"المقاومة" قضت على لبنان... هل تقضي على العراق؟

مؤسسات الدولة اللبنانية في حالة استسلام لـ"حزب الله". مؤسسات الدولة العراقية تقاوم "الحشد الشعبي".
استطاعت ايران ان تجعل الوضع معلقا في العراق سواء بالنسبة للبرلمان او الحكومة
تعتبر ايران ان كل شيء مباح لها لتبرير بقاء الحشد الشعبي والمحافظة على دوره
ايران تزداد تمسكا بالورقة العراقية. هذا ليس وقت سحب هذه الورقة

ليس سهلا على رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي استعادة دور العراق في المنطقة على الرغم من كلّ الجهود التي يبذلها في هذا المجال. يركّز في جهوده على محاربة "داعش" من جهة وعلى حصر السلاح بالقوى الشرعية العراقيّة، أي الجيش العراقي والقوات الأمنية التابعة للدولة العراقيّة. تبدو المعركة التي يخوضها العراق شبيهة الى حدّ كبير بالمعركة التي يخوضها لبنان. في شكل عام، يبدو وضع العراق افضل من وضع لبنان، وإن نسبيا. يؤكّد ذلك عجز مؤسسات الدولة اللبنانيّة عن اتخاذ موقف واضح من البيان السعودي - الفرنسي الأخير الذي دعا الى ان يكون السلاح حكرا على الجيش اللبناني بدل ان تكون هناك دولة داخل الدولة اللبنانية، هي دولة "حزب الله".

في المقابل، يوجد في العراق من يدعو الى موقف واضح من "الحشد الشعبي"، وهو مجموعة ميليشيات مذهبيّة معظمها بإمرة ايران. يحدث ذلك عبر رفض ان يكون في البلد جيش مواز للجيش العراقي. هذا ما عبّر عنه، على نحو مباشر، مقتدى الصدر الذي بات يمتلك اكبر كتلة برلمانية في ضوء الانتخابات الأخيرة. وهذا ما عبّر عنه أيضا الكاظمي نفسه وان بطريقة غير مباشرة، خصوصا في ضوء محاولات الاغتيال التي تعرّض لها أخيرا عندما استهدف منزله بواسطة طائرات مسيّرة. يعرف الكاظمي قبل غيره من اين جاءت تلك الطائرات المسيّرة ويعرف خصوصا انّ المطلوب الغاء نتائج الانتخابات الأخيرة التي كشفت رفضا شعبيا عراقيا لميليشيات ايران في العراق. اكتفى بالقول عن مطلقي الطائرات المسيّرة: "نعرفهم جيّدا".

ستزداد التحديات التي تواجه الحكومة العراقيّة مع مرور الايّام. سيكون الإعلان عن "انتهاء المهمّات القتاليّة" للقوات الأميركية في العراق مناسبة كي تجد العناصر الموالية لإيران مناسبة لإطلاق شعار "المقاومة" والتمسك به. ستفعل ذلك بحجة انّه لن يحصل انسحاب عسكري كامل من العراق وانّ القوات الأميركية ستحتفظ بمهمات في العراق، من بينها "تدريب" الجيش العراقي في مجال استخدام الأسلحة التي يمتلكها. الاهمّ من ذلك كلّه، ترفض ايران الاعتراف بانّ الحكومة العراقيّة تمتلك شرعيّة التفاوض باسم العراق. بالتالي، لا قيمة للاتفاق الذي توصّل اليه مصطفى الكاظمي مع الرئيس جو بايدن في اثناء زيارته لواشنطن الصيف الماضي.

تعتبر ايران انّ كل شيء مباح لها لتبرير بقاء "الحشد الشعبي" والمحافظة على دوره وذلك كي يكون العراق نسخة طبق الأصل عن ايران. أي ان يلعب "الحشد الشعبي" الدور الذي يلعبه "الحرس الثوري" في "الجمهوريّة الاسلاميّة". ترفض اخذ العلم بأنّ هناك شعبا عراقيا يحقّ له تقرير مصيره. ثمّة امر واقع تعتبر ايران انّه ابدي وانّها استطاعت فرضه في العراق وذلك بعدما سلمتها ايّاه الولايات المتحدة على صحن من فضّة في العام 2003.

