الملك عبدالله يمارس الارشاد السياحي

عمان – بمجرد ان تشاهد عيناك الفيلم التلفزيوني "الاردن في عيون مليكه" ستنتابك الدهشة لا محالة ثم ستفركها مرتين وتتساءل .. احلم ام علم اني ارى رجلا غير عادي يمثل دور الدليل السياحي لتعريف العالم ببلاده وبحضارة امته العربية والاسلامية العريقة.
لكن سرعان ما تزول الدهشة ويبقى اليقين راسخا لتجيب نفسك قائلا.. نعم انه عاهل الاردن الملك عبدالله الثاني يظهر في الفيلم الذي عرضه التلفزيون الاردني مساء الجمعة دليلا سياحيا استثنائيا عصريا وسلسا يركب الدراجة النارية تارة ويقود طائرة مروحية تارة اخرى ويمتطي ظهر جمل ويغوص في مياه العقبة حينا ويتسلق الصخور ويجلس في خيام البدو احيانا اخرى.
ويبدو الفيلم الوثائقي التلفزيوني الذي انتجته محطة "ديسكفري" الاميركية كبرنامج لترويج الاردن سياحيا على المستوى العالمي والتعريف بكنوزه التاريخية والحضارية من خلال مشاهد خلابة و مواقف صعبة للمولعين بالمغامرات.
غير ان الفيلم ينطوي على مضمون يتجاوز هذه الاعتبارات الى شرح حجم الحلم الاردني في تبوء موقع متميز في المشهد العالمي المشحون تقلبا وتطورا في مختلف المناحي السياسية والفكرية والحضارية.
ففي الجانب الترويجي من الفيلم يظهر الملك عبدالله طيلة احداث الفيلم مع معده ومقدمه بيتر غرين بيرغ في انحاء متفرقة من الاردن في وادي رم وجباله وفي البتراء والعقبة والبحر الميت ووادي الموجب ايضا.
اما في الجانب الفكري للفيلم او ما يمكن وصفه بجانب الحلم فيسلط الملك عبدالله الثاني الضوء على الابعاد والمفاهيم الحضارية للرسالة الاردنية الى العالم المتغير والذي تعيش فيه الامة العربية والاسلامية تحديات خطيرة تتجاوز حدود اتهامها بالارهاب الى محاولات انكار حضورها في المشهد العالمي الجديد.
وركز الملك عبدالله منذ بداية احداث الفيلم على التسامح الاردني دينيا واجتماعيا والحفاظ على تقاليد الكرم والضيافة قبل ان ينتقل الى الحديث عن عراقة الحضارة العربية متمثلة بما ابدعه العرب الانباط هندسيا وحضاريا قبل ميلاد المسيح بثلاثة الاف سنة في قلب الصحراء حيث البتراء المدينة الوردية المعجزة التي اجتذبت فيما بعد غزو الرومان والبيزنطيين لاخضاعها لحكمهم.
واستهل بيرغ تقديمه للفيلم بالقول "انني عندما قررت الذهاب الى الاردن كان الناس يظنون انني قد اتعرض للخطف او اطلاق النار او انني فقدت عقلي لوجود العنف في المنطقة" ليبادر العاهل الاردني الى الرد قائلا انه "لسوء الحظ يسود تصور خاطئ حول الشرق الاوسط بان ما يحدث في احدى بلدانه يتسبب في منع السفر الى جميع دوله".
وضرب مثالا للتدليل على صحة ما ذهب اليه بالقول "فمثلا اذا ما حدثت مشاكل او قلاقل في سيسيناتي في الولايات المتحدة فهذا لا يعني انك لن تذهب الى واشنطن" مؤكدا ان "الاردن بحمد الله هو اكثر البلدان امنا في الشرق الاوسط".
واضاف مقدم الفيلم " ذا لم تفكر في الذهاب الى الاردن فقد يكون ذلك لان هذه المملكة الصغيرة تقع في جوار مضطرب، ولكن لا تدع جغرافية المكان تخيفك فالاردن عظيم الترحاب بضيوفه وتاريخه هو الاكثر ايغالا في القدم ويحوي اكثر الكنوز الدينية والاثرية في العالم وان تسامح الاردن الاجتماعي والديني هما ما يميزانه عن الكثير من دول الشرق الاوسط".
