشرب والري للفترة بين 2020 و2027، باستثمارات 115 مليار درهم (نحو 12 مليار دولار).

ويرتبط اقتصاد البلاد بشكل كبير بالزراعة التي ترتبط بدورها بالأمطار، فضلا عن كون القطاع الزراعي يشغل نحو 40 في المئة من إجمالي اليد العاملة.

وأكد الوزير المنتدب المكلف بالعلاقات مع البرلمان، الناطق الرسمي باسم الحكومة، مصطفى بايتاس، خلال أشغال مؤتمر الأمن الغذائي العربي، أن المملكة المغربية تولي اهتماما خاصا للقطاع الفلاحي وبدوره المركزي في تحقيق الأمن الغذائي.