"الممر الآمن" يفشل في تأمين حياة آمنة لمقاتلين سابقين في بوكوحرام

بينما تؤكد الحكومة والجيش في نيجيريا نجاح برنامج الممر الآمن لعادة تأهيل مقاتلين سابقين في جماعة بوكوحرام استسلموا يقول نيجيريون عاشوا التجربة إنها غير آمنة كما يروج لها سواء حيث تقل فرص الاندماج بعد التأهيل مع غياب الوظائف والمهن بما يدفع البعض إلى الحنين لحياته السابقة.
خيبة أمل مقاتلين سابقين في بوكوحرام بعد انضمامهم لبرنامج إعادة تأهيل
تجاوزات "الممر الآمن" تدفع جهاديين سابقين إلى الندم على الاستسلام
معتقلون بالخطأ وظروف حياة صعبة بعد التأهيل
الدول الغربية خصصت ملايين الدولارات لتمويل البرنامج

مايدوغوري- في مخيمات النزوح في شمال شرق نيجيريا التي تضم نحو مليوني شخص هربوا من حركة بوكوحرام، يتكرر المشهد نفسه مع رجال هزيلين يجلسون على حصائر ويخيطون قبعات تقليدية لمحاربة الملل ونساء يحضرن الطعام في أقدار كبيرة فيما الأطفال يلهون بين الأكواخ المتفرقة.

عليو وأبوبكر ومحمد ومالام الذين تم تغيير أسمائهم، لم يتصورا أن مستقبلهم سيكون على هذا النحو. فهؤلاء المقاتلون السابقون في جماعة بوكوحرام الإسلامية انضموا إلى برنامج إعادة تأهيل للحكومة النيجيرية.

لكن بعد سنوات اعتقال خلفت صدمة في نفوسهم في زنزانات قذرة ومكتظة، انتهى بهم المطاف في هذا المخيم من دون مال وعمل بعيدا عن الانطلاقة الجديدة التي وعدتهم بها الحكومة.

وباشرت نيجيريا في 2016 عملية "الممر الآمن" (سايف كوريدور) موفرة إمكانية التخلي عن السلاح للراغبين في ذلك. وهي تشن بموازاة ذلك هجمات عسكرية على مقاتلي بوكوحرام والفرع المنشق عنها تنظيم الدولة الإسلامية في غرب إفريقيا. وأسفر النزاع عن سقوط أكثر من أربعين ألف قتيل في غضون عشر سنوات.

إلا انه لا يتم قبول الجميع في هذا البرنامج. وتدرس ملفات المقاتلين بعناية لاختيار الذين يشكلون تهديدا "ضعيفا" قبل نقلهم إلى مركز في مدينة ملام سيدي في ولاية غومبه في شمال شرق البلاد.

وعلى مدى ستة أشهر يتابعون حصصا لمحو الأمية وتدريبا مهنيا ودينيا ويتلقون مساعدة نفسية اجتماعية.

وخصصت الولايات المتحدة وبريطانيا والاتحاد الأوروبي ملايين الدولارات لتمويل هذا البرنامج.

ويقول مدير البرنامج محمد ماينا إن عملية "الممر الآمن سجلت نجاحات هائلة"، موضحا أنه "تم القضاء على التطرف لدى أكثر من 800 مقاتل سابق تائب وأعيد دمجهم في المجتمع بنجاح".

وقد يحذو حذوهم آخرون قريبا. فقد أعلن الجيش مطلع اغسطس أنه درس ملفات 335 مقاتلا سلموا أنفسهم قبل فترة قصيرة.

إلا أن الرجال الأربعة الذين التقتهم وكالة فرانس برس يؤكدون أن مسار الخروج من التطرف بعيد عن الرواية الرسمية. ويروي هؤلاء أنهم اعتقلوا على مدى سنوات من دون ملاحقات وفي ظروف قاسية جدا قبل أن يشملهم برنامج إعادة التأهيل.

والأسوأ من ذلك، يؤكد اثنان منهم أنهما مزارعان لم يتعاونا يوما مع الجهاديين واعتقلا خطأ مع الكثير من المواطنين العاديين الآخرين وبينهم أطفال.

ويصعب التحقق من مسار كل شخص إلا أن تقارير نشرت في السنوات الأخيرة ولاسيما من وكالة التنمية الأميركية ومنظمة العفو الدولية وثقت مئات الشهادات المشابهة.