وبدأت احداث الفيلم باظهار جوانب الجذب والامن في الاردن وحينئذ يطرح بيرغ سؤالا "لماذا نعد هذا البرنامج .. ليأتي جواب الملك عبدالله فوريا" لكي نفتح اعين الناس على الروعة الاستثنائية لهذا البلد وشعبه والمفاجآت والتحديات التي سيقابلونها".
وبعد ان اصطحب ضيفه الى وادي رم وهو احب الاماكن الى نفسه في الاردن كما يصفه الملك الاردني تابع قائلا "نحن الاردنيين مولعون ببدو الصحراء ونحترم تقاليدهم فهم روح الاردن".
وروي في هذا الصدد قصة حدثت له مع بدوي في قلب الصحراء ويقول "كنت مع عمي ودعانا ذلك البدوي للغداء فاختفى الرجل في الصحراء ثم عاد بعد ساعة ومعه 15 خروفا واعد لنا الغداء ثم عرفنا فيما بعد انه باع حصانه الابيض الجميل الذي لا يملك في الدنيا سواه ليشتري لنا بثمنه الخراف ويقدمها غداء لنا".
واستعاد الملك عبدالله ذكرياته في وادي رم مع والده الراحل الملك الحسين بن طلال وقال "لقد كان والدي يحب هذا المكان وكان ياخذنا اليه عندما كنا اطفالا".
وقال ان "احداث فيلم «لورنس العرب» صورت هنا في وادي رم والذي اعتقد انه فاز بسبع جوائز عالمية وهذا المكان هو الافضل الذي يتيح لك القاء نظرة خاطفة على ما يشعر به كثيرون ففيه روح البدو وهم قبائل عاشت وجابت الصحراء منذ آلاف السنين ومازالت تعيش فيها حتى يومنا هذا".
واضاف "مازال البدو يحافظون على مبادئ ورموز الصحراء مثل تقديم الطعام والشراب والمآدب للغريب حيث تلقى في خيمة البدوي كل الترحيب".
ولفت الى ان "كثيرين يزورون وادي رم كل عام من اجل تسلق الصخور لكن توجد حاليا رياضة حديثة ومرغوبة جدا وهي التزلج على الرمال".
واثناء ظهوره في الفيلم في مدينة البتراء التي نحت الانباط في الصخور الصماء لجبالها الضخمة بيوتا وقصورا عجيبة وغناء يصفها بالقول انها "البتراء التي تستكين في قلب الجبال وهي اكثر المناطق اثارة في العالم .. لقد اتي الى هذا المكان منذ آلاف السنين مسافرون كثيرون وهم يترقبون اول لمحة لعجائب هذه المدينة القديمة".
واسترسل بقوله ان "هذا المشهد الرائع للبتراء يغمرك بمشاعر الرهبة والاحترام لتتساءل كيف يمكن لحضارة في مثل هذا القدم تحقيق مثل هذا الانجاز .. لقد وجدت هوليود الذهب هنا في فيلم انديانا جونز المسمى «الهجمة الصليبية الاخيرة» والذي تم تصويره هنا" ومضى قائلا "اسمع صوت الصدى الذي تعيده الي الجدران واكاد اتخيل اصوات صدى المسافرين وكل على حدة لها صوت صدى يبقى رنينه الجميل في الاذن ففي اوج ازدهار هذا الموقع قبل ميلاد السيد المسيح عاش شعب عرف بالانباط في البتراء في قلب الصحراء وكان مؤلف من حوالي ثلاثين الف شخص".
ويزيد في تعريفه بتاريخ الانباط ويقول "كانوا مهندسين ومعماريين حقيقيين جعلوا البتراء واحة تقليدية كانت تقف عندها القوافل التجارية مما زاد ثراؤهم حيث كانت لديهم مسارح ترفيهية يحضرها آلاف المشاهدين وقد كانت من الروعة بحيث اندفع الرومان الى الاستيلاء عليها ومن بعدهم احتلها البيزنطينيون".
وتابع "ومع تحول الطريق التجاري عنها اصبحت البتراء نسيا منسيا واختفت عن الخرائط طيلة الف عام وفي عام 1812 تمكن رحالة سويسري من اكتشافها واليوم تعتبر الامم المتحدة البتراء موقعا تراثيا عالميا".