بين 2003 و2021، تغيّر الكثير. تغيّر العراق، خصوصا بعدما تبيّن ان النظام الذي فرضته طهران، بموافقة اميركيّة، غير قابل للحياة. في نهاية المطاف، يريد العراقيون ممارسة ثقافة الحياة بكلّ ما فيها من جمال. يرفضون، في معظمهم طبعا، ان يكونوا مثل الإيرانيين الذين خنقهم نظام ليس لديه ما يقدّمه لشعبه باستثناء البؤس والتخلّف.

في الوقت الذي تتفاوض فيه ايران مع اميركا في فيينا في شأن ملفّها النووي، يزداد تمسّك "الجمهوريّة الاسلاميّة" بالورقة العراقيّة. هذا ليس وقت سحب هذه الورقة من طهران. من هذا المنطلق، ستزداد التحديات التي تواجه مصطفى الكاظمي الذي عليه القتال على جبهتي "داعش" و"الحشد الشعبي". ذهب رئيس الوزراء العراقي الى الشمال الكردي ثم انتقل الى البصرة في الجنوب ليؤكّد ان الدولة العراقيّة ما زالت موجودة وانّها قادرة على الإمساك بالأمن. اكثر من ذلك، يسعى الى اثبات انّ هناك املا في مستقبل افضل للعراق الذي يستطيع لعب دور متوازن على الصعيد الإقليمي.

ليس صدفة استغلال "داعش" الجدل السياسي في شأن نتائج الانتخابات، وهو جدل تثيره أحزاب ايران وميليشياتها، لتحقيق خروقات في المحافظات الشمالية على حدود اقليم كردستان. وليس صدفة ان تستغل الميليشيات التابعة لإيران هذا الوضع للتحرّك في جنوب العراق، في البصرة تحديدا.

يظهر ان العراق مقبل على مزيد من التوترات الداخليّة التي سيستخدم فيها شعار "المقاومة" مجددا. ليس مستبعدا ان تشهد المرحلة المقبلة حملات من اجل تبرير احتفاظ "الحشد الشعبي" بسلاحه. ستلجأ ايران الى ممارسات شبيهة بتلك التي طبقتها في لبنان حيث وجد "حزب الله" مبررا، بعد انسحاب إسرائيل من جنوب لبنان في ايّار – مايو من العام 2000، كي يحتفظ بسلاحه. قضى هذا السلاح شيئا فشيئا، تحت شعار "المقاومة"، على الدولة اللبنانيّة ومؤسساتها. صارت ايران تتحكّم بانتخابات رئاسة الجمهوريّة في لبنان. إمّا ان يفوز مرشّحها وإما لا رئيس للجمهوريّة في لبنان. صارت ايران، التي فرضت قانونا انتخابيّا على مقاس "حزب الله" من يقرّر هل تتشكل حكومة في لبنان أم لا؟ هل يحقّ لهذه الحكومة الموجودة، بناء على رغبة ايرانيّة، ان تجتمع أم لا؟

تحت شعار "المقاومة" التي يجب ان تستمر في مواجهة الوجود الأميركي في العراق، حتّى لو كان هذا الوجود مقتصرا على "تدريب" الجيش العراقي الذي بات يستخدم أسلحة اميركيّة، يصبح سلاح "الحشد" مبررا. يصبح هذا السلاح ضرورة. في الواقع، هذا السلاح ضرورة ايرانيّة في العراق، مثلما انّ سلاح "حزب الله" ضرورة ايرانيّة في لبنان.

استطاعت ايران ان تجعل الوضع معلّقا في العراق. المجلس النيابي الجديد موجود. ليس معروفا هل سيجتمع، كما ليس معروفا هل ستتشكّل حكومة جديدة يوما برئاسة مصطفى الكاظمي... أم غيره؟ كلّ ما هو معروف انّ العراق ما زال يقاوم. يقاوم في الشمال، كما يقاوم في الجنوب. امّا لبنان، فيبدو، الى اشعار آخر، انّه استسلم. قضى عليه شعار "المقاومة". هل يقضي هذا الشعار على العراق أيضا، على الرغم من الجهود التي لا يزال يبذلها رئيس الحكومة الحاليّة الذي يسعى في كلّ ايّام الى اثبات ان الامل بمستقبل افضل لم يفقد بعد.