المنيا تحتفي بتنوع المسارات الفنية لسارديها

اتحاد الكتاب المصري فرع المنيا ينظم مؤتمرا أدبيا احتفاء بالابداع السردي قصة ورواية أقيمت جلساته على مدار يوم كامل بمشاركة خمسة عشر ناقدا وباحثا.
محمد سمير عبدالسلام يتناول في دراسته تنوع المسارات الفنية للحكي في القصة القصيرة لدى بعض أدباء المنيا
شعبان عبدالحكيم يتوقف عند أثر شخصية المؤلف في النص الروائي ودورها في تشكيل البنية السردية

احتفاء بالابداع السردي قصة ورواية نظم اتحاد الكتاب المصري فرع المنيا مؤتمرا أقيمت جلساته على مدار يوم كامل بمشاركة خمسة عشر ناقدا وباحثا ومبدعا حاولوا البحث عن إجابات لعدد مثل ماذا قدم أبناء إقليم المنيا أحفاد طه حسين في مجالات السرد المتنوعة؟ هل استطاعوا أن يتموا ما بدأه؟ هل تجاوزوه؟ وما أبرز القضايا المجتمعية والفكرية التي قدموها؟ وما الأشكال الفنية التي ارتضوها لسردهم؟ وهل فيه من فتور؟ وذلك من خلال تناولهم للسرد والساردين في إقليم المنيا، كاشفين عن الإبداعات الحقيقية المتميزة التي يزخر بها هذا الإقليم، وكيف استلهم السرديون في المنيا وغير المنيا عبقرية المكان في إقليم المنيا وجعلوه بؤرة لإبداع حقيقي خلاق، قائمٍ على رؤية إنسانية بسيطة وعميقة.
المؤتمر الذي ترأسه الناقد د.محمد منير فوزي وتولى أمانته القاص طنطاوي عبدالحميد جاء في محورين الأول تناول السرد القصصي والثاني السرد الروائي ثم كانت هناك جلسة خاصة بشهادات المبدعين: ابتسام الدمشاوي، آمال الميرغني، شطبي ميخائيل، طنطاوي عبدالحميد طنطاوي، محمد عبدالحكم حسن، مصطفى بيومي.
وقد أكد الناقد د. محمد سمير عبدالسلام في دراسته على أن تنوع المسارات الفنية للحكي في القصة القصيرة لدى بعض أدباء المنيا؛ يتضح من خلال بعض النماذج التي تتناولها دراسته؛ حيث نجد السرد عند د.جمال التلاوي يمتزج بشعرية النص، واستدعاء الحكايات القديمة، وأبنيتها الرمزية المتعلقة بالذات، ونلاحظ احتمالية السرد القصصي وتوجهه نحو التجريب والتعددية، والإعلاء من الشخصيات الهامشية، والمتخيلة أو الطيفية أحيانا في قصص محمد عبدالمنعم زهران، ويختلط الكوني بالذاتي، والثقافي في قصص شطبي يوسف ميخائيل التي تنطوي على ثراء العالم الداخلي، وآليات الوعي، واللاوعي، وعلاقتها الجمالية بالشخصيات، والظواهر، وترتكز قصص ابتسام الدمشاوي على العالم الداخلي للبطلة، وشعرية الصورة السردية، ورمزيتها الكثيفة، وعلاقتها بحديث النفس في النص، وتنطوي قصص طنطاوي عبدالحميد طنطاوي على تصوير السارد للشخصية في نسقها الواقعي، وتعددية الخطاب التي تؤكد الاختلاف، والتعارض بين الرؤى، وطرائق إدراك العالم في السياق الثقافي الاجتماعي؛ ونعاين خصوصية تشكيل شخصية الأنثى الفنية، وعالمها الداخلي بلغة سردية شعرية تذكرنا بملول النص الجامع عند جيرار جينيت في مجموعة "جبل وبحر ووردة" لآمال الميرغني، وتكشف مجموعة أنستازيا لمرام بشير صدقي عن الحالات الإنسانية النسبية في الواقع اليومي، وما تحمله من عمق جمالي، ودلالي، كما تقيم مفارقات جمالية بنائية تكسر توقعات القارئ في قصصها القصيرة جدا في نهاية المجموعة. 

