المواقع الأثرية بمراكش تتعافى من تداعيات زلزال الحوز

المدينة الحمراء تنفض اثار زلزال الحوز عن هويتها التاريخية والجمالية بفضل أشغال الترميم المتواصلة.

مراكش (المغرب) - استعادت المواقع الأثرية بمدينة مراكش التي تضررت بفعل الزلزال، وهجها، وذلك بفضل إطلاق برنامج طموح مكن هذا التراث الثقافي المادي الذي يعود تاريخه إلى ألف سنة، من الحفاظ على طابعه المعماري المتفرد.

فقد شكلت وزارة الشباب والثقافة والتواصل (قطاع الثقافة) منذ الأيام الأولى التي أعقبت الزلزال، فرق عمل متخصصة لتتبع أشغال الترميم والتأهيل العاجلة للمعالم التاريخية والمواقع الأثرية المتضررة.

كما اتخذت تدابير عاجلة أخرى، في إطار المرحلة الأولى الرامية أساسا إلى إعادة فتح المعالم الأثرية التي تلقى إقبالا أكثر من طرف سياح وزوار مدينة "السبعة رجال"، وعلى رأسها قصر الباهية، وقصر البديع، ومقابر السعديين، في انتظار تنفيذ برنامج عام وشامل يضم مجموعة من التدخلات الأكثر اتساقا، بالاستناد على دراسات تقنية متعمقة.

ومكن هذا المجهود الكبير المبذول من قبل وحدات الوزارة والسلطات المختصة من إعادة فتح هذه المواقع في وقت قياسي وذلك في بداية أكتوبر/تشرين الأول 2023.

وأكد مفتش المباني التاريخية والمواقع بالمديرية الجهوية للثقافة بجهة مراكش آسفي جمال أبوالهدى عبدالمنعم أنه "تم إحصاء حوالي 60 موقعا ومبنى تاريخيا متضررا من زلزال الحوز، بما في ذلك قصر الباهية والبديع ومقابر السعديين، وأسوار المدينة العتيقة، ودار الباشا ودار السي سعيد، بالإضافة إلى المساجد التاريخية مثل الكتبية".

وأضاف عبدالمنعم في تصريح لوكالة المغرب العربي للأنباء أن المواقع المتضررة خضعت لعمليات ترميم مستعجلة، مبرزا أن المرحلة الثانية من إعادة التأهيل العامة ستنطلق بمجرد إنهاء إعداد الدراسات التقنية.

وشدد على أن الوزارة الوصية خصصت مبلغا ماليا قدره 120 مليون درهم لتمويل مختلف هذه التدخلات، مبرزا أن الهدف الأسمى هو أن تستعيد هذه المعالم حيويتها ورونقها، مع إضافة لمسات تعزز من جاذبيتها وتحافظ على أصالتها.

وفي تصريح مماثل، أكدت محافظة قصر الباهية حنان لبشير أنه بفضل جهود مختلف الفاعلين تم في البداية العمل على ترميم الأجزاء المتضررة، مذكرة بأن قصر الباهية أعاد فتح أبوابه بعد شهر واحد من الزلزال (9 أكتوبر/تشرين الأول 2023) لاستقبال زواره في أمان.

وتابعت أنه تم بعد ذلك إطلاق الدراسات التقنية اللازمة والمعمقة من قبل مكاتب الخبرة والمراقبة، مشيرة إلى أن الأضرار التي لحقت هذه المعلمة أثرت على 30 في المئة من الموقع (الأسطح، الأبواب، الممرات والجدران). كما أن التدخلات الأولى للترميم والتعزيز تمت يوما بعد حدوث الزلزال. وإذا كانت الآثار والمواقع التاريخية التي يقصدها زوار المدينة الحمراء قد تضررت من تداعيات زلزال الحوز، فإن الجهود المبذولة من طرف كافة المتدخلين مكنت من استعادة ألق هذا الموروث الثقافي الزاخر الذي يشكل رافدا حضاريا حيويا للمدينة الحمراء.

رسم بياني

كما تتواصل في عاصمة النخيل عمليات ترميم وإعادة تأهيل المساجد التي تضررت جراء زلزال الحوز. وتُعد المساجد العتيقة في مراكش من أبرز المعالم الدينية والثقافية التي تجسد الهوية التاريخية للمدينة الحمراء، إذ ارتبطت بأدوار روحية واجتماعية مهمة ولا تزال رمزا للإرث الحضاري والتفرد المعماري الذي يميز المدينة.

وفي إطار الحفاظ على هذا الكنز الحضاري والديني تبرز أهمية إعادة تأهيل المساجد العتيقة في مراكش والعديد من المناطق المتضررة، وهو مشروع يشمل ترميم وتجديد البنى التحتية للمساجد وإعادة بناء بعضها بشكل جزئي أو كلي، بهدف صون رونقها الجمالي والحفاظ على أصالتها واستمرار الأدوار المتعددة التي تضطلع بها.

وعلى مستوى جهة مراكش آسفي بلغ عدد المساجد المتضررة من الزلزال 1504 مسجدا، موزعة على عمالة مراكش وإقليمي الحوز وشيشاوة.

