الموصل تنتظر الإعمار بعد عام من التحرير

الأهالي يتهمون بغداد بالتلكؤ وعدم الجدية في التعاطي مع مسألة إعادة إعمار المدينة رغم تأكيد منظمات دولية دمار حوالي 90 في المئة من الجانب الغربي من الموصل.

الموصل (العراق) - "تحررنا، وعدنا إلى بيوت مهدمة". هكذا تشتكي أم محمد، ربة المنزل في أحد أحياء البلدة القديمة في غرب مدينة الموصل، التي أعلنت السلطات العراقية تحريرها قبل عام من سيطرة تنظيم الدولة الإسلامية.

تقول السيدة الثلاثينية أم الأولاد السبعة المتشحة بالسواد التي عادت قبل فترة وجيزة إلى ما تبقى من منزلها قرب جامع النوري الكبير الذي شهد الظهور العلني الوحيد لزعيم تنظيم الدولة الإسلامية أبو بكر البغدادي "إلى ماذا عدنا؟ بيوت مهدمة وخدمات معدومة".

في العاشر من تموز/يوليو 2017، أعلنت القوات العراقية استعادة السيطرة على مدينة الموصل بعد تسعة أشهر من المعارك الدامية، بدأت في شرق المدينة، وصولا إلى غربها الذي شهد حربا ضروسا أسفرت عن دمار كبير خصوصا في المدينة القديمة.

فقد اختفت منارة الحدباء التاريخية، التي تعد أبرز معالم الموصل، وتعرضت للتجريف كما هو حال العديد من المساجد والمواقع الأخرى والمنازل وبات بعضها ركاما.

ولئن عادت الحياة إلى طبيعتها في الجزء الشرقي من الموصل، فإن الدمار لا يزال شاخصا في غربها. وقبل أيام فقط، بدأ السلطات المحلية بعملية رفع الأنقاض بمشاركة متطوعين.

ويشير "المجلس النروجي للاجئين" في بيان إلى أنه بعد مضي عامٍ على استعادة الموصل "لا يزال هناك أكثر من 380 ألف شخص من سكان المدينة بلا منزل، وأحياؤهم عبارة عما يصل إلى 8 ملايين طن من الحطام"، مضيفا أن "حوالي 90 في المئة من الجانب الغربي من مدينة الموصل مدمر".

ويلفت المجلس إلى أن الموصل تحتاج إلى 874 مليون دولار أميركي لإصلاح البنية التحتية الأساسية.

الدمار في الموصل
الدمار على حاله بعد سنة من التحرير

لا احتفالات

لا احتفالات ولا زينة في شوارع المدينة الشمالية التي كانت تعد مفترق طرق تجارية، حولها الجهاديون خلال ثلاث سنوات إلى عاصمة "دولة الخلافة".

يقول أبو غصون (44 عاما) العاطل عن العمل والذي استأجر بيتا في شرق المدينة بعد خسارة منزله في غربها إن "التخريب والتدمير الكبير للساحل الأيمن (غرب) أفرغ التحرير من محتواه".

مثله غدير إبراهيم فتاح (35 عاما) الفرح بالتحرير لكن "كنا نتوقع الإعمار مباشرة لكن شيئا لم يتحقق. هذا ترك إحباطا وغصة في نفوس الأهالي المنكوبين".

اليأس منتشر بين غالبية السكان، وخصوصا لدى العائلات التي لا تزال تبحث عن مفقودين، على غرار أم قصي (40 عاما).

تشتكي السيدة التي تسكن في منطقة النبي يونس في الشطر الشرقي من الموصل غياب أي متابعة رسمية لهذا الملف، قائلة "لماذا لا ترد علينا الحكومة؟"

وكل يوم جمعة، تتحول ساحة المنصة في الموصل إلى موقع تجمع لسيدات يبحثن عن مصير مفقودين من عائلاتهن.

نساء يرتدين ملابس سوداء ويرافقهن أطفالهن وبعض الرجال، ويحملن صور "مفقودين"، في مشهد يذكر بـ"أمهات ميدان مايو" اللواتي فقدن أطفالهن في عهد الديكتاتورية العسكرية في الأرجنتين (1976- 1983).

الكل يشير بإصبع الاتهام بالتلكؤ إلى الحكومة، التي لم تقدم على أي خطوة إعمارية حتى اليوم.

يقول عضو مجلس محافظة نينوى غانم حميد إن "الحكومة المركزية متلكئة ومقصرة بشكل كبير تجاه المحافظة. لم تقدم شيئا يذكر".

ويضيف "قبل معركة التحرير عقد مؤتمر باريس، وبعد التحرير عقد مؤتمر الكويت لإعادة الإعمار. كل ذلك حبر على ورق".

مخاوف أمنية

وسط كل ذلك، تحذر أصوات في المدينة من إمكانية التدهور الأمني في محافظة نينوى التي أعلن العراق فرض كامل سيطرته عليها في نهاية آب/أغسطس الماضي.

يلفت عضو البرلمان العراقي عن محافظة نينوى أحمد الجربا إلى أنه "ليلة الجمعة، عبرت عجلات رباعية الدفع لعناصر داعش، الحدود السورية باتجاه الأراضي العراقية من قضاء البعاج" في غرب نينوى.

ورغم إعلان بغداد في كانون الأول/ديسمبر الماضي انتهاء الحرب ضد التنظيم المتطرف عقب استعادة آخر مدينة مأهولة كان يحتلها، يشير خبراء إلى أن مسلحين إسلاميين متطرفين ما زالوا كامنين على طول الحدود المعرضة للاختراق بين العراق وسوريا وفي مخابئ داخل مناطق واسعة من الصحراء العراقية.

وتشهد المناطق الواقعة في محيط كركوك وديالى شمالا تدهورا أمنيا، حيث لا يزال الجهاديون قادرين على نصب حواجز وخطف عابرين، ما اضطر الحكومة مؤخرا إلى إطلاق عملية عسكرية واسعة ضد خلايا الجهاديين في تلك المناطق.

ويطالب كثيرون الحكومة بسرعة اتخاذ اللازم ومسك الشريط الحدودي مع سوريا منعا لتكرار سيناريو العام 2014.

وفي هذا الإطار، يوضح المحلل السياسي عامر البك أن نينوى اليوم "تشهد تعددا للقوات الأمنية من جيش وشرطة وحشد شعبي وعشائر وغيرها. ومع ذلك هناك انفلات أمني".

ويضيف "الصورة اليوم تهدد بعودة داعش، لكن بصورة مختلفة هذه المرة".