الرحلة إلى صعيد مصر كانت مفصلا كشفيا مهما ضمن منظومة الحكي، بكل ما تنطوي عليه هذه الرحلة من دلالات تنفتح على خزانة اللاوعي للذات المصرية 

وحلل د.شعيب خلف محمد قراءة في مجموعة "الذي كان" لجمال التلاوي مؤكدا أن أدب جمال التلاوي كثيراُ ما يذخر بعدد من العناصر التي تفتح مكامن النص للمتلقي للالتفاف حولها، علّه يجد فيها أبعادًا دلالية تعينه علي قراءة العمل والإبحار فيه، من هذه العناصر: الاعتماد كثيرًا علي استدعاء التراث الديني خاصة فنراه يأخذ من لحظات الانكسار والضعف التي صاحبت الأنبياء والرسل منطلقًا لشخصياته الرئيسة، وكأنه يريد أن يكرر لنا دائمًا بأن الشخصية التي يصنعها علي الورق شخصية صاحبة رسالة، هي خليفة للرسل الذين جاءوا من قبل الله عز وجل، والدليل على ذلك أنه يردف لحظات الانكسار والضعف التي استعان بها بلحظات القوة والانتصار، ولحظات تمرد على السائد الجامد، فهل ينتصر أبطاله في النهاية؟ أم هي لحظات جهاد مستمر لا تنتهي بانتهاء حياة الأبطال ودورهم في تبليغ الرسالة التي بعثوا بها ؛ بل هم مجرد علامات يحتاجون دائمًا لمن يكمل الطريق ويسلم الراية لمن يأت بعدهم .
وقال إن مجموعة "الذي كان" تبرز صورة البطل المهزوم المنكسر في واقع مهزوم مأزوم، يفرض سطوته وجبروته، على من يعيش فيه ويحيا لحظاته، وكأنه يريد منه ألا يخرج على نصه، ولا يفكر في فك قيده، ولا يجتهد في كسر غله، بل يستجيب لسطوة هذه النصوص، ولقساوة تلك القيود، وجبروت هذه الأغلال، ولا يستثني هذا الواقع كما جاء علي صفحات المجموعة بسطوته هذه أحدًا فيتشابه فيه: الإنسان، والحيوان، والنبات، والجماد، الكل ينال نصيبه، سواء كانت هذه النماذج تعبيرًا حقيقيًا عن ذاتها، أو انعكاسًا لصورة البطل المهزوم. إن هذه النماذج الكونية التي تمثل الكون كله: من إنسان، ونبات وحيوان، وجماد، هي تعبير واضح على أن الانكسار والتأزم لا يستثني أحدًا.
وتناولت د.أسماء عطا أربعة نصوص سردية لأربعة مبدعين: شوقي السباعي: جزيرة الحرمان، محمد عبدالحكم حسن: طلب صداقة، شعبان عبدالحكيم: الثعلب في القضاة، جمال التلاوي: الذي كان، تقول "لا يوجد عمل فني بدون تخييل، ولكن كيف يتم توظيف المتخيل داخل العمل الفني؟ عن طريق إبداع عوالم موازية للعوالم الخارجية، يعالج الكاتب من خلالها قضايا الواقع، ويتغلغل في باطن الوجود الجاري، ويسعى للتغيير والتبديل في مجريات الواقع المشبع بأشكال الضياع والتيه، ومن هنا يمتزج الواقعي بالخيالي في سبيكة واحدة، فينصهر مشكلاً عملاً أدبياً يثير القارئ ويسحبه معه داخل هذه العوامل؛ ليخلق الدهشة الفنية لدى المتلقي، وهذا ما ظهر لدى محمد عبدالحكم في روايته التي تواكب الواقع الحالي واقع التكنولوجيا، فيعنونها بـ "طلب صداقة" فطلب الصداقة يسحبنا خلفه إلى عالم "السوشيال ميديا" كما يبين حجم الصداقة التي تتاح للشخص داخل هذا الواقع، ربما لعدم ارتباطها بشروط الصداقة المعتادة، أو ربما نشأت هذه الصفحات للتعبير عن العزلة، وخاصة أن الهويات داخل هذا العالم أصبحت بلا قيمة، فالمبدع الحداثي يستعيض ويتعزى عن التغيير داخل المجتمع بالتغيير داخل النص، ويمكن القول بأن ما مر به المبدع العربي من إحباطات، ومراهنات قد أفضت به إلى العزلة، وإلى الاحتماء بنصه وطنه الأخير، وهكذا يعمل على العناية به والتغيير فيه، ربما كبديل عن الواقع الخارجي الموحش والفظ، أو ربما لاحتياج الشخص لهذا العالم الافتراضي الذي لا يتقيد فيه الكاتب بشيء، فبأقصى سرعة يغلق ويفتح يحذف ويقر، ويعيش صراعا آخر داخل هذا العالم، ولكن جمالية النص هنا تتمثل في قدرة الكاتب على مزج العالمين "الافتراضي، الواقعي" داخل النص ومن هنا يقول محمد عبدالحكم:
"منذ متى لم أتابع صفحتي على الفيسبوك؟! ترهقني تلك التعليقات وإلحاح بعض الأدباء عليِ بأن أتناول أعمالهم، شيء مؤسف أن أتناول عملا أدبيا ما.. والمنتج مصمم على فكرة لديه جمعها، وأصدقاؤه في سهرة الأمس، وممثل لديه بعض جمل يصر على قولها في المشاهد".

مؤتمر المنيا
مجالات السرد المتنوعة

وأضافت أن شوقي السباعي يعرض حالة آخرى من حالات التطور التكنولوجي المعاصر في اتكائه على التلفون المحمول كذاكرة بديلة عن الذاكرة المعتادة، ليعرض عبر الذاكرة البيضاء المتاحة في كل لحظة "تمتلئ مرة، وتفرغ مرات" مسيرة الحياة الإنسانية من خلال حالات الامتلاء والتفريغ عندما فرغت هذه الذاكرة من الأرقام التي أصبحت بديلا عن الأشخاص، ومن هنا امتدّ الصوت، وغاب الجسد في ظل التكنولوجيا المعاصرة إلى أن تتلاشى الذاكرة، ويجد الإنسان نفسه وحيدًا داخل هذا الواقع. يقول في "الذاكرة البيضاء": "فقد كل شيء حينما ضاع هاتفة المحمول، سعره ليس كبيرًا، وإنما قيمته الكبرى عنده تكمن في الأرقام الكثيرة لأناس يظن دائما أنهم هم المنقذون له في الشدة، الفخور بهم ساعة مباهاته بقدرته في التعرف على العظماء، وعلية القوم، والحصول على أرقام هواتفهم، وعند حصوله على رقم جديد يشعر بنشوة النصر الذي أحرزه بإضافته إلى أخواته من الأرقام الكثيرة التي ضافت بها ذاكرة الهاتف المحددة والتي أبدأ لم يسبق لأحد من أصحابها أن قام بالرد عليه".