واما الاشارة الاكثر وضوحا فكانت عند ضريح النبي هارون اذ يصطحب الملك الاردني بيرغ الى جبل هارون صعودا على الاقدام لمدة ثلاث ساعات حتى يشير الى المكان المعني قائلا "هذا ضريح النبي هارون شقيق النبي موسى والذي يبجله المسلمون والمسيحيون واليهود والامر المهم هو ان الاردن هو المكان الوحيد الذي مر به موسى والمسيح والرسول محمد (ص) في مراحل من التاريخ".
وتوجه عاهل الاردن عبدالله الثاني بطائرته المروحية اثر ذلك يرافقه مقدم الفيلم الى مدينة العقبة حيث يقول "منذ وقت قصير بدأت العقبة تشهد تطورا لتكون مركزا يجتذب السياح ويجعل هذا المكان اكثر جاذبية.. لقد حولنا المدينة برمتها الى منطقة تجارة حرة وهي تتمتع بشواطئ للسباحة والحيود المرجانية الجميلة ويشتهر البحر الاحمر بكونه من اكثر الاماكن العالمية جمالا للغوص. وشرع الرجلان في رحلة غوص في مياه العقبة قاصدين هيكل سفينة غارقة على عمق تسعين قدما بعد جعلها آمنة للغوص لخلق حيد بحري مناسب لجذب الاحياء البحرية".
وقال الملك عبدالله لضيفه "اتبعني لترى المرجان ومدى تكاثره والوفرة من المخلوقات البحرية التي تجتمع عند هذا الحطام اذ انه في كل مرة اعود اليه اجد شيئا جديدا وها هي الاسماك قد ازدادت عما كانت عليه قبل عام وكذلك المرجان".
وفي الخطوة التالية نقل ملك الاردن الاعلامي الاميركي الى منطقة البحر الميت التي تبعد مسافة ساعتين الى الشمال من العقبة وشرح له قائلا "يوجد هنا مشهد سريالي في منطقة من اكثر المناطق انخفاضا في العالم اذ يصل انخفاضها الى 1300 قدم تحت سطح البحر واذا ما توقفت لتفحص مياه الشاطئ ستتفاجأ بما ستجده. فمياه البحر تتمتع بسخونة غريبة ولكنها تتمتع بخصائص كيميائية فريدة وهي دون شك من اكثر مياه العالم سخونة".
واخذ الملك عبدالله مقدم البرنامج لوادي الموجب المحطة الاخيرة من الجولة وقال "هذا هو وادي الموجب وقد يكون الموقع الاجمل في الاردن بالنسبة للمسافر الذي يهوى المغامرات الصعبة وهو يعادل منطقة «جراند كانيون»" الذي يعد من اكثر المناطق الطبيعية شهرة في الولايات المتحدة.
ووصف وادي الموجب وكأنه يتغزل به بانه "الجوهرة الاردنية الزمنية وتملؤه بيوت العناكب واعشاش العصافير والاسماك تسبح امامك ويمكن التقاطها باليد فعندما تدور في نهاية الممر تنبهر برؤية تشكيلات صخرية لم تر مثلها في حياتك .. انه مكان ساحر للاكتشاف ونحاول ان نصل الى شلال مياه رائع ومكان منخفض يصعب الوصول اليه الا بتدريب مسبق ويحمل الموقع جمالية وهو من افضل الاسرار الاردنية المحفوظة".
وعبر الملك عبدالله عن شعوره ازاء جمالية الموقع مضيفا ان "الشلال الذي يتدفق في الوادي جزء رائع من هذه الطبيعة التي اسرتني بروعتها ولعلها من اكثر المواقع الاردنية اثارة التي شاهدتها في حياتي".
وفي الختام وجه كلامه لمعد ومقدم البرنامج قائلا "لا يمكنني ان اريك الاردن في ساعة واحدة ما زال هناك الكثير".
وبدوره لا يملك بيرغ في النهاية كما يقول "اخفاء دهشته من قيام ملك بنفسه في الترويج لبلده من خلال فيلم تلفزيوني" معتبرا "ذلك برهانا واضحا على ثقة الملك بنفسه وبوطنه وبمحبة والتفاف شعبه من حوله".