وفي بيان نشر خلال السنة الجارية ذكرت منظمة الأبحاث "انترناشونال كرايسيس غروب" أن أشخاصا تابعوا البرنامج أكدوا لها أن أكثر من ربع الأشخاص في مركز إعادة التأهيل كانوا عناصر في بوكوحرام فعلا.

وقال التقرير "أما الغالبية المتبقية (...) فهم مدنيون فروا من المناطق التي تسيطر عليها بوكوحرام واعتبرتهم السلطات خطأ أنهم جهاديون واعتقلوا قبل أن يُلحقوا ببرنامج "الممر الآمن"".

إلا أن الجنرال ماينا ينفي أن يكون حصل ذلك، موضحا أنه "يتم اختيار المقاتلين السابقين بعد درس الملفات وإجراء تحقيق معمق".

وأكد مصدر مطلع آخر طلب عدم الكشف عن هويته مرور عشرات المقاتلين السابقين برتبة عالية ومن بينهم قادة في بوكوحرام عبر مركز إعادة التأهيل في غومبه لكن في إطار برنامج آخر.

عالقون

أبوبكر البالغ 48 عاما كان يزرع حقله ولا ينقصه شيء إلى أن اجتاحت بوكو حرام بلدته في ولاية بورنو مركز التمرد. ويقول الرجل الذي لديه ثلاثة أطفال "بعد ذلك بدأت مداخيلي تتراجع لكنهم كانوا يصادرون المحاصيل (..) وحتى الطعام الذين أعده".

ويضيف "كانوا يراقبوننا (..) كنا عالقون في فخ. لم يكن لدينا خيار آخر فهم كانوا مسلحين".

مالام (52 عاما) كان يزرع الذرة البيضاء واللوبياء في بلدة أخرى من ولاية بورنو. وعند وصول الجهاديين إليها أمروا الرجال بارخاء اللحى والنساء بملازمة المنازل ويروي انه عوقب بثمانين جلدة لأنه اشترى سجائر.

وقرر المزارعان الفرار مع عائلتيهما.

ويوضح أبوبكر الذي سمع عبر الإذاعة أن الحكومة تدعو المدنيين إلى ترك المناطق التي تحتلها بوكوحرام. وقال "هربنا تحت جنح الظلام (...) كنا نحو مئة شخص".

ورغم الخوف من أن يلقي الجهاديون القبض عليهم، لم تكن فكرة البقاء في القرية واردة.

ويوضح مالام وهو أب لخمسة أطفال "كنا ندرك أنهم سيقتلوننا يوما لأننا لا نقبل بهم".

لكن المزارعين أكدا أنهما أوقفا ما إن سيطر الجيش على المنطقة واقتيدا بعد الاشتباه بدعمهما للجهاديين إلى ثكنة جيوا حيث ظروف التوقيف صعبة جدا في مايدوغوري عاصمة بورنو. ولم يكن ذلك سوى المحطة الأولى في فترة اعتقال طويلة.

لا طعام ولا مراحيض

يفيد أبوبكر ومالام انهما أمضيا في الاعتقال ثمانية أشهر وأربعة أشهر على التوالي.

ويروي مالام قائلا "لم يكن الطعام متوافرا ولا المراحيض كانت الجراثيم منتشرة أينما كان (..) والناس يموتون يوميا".

وكان أبو بكر ونجله البالغ 13 عاما معتقلين في زنزانة مع 450 شخصا آخر. ويوضح "كنا مضطرين إلى البقاء واقفين جميعا بسبب اكتظاظ المكان".

بعد ذلك فصلا. يقول مالام أنه علم بالافراج عن نجله بعد بضعة أشهر في جيوا، بعد ست سنوات من خروجه من برنامج إعادة التأهيل.

في 2016 اتهمت منظمة العفو الدولية الجيش باعتقال عناصر ومناصرين لبوكوحرام بشكل جماعي "من دون أي دليل" في مواقع عسكرية مثل جيوا.

وعلق الناطق باسم الجيش اونيما نواشوكوو بشأن مالام وأبوبكر في تصريح لوكالة فرانس برس "كانا ضالعان بالتأكيد طوعا أو بشكل غير طوعي".

واعتبر الجيش أن أي نشاط يقوم على توفير المؤن والوقود او الأدوية لبوكو حرام حتى تحت الإكراه، يكفي ليصبح الشخص مشبوها.

ويقول نواشوكوو إن الجيش "لا يوقف الأطفال" إلا أن نساء اعتقلن بعد انضمامهن إلى صفوف بوكوحرام يطلبن أحيانا أن ينضم أطفالهن إليهن.

اعتقل المقاتلان السابقان عليو ومحمد أيضا في ثكنة جيوا بعد استسلامهما وهما يحتفظان بذكرى مريرة.

ويقول محمد "قالوا لنا إننا سنمضي شهرين إلى ثلاثة أشهر في جيوا (..) لكننا بقينا 18 شهرا".

كان عليو في الثامنة عشرة عندما بدأ جار له يحدثه عن "الحكومة الفاسدة" ويعطيه المال ويحدثه عن رؤيته للإسلام. وبدا يسلك عندها "طريق التطرف".

وفي احد الأيام غادر قريته والأهل وصولا إلى غابة سامبيسا معقل بوكوحرام الرئيسي.

وبعدما تابع دروسا قرآنية وتدرب على استخدام السلاح أصبح عليو البالغ 28 عاما اليوم، مهرب أسلحة ومن ثم مقاتلا يشارك "في هجمات كبيرة".

ويؤكد "فعلنا ذلك بدافع ديني. كان ذلك واجبنا".

كان محمد (25 عاما) طفلا ويتسول في الشارع عندما التقى شخصا حدثه عن محمد يوسف مؤسس بوكوحرام.

وقد أصبح هذا الرجل مرشده وأرسله إلى مدرسة قرآنية في "الفلوجة" إذ يطلق الجهاديون على مواقع في نيجيريا أسماء عراقية أو أفغانية، قبل أن يخوض "الجهاد".

ويروي محمد وهو أمي "كنت أتشوق لخوض القتال كنت أدرك أننا في حرب ضد الحكومة. وكانوا يقولون لنا أن هذا هو السبيل الصحيح".

ويقول الرجلان إنهما كانا عنصرين في بوكوحرام لستة أشهر لكن حماسة البدايات تراجعت تدريجيا بسبب سلوك رفاق السلاح.

ويروي محمد "كانوا يقومون بأشياء من دون سبب (.ز.) قتل وسرقة وهو أمر مخالف لتعاليم الدين. رأيت البعض منهم يتعاطى المخدرات".

في تلك الفترة سمح هجوم مضاد للجيش النيجيري بفضل دعم عسكري من الدول المجاورة كتشاد والكاميرون باستعادة أجزاء من الأراضي التي سيطر عليها المتمردون.

وعندما سمع الرجلان ببرنامج "الممر الآمن" وإمكان الحصول على تدريب مهني قررا الإقدام على هذه الخطوة. لكنهما اضطرا للانتظار سنتين تقريبا قبل تمكنهما من الانضمام إلى هذا البرنامج.

بدائل مستدامة

أقرّ نواشوكوو المتحدث باسم الجيش بأن العملية "ليست تلقائية" معتبرا أن الأمر يستغرق وقتا "للتأكد من أنهم فعلا تخلوا عن القتال".

ووجّهت الجهات المانحة والشركاء الدوليون انتقادات كثيرة "للتنميط" الذي يهدف أيضا إلى تحديد المشتبه بهم على نطاق أكبر لإطلاق ملاحقات محتملة.

وأشارت الوكالة الأميركية للتنمية الدولية (يو اس ايد) في تقرير إلى أن ذلك "لا يزال أمرا غامضا طالما أنه دون إشراف مستقل ولا أرشفة ولا تعريف رسمي لمعايير الاختيار".

يقول التائبان محمد وعليو إن معظم زملائهم السجناء لم يكونوا جهاديين.

ويؤكد عليو "في زنزانتي التي كانت تضمّ 260 شخصا، كنا 12 عنصرا فعليا من بوكوحرام".

من جهته، يضيف محمد "هذا ظلم بصراحة" مشيرا إلى أن من بين 300 من رفاقه في السجن "لم يتجاوز عدد عناصر بوكوحرام الفعليين العشرين".

لم يتسنّ لوكالة فرانس برس التحقق من هذه الأعداد. يؤكد ماينا، مدير البرنامج، أن عملية التحقق في جيوا "قد تكون غير كاملة، لكنها لا تزال دقيقة جدا".

في مستندات رسمية اطلعت عليها وكالة فرانس برس، تعترف الحكومة النيجيرية بأن بعض "المتعاونين" طوعا أو قسرا مع بوكوحرام هم ضحايا التمرد، لكنها تؤكد أن برنامج "سايف كوريدور" يقدّم لهم "بدائل مستدامة".

بعد جيوا، نُقل المزارعان أبوبكر وملام لتمضية المرحلة الثانية من اعتقالهم، إلى سجن مايدوغوري الذي يخضع لحراسة أمنية مشددة، حيث أمضيا ثلاثة أعوام إضافية دون توجيه التهم إليهما.

ويقول أبوبكر اليوم "كنت آمل في أن يحميني العسكريون لكن كان الأمر عكس ذلك".

وصل عليو ومحمد وأبوبكر وملام أخيرا إلى وجهتهم: مركز إعادة التأهيل في غومبه. خلال عام، تمكنوا من تعلّم القراءة والكتابة والنجارة والتلحيم وحتى التحدث مع أخصائيين اجتماعيين.

يروي أبوبكر "كان بامكاننا النوم، كانت لدينا ناموسيات ووسادات".

قرأوا نصوصا تتعارض مع الخطاب الجهادي. ويقرّ المقاتلون السابقون بأن البرنامج بدّل وجهة نظرهم.

ويؤكد عليو أنه "إذا أراد شخص ما اليوم الذهاب للجهاد، سأقول له "اتبع دينك الخاص في منزلك، لا تذهب للقتال"".

يشير محمد إلى أن مقاتلي بوكوحرام "خانوا مفهومي للجهاد لخدمة مصالحهم الشخصية".

لكن بالنسبة للمزارعين أبوبكر وملام، الوقت الذي أمضياه في مركز التأهيل في غومبه لم يكن سوى فترة اعتقال ممددة إضافية. يعتبر ملام أنه "أُرسلنا إلى هناك لنعاني".

ما مصير هؤلاء الرجال في نهاية المطاف بعد كل هذه السنوات الماضية التي أمضوها خلف القضبان وفي مركز إعادة التأهيل؟

بعدما يعلنون ولاءهم للدولة النيجيرية ويعدون بعدم العودة إلى القتال، يتلقى كل من أولئك الذين كانوا في مركز غومبه بشكل عام 20 ألف نيرة (حوالى 42 يورو) ويُرسلون إلى مركز عبور قبل الإفراج عنهم.

يوضح نواشوكوو أن هناك "روابط تُقام مع المجتمعات" للتحضير لعودتهم وتُكلّف السلطات المحلية ضمان إعادة دمجهم.

عندما التقى ملام زوجته بعد أن أمضى خمسة أعوام في الاعتقال، لاحظ أن الجوع غيّرها كثيرا.

ويقول "لقد عاشت في مخيم حيث لم يكن هناك طعام (...) توفي والداي وكل أطفالنا يعانون من سوء التغذية".

حتى أن المقاتلَين السابقَين عليو ومحمد اللذين يستوفيان شروط المقاتلين القدامى "ذي الخطر المنخفض" وقد مُنحوا عفوا، يشككان في نجاح البرنامج.

حاليا يعيشان كالمنبوذين ويجنيان بالكاد يورو واحد في اليوم في مخيم للنازحين، دون آفاق للمستقبل، وهما موصومان من جانب مجتمعهما.

ويشير محمد إلى أن المسؤولين عن البرنامج "حدّثونا عن وظائف، لكن في نهاية المطاف، ليس هناك وظيفة". وتساءل "أي نوع حياة نعيش؟ أنا نادم على الاستسلام".

في هذه المنطقة التي يمزّقها النزاع، حيث يعاني 4,3 مليون شخص من انعدام أمن غذائي بحسب الأمم المتحدة، يرى السكان الذين ينقصهم كل شيء بنظرة سيئة، ملايين الدولارات التي استُثمرت لإعادة تأهيل المقاتلين القدامى.

تشرح مريم أوييزا التي تدير جمعية تدعم النساء المعنّفات، أن "جهود إعادة الدمج جديرة بالإشادة (...) لكن هناك الكثير من العداء، الناس غاضبون".

رغم كل شيء، تأمل الحكومة الفدرالية والجهات المانحة في وقت سُجلت مئات حالات الفرار في الأشهر الأخيرة، في أن يشجّع البرنامج آلاف المتمردين الآخرين على الاستسلام.

لذلك، تعتبر مجموعة الأزمات الدولية أنه على السلطات النيجيرية أن تثبت أنها "قادرة على مواكبة المعتقلين حتى يحصلوا على شهاداتهم وإعادة دمجهم في المجتمع بكل أمان".

وأضافت "حتى الآن، عملية "الممر الآمن" لا تزال غير قادرة على تقديم هذا النوع من الضمانات".