وتوقف د.شعبان عبدالحكيم عند أثر شخصية المؤلف في النص الروائي ودورها في تشكيل البنية السردية من خلال دراسة تحليلية لنماذج روائية من إبداعات كتّاب المنيا حيث وجد في الكثير من أعمالهم كثيرا من صفات الكاتب في شخصية بطله، وأوضح "لنرى شخصية الأديب الإنسان صاحب الرسالة الإنسانية في صنع عالم الحب والخير والجمال، وجدناه عند مصطفى بيومي في رواية (إنسان) حيث حياة الأديب في عالم الإبداع والفن وممارسته حياته في نشوة وحرية وانطلاق، وجدناه عند فوزي وهبة في روايته (صباح الخير نوبل) حيث إيمانه برسالة الأديب، رسالة مقدسة يبيع حياته من أجل مجده الأدبي حتى ولو لم يجد التقدير والمجد المعنوي، ولكن طالما أنه قدَّم للحياة عطاء راقيًّا، فقد فاز بأعظم جائزة تضارع جائزة نوبل، وجدناها في رواية (ورد الأحلام) لعبدالحكيم حيدر، وفي رواية (كلاب الصيد) لطنطاوي عبدالحميد طنطاوي، وفي رواية (عصفور النار) لشطبي ميخائيل، ومع تفرد كل كاتب في رؤيته وفي سرده الخاص، وفي نوعية القضية التي يتحمَّلها، فشطبي ميخائيل يركز على الوطنية وحب الوطن وجمال الوطن بداية من قريته نزلة الفلاحين، وعبدالحكيم حيدر يجد شخصية الكاتب ضائعة مبددة في الحياة تقدم دون مقابل، وطنطاوي يرى شخصية المبدع لا بد أن تغير المجتمع لا بالكتابة فقط ولكن بالمواجهة والتصدي للفساد، ولا حظنا – أيضا – اختلاف طرائق السرد بين الكُتَّاب فوزي وهبة، وطنطاوي، وشطبي ميخائيل، يسيرون على النهج الكلاسيكي في بناء الأحداث والشخصيات، وعبدالحكيم حيدر ومصطفى بيومي يستخدمون تقنيات حداثية كاستخدام تيار الوعي واستخدام الكولاج ...إلخ.
وقدمت د.سوسن ناجي رضوان قراءة نقدية في رواية "919هـ" حيث رأت أن رواية 919 هجرية للروائي ابراهيم صالح تقدم نمطا من الكتابة السردية المختلفة في تجربتنا الأدبية المعاصرة، حيث تبدو بما تنطوي عليه من إشارات أدبية خروجا صريحا على الكتابة السردية التقليدية. في نهجها وبنائها؛ ربما لانتفاء مركزية المكان، بل وانكسار الزمن إلى وحدات سردية، أضف إلى الرؤية الذاتية للسارد، والتي أنتجت خطابا استهدف القبض على القارئ بإيقاعه في شباك البناء الدائري المعتمد على تكسير الزمن؛ لتقديم قراءة جديدة للواقع المصري عبر التاريخ، وبالتحديد في حقبة عصر المماليك، وما انطوى عليه هذا العصر من سقطه حضارية للمصريين، أو كبوة اجتماعية وسياسية أفضت بهم إلى الاحساس بالغربة داخل الوطن، بل ومواجهة كل التناقضات في الواقع ومع الذات. ولذا كانت رحلة الخروج من المحروسة هي المنطلق الوجودي الذي يروم المؤلف من خلاله الكشف عن التحولات التي طرأت على المجتمع المصري، أو هي محاولة لإيجاد التبرير للانهيار الذي طرأ على نسق الحياة للمجتمع المصري، بما تنطوي عليه من عادات وتقاليد وثقافة واقتصاد. 
لذا كانت الرحلة إلى صعيد مصر أقاليم المنيا بالتحديد مفصلا كشفيا مهما ضمن منظومة الحكي، بكل ما تنطوي عليه هذه الرحلة من دلالات تنفتح على خزانة اللاوعي للذات المصرية في تلك الحقبة وما ينطوي عليه الباطن من إرادة الخروج على المألوف، أو الخلاص من قيود لازمت هذه الذات وسجنتها في إطار قيود لا وعيه.
وتواصلت مناقشات المؤتمر حيث تناول د.عمر محمد عبدالواحد: الفضاء السردي في رواية "شق الجبل"، ود. شهير أحمد دكروري: تشكلات السرد ومفارقة البطولة عند شعبان عبدالحكيم ومحمد عبدالحكم حسن وناصر عاشور، ومحمد أحمد محمود: السارد وتوظيف التاريخ في روايات شطبي ميخائيل، ود.محمد مدني: المنيا في الرواية المصرية المعاصرة "دراسة في سيموطيقا الفضاء الروائي عند مصطفى بيومي"، ومروة عمر: الرؤية النسوية وتشكلات السرد "قراءة في رواية سأكتفي بك للروائية هاجر عيد.