المونديال يفتح الباب لتطبيع جوي بين قطر وإسرائيل
الدوحة - تدشن قطر وإسرائيل بمناسبة بطولة كأس العالم لكرة القدم التي تستضيفها الدوحة، تطبيعا جويا بعد اتفاق مؤقت توصل له الطرفان ستسيّر بموجبه شركة طيران غير إسرائيلية رحلات جوية مباشرة بين البلدين لنقل مشجّعين إسرائيليين وفلسطينيين لحضور مونديال 2022 الذي ينطلق في 20 نوفمبر/تشرين الثاني الحالي، وفق ما اعلن الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا) اليوم الخميس في بيان
وقال 'فيفا' في بيان إنّه بموجب الاتفاق "سيتمّ مؤقتا تشغيل رحلات مستأجرة مباشرة بين مطار بن غوريون في تل أبيب ومطار حمد الدولي في الدوحة من قبل شركة طيران لها حقوق هبوط قائمة في قطر طوال مدة كأس العالم، وفقا لمتطلبات إسرائيل الأمنية والقدرات التشغيلية".
وأضاف أنّ هذه الرحلات ستكون متاحة أمام الإسرائيليين كما الفلسطينيين بشرط أن تكون بحوزتهم بالإضافة إلى تذكرة سفر صالحة ذهابا وإيابا، تذكرة لحضور إحدى المباريات، وبطاقة 'هيّا' التي تعتبر بمثابة تأشيرة لدخول قطر. وبحسب مصادر دبلوماسية فإنّ 10 آلاف مشجّع إسرائيلي وفلسطيني لديهم تذاكر مباريات.
وبموجب بيان الفيفا "سيتمّ تقديم الخدمات القنصلية للمواطنين الإسرائيليين بالتنسيق مع وزارة الخارجية الإسرائيلية من خلال شركة سفريات دولية خاصة يديرها القطاع الخاص ومقرها الدوحة".
واكتفى البيان بالقول إنّه "سيتمّ الإعلان عن مزيد من التفاصيل في الوقت المناسب"، من دون أن يوضح ما المقصود تحديدا بـ"متطلّبات إسرائيل الأمنية" ولا القيود التي من الممكن أن تفرضها إسرائيل على سفر الفلسطينيين عبر مطارها.
وبالنسبة لكثيرين فإنّ فكرة سماح إسرائيل لفلسطينيين من غزة أو حتى الضفة الغربية بالسفر عبر مطار بن غوريون بمجرد حيازتهم تذاكر السفر والمباريات وبطاقة 'هيّا' هي أمر غير واقعي.
وفي ما خلا حالات استثنائية نادرة، لا تسمح الدولة العبرية للفلسطينيين من سكّان الضفة الغربية بالسفر عبر مطار بن غوريون. أما بالنسبة للفلسطينيين من سكّان القدس الشرقية فبإمكانهم السفر عبر هذا المطار وهم يستخدمون في ذلك إجمالا وثائق سفر أردنية.
ونقل البيان عن رئيس الفيفا جاني إنفانتينو قوله "يسعدنا التوصل إلى اتفاق بشأن زيارة المشجعين الإسرائيليين والفلسطينيين لقطر وحضور المباريات خلال كأس العالم. بهذا الاتفاق سيتمكن الإسرائيليون والفلسطينيون من السفر جوا معا والاستمتاع بكرة القدم معا"، مضيفا أن "الإعلان التاريخي الذي صدر اليوم (الخميس) يوفّر منصّة لتحسين العلاقات في جميع أنحاء الشرق الأوسط".
وفي القدس قال رئيس الوزراء الإسرائيلي يائير لبيد الذي هزم في الانتخابات التشريعية الأخيرة أمام منافسه من اليمين المتطرف بنيامين نتنياهو ويستعد لمغادرة منصبه، إنّ هذا الاتفاق يحمل "أخبارا رائعة لمشجّعي كرة القدم ولجميع الإسرائيليين"، من دون أن يأتي على ذكر ما أشار إليه بيان الفيفا بشأن سفر الفلسطينيين عبر مطار بن غوريون.
يسعدنا التوصل إلى اتفاق بشأن زيارة المشجعين الإسرائيليين والفلسطينيين لقطر وحضور المباريات خلال كأس العالم
وأضاف لبيد في بيانه "بعد عمل شاق على مدار عدة أشهر، رتّبنا للمواطنين الإسرائيليين ليتمكنوا من السفر إلى كأس العالم في قطر على متن رحلات مباشرة، ولافتتاح مكتب إسرائيلي في قطر لتقديم الخدمات للمشجّعين" الإسرائيليين.
وفي الدوحة، قال مسؤول قطري طالبا عدم نشر اسمه إنّ هذا الاتّفاق "يندرج في إطار التزام قطر بمتطلبات استضافة كأس العالم في كرة القدم ولا ينبغي تسييسه"، مضيفا "لطالما قلنا إنّ أيّ شخص لديه تذكرة مباراة لكأس العالم سيُسمح له بدخول قطر. بفضل هذا الاتفاق، سيكون بمقدور الفلسطينيين الآن الاستمتاع بأول بطولة لكأس العالم في العالمين العربي والإسلامي".
وحذّر المسؤول القطري من أنّ هذا الاتفاق قد يتمّ تجميده إذا ما حصل "تصعيد" في أعمال العنف في القدس