وقال المندوب الجهوي للشؤون الإسلامية لجهة مراكش آسفي عبدالرحيم بغزلي لوكالة المغرب العربي للأنباء إن الأضرار لحقت على مستوى مراكش بـ382 مسجدا، خضعت كلها لعدد من الدراسات التقنية، مشيرا إلى أنه ضمن هذا العدد سيخضع 50 مسجدا إما لعملية إعادة البناء الكلي أو إعادة البناء الجزئي، وسيخضع 215 مسجدا لعمليات إصلاح تتراوح بين الإصلاحات الجذرية والإصلاحات الطفيفة.

وفي ما يتعلق بالمساجد ذات الطابع الأثري والتاريخي أكد أن الأشغال المتعلقة بعمليات الترميم ستبدأ في القريب العاجل في أغلب هذه المساجد البالغ عددها 57 مسجدا، مضيفا أن جامع الكتبية الذي تم حصره كذلك ضمن هذه الفئة خضع لترميم دقيق وفق المعايير والمواصفات المعمول بها دوليا في مجال ترميم المآثر التاريخية.وذكر بأن هذه المعلمة التاريخية المشعة في العالم الإسلامي جرى فتحها خلال رمضان الماضي لأداء الصلوات الخمس وصلوات التراويح في حفل روحي بهيج، بعدما رممت أعمدتها وأسقفها الخشبية والجبصية بالاستعانة بفرق متخصصة في الهندسة المعمارية والمدنية وعلم الآثار والتقنيات المختلفة التي تستوجبها عملية ترميم مثل هذه المآثر التاريخية، موضحا أن الأهالي وزوار المدينة استحسنوا إعادة فتح جامع الكتبية في ظرف وجيز.

وشملت مسجد القصابين المتواجد بساحة جامع الفنا الذي يندرج ضمن المساجد الـ57 التي ستخضع قريبا للترميم بكل عناية، كذلك جميع الدراسات المعمارية والتقنية والآركيولوجية.

ويعود بناء هذا المسجد التاريخي إلى القرن السادس الهجري (583 ه/ 1187 م) ويتواجد في مكان اشتهر في الفترة الموحدية بدكاكين الجزارة، لذلك سمي بالقصابين (أي الجزارين).

وأشار بغزلي إلى أن المسجد تضرر بشكل كبير، إذ دمر الزلزال مئذنته بأكملها وأصيبت جدرانه وقبابه بشكل كبير، لذلك تم التدخل فيه بشكل مستعجل وتم تدعيمه حتى لا تتساقط الأجزاء المتبقية منه، في انتظار الشروع الفعلي قريبا في أعمال صيانته.

الأمر نفسه بالنسبة لجامع مولاي اليزيد الذي تضررت قبابه وأعمدته وجدرانه وصومعته، إذ خضع لعملية التدعيم كي لا تتعرض مرافقه لأضرار إضافية.

وأكد بغزلي أنه تم فتح من ضمن 382 مسجدا تضرر من الزلزال، ما يزيد عن 290 مسجدا بعد القيام بالإجراءات والأشغال اللازمة، أي حوالي 70 في المئة من المساجد المتضررة.

ومن جهة أخرى، فقد كان من بين أبرز العناوين لعملية إعادة التأهيل بمدينة مراكش الاهتمام بالمباني المتضررة من زلزال الحوز، حيث ظهر ارتياح كبير في صفوف المستفيدين لسرعة إنجاز الأشغال، وذلك بفضل المواكبة والمراقبة الصارمة من قبل السلطات.

فمنذ انطلاق البرنامج الضخم لإعادة البناء، تنفيذا لتعليمات العاهل المغربي الملك محمد السادس، تعيش عاصمة النخيل على إيقاع دينامية متواصلة لتحديث وإعادة تأهيل المنازل والفنادق التي هدمت كليا أو جزئيا، ومختلف المباني المتضررة من زلزال الثامن من سبتمبر/أيلول 2023.

وبالمدينة العتيقة تحديدا التي تعد إحدى المناطق الأكثر تضررا على مستوى عمالة مراكش تم بذل جهود جبارة من قبل السلطات المحلية من أجل إتمام هذا المشروع بنجاح.

ويتجلى ذلك من خلال الشعور بالارتياح الكبير الذي يبديه أصحاب المنازل والمحلات داخل الفنادق التي تخضع لإعادة التأهيل والتحديث في إطار عملية بناء ما بعد الزلزال.

وأشاد هؤلاء المستفيدون في تصريحات لوكالة المغرب العربي للأنباء بالمجهودات الكبيرة التي تبذلها السلطات، معربين عن التزامهم وتعبئتهم المتواصلة لضمان المواكبة الضرورية والمتابعة الدقيقة للتدخلات المبرمجة.

ونوه عدد من السكان، وكذا بعض الحرفيين وأصحاب المحلات بفندق بنشبابة، الذي انتهت أشغال إعادة تأهيله، بسرعة استجابة السلطات المحلية والفاعلين المؤسساتيين المعنيين لتذليل كافة الصعوبات وضمان السير الجيد لعملية إعادة البناء، لاسيما من خلال الزيارات الميدانية المنتظمة وتبسيط الإجراءات.

وعبر المستفيدون من عملية إعادة البناء هذه عن ارتياحهم الكبير لوتيرة تقدم الأشغال التي تم الانتهاء من جزء منها بشكل كامل، في حين توجد أخرى في مرحلة جد متقدمة.