الملالي.. وأزمة اليسار العالمي

النظام الإيراني سعى إلى الخداع بتسويق: ثورة المستضعفين الإسلامية وحركة أممية للعدالة والمساواة وإقناع الغرب بقدرته بناء صد أمام الشيوعية وانتشارها.

بقلم: فايز الشهري

ليس غريباً أن يدعم قسم من سياسيي اليسار والاشتراكية المضمحلة في الغرب والشرق ملالي طهران حتى مع وضوح الجرائم (ورجعية) أصحاب العمائم عن (تقدميّة) الداعمين لهم. والفكرة في أصلها أن الاشتراكية العالمية واليسار كانوا داعمين قدماء للحركة الخمينية منذ ولادتها حيث عملوا على إبراز رموزها كمناضلين أمميين ضد البرجوازية والرأسمالية. قد لا يعرف كثيرون أن أبرز مفكري اليسار الفرنسي كانوا من النشطاء الداعمين لثورة الخميني سواء في مقالاتهم أو حواراتهم وعلى رأس هؤلاء الفيلسوف والروائي جان بول سارتر، والمؤرخ الفيلسوف ميشيل فوكو والكاتبة سيمون دي بوفوار.

أزمة اليسار مع المبادئ قديمة كون أيديولوجية الأحزاب والجماعات اليسارية في الغرب والشرق تنغمس في الشعارات الشعبوية أكثر من واقعية المبادئ. ولهذا هم يرفعون رايات العدالة والمساواة ثم حينما تلوح لهم الفرصة يتحولون إلى دمويين لا يطعمون شعوبهم سوى الخطب الطويلة. وهي حال تكررت على مستوى العالم من الشرق الأوسط وأوروبا الشرقية حتى أميركا اللاتينية وبعض جمهوريات إفريقيا. ولهذا فإن ضجة اليسار العالمي اليوم ومحور تحالفات بعض أجنحته في المنطقة مع محور (طهران/ إسطنبول) تأكيد على تاريخ من تناقض المبدأ والعقيدة. لقد راهن اليسار على الاتحاد السوفييتي وجماعات الفوضى فتساقطت هذه المنظومات، فعاد وراهن على الجماعات والأنظمة اليمينية تحت مفاهيم الاشتراكية أو الديمقراطية الاشتراكية أو الليبرالية الاجتماعية ولكنه لم يفلح.

وفي الشأن الإيراني تحديداً سعى الملالي منذ سنواتهم الأولى إلى الخداع بتسويق ثلاث أفكار متوازية تخدم بعضها البعض، الأولى في المجال الإسلامي حين روجوا فكرة أنهم روّاد "ثورة المستضعفين" الإسلامية ضد الاستعمار والهيمنة، والفكرة الثانية أمام اليسار الغربي والشرقي بوصفهم حركة أممية تسعى لتحقيق العدالة والمساواة. أما الفكرة الثالثة فظلّت سرية بينهم وبين قوى المحافظين في الغرب وتتلخص آنذاك في إقناع قوى غربية معينة بقدرتهم على بناء حائط صد أمام الشيوعية وانتشارها.

وفي شرقنا العربي وفي ظل غياب المشروع والمشروعية تشرذم اليساريون العرب بين خلطة القومية (البعث/ الناصرية) والأممية (المدرسة الشيوعية والماركسية) (التروتكسية/ الستالينية) ثم انتهى المطاف بهم وهم يتقاتلون ويناضلون ضد بعضهم حتى فنيت هذه المنظومات ولم يتبق منها سوى أسماء الشعارات الباهتة. وهكذا خسر اليساريون العرب النخب بإسقاطها وخسروا الجماهير بخذلانها.

نٌشرت في الرياض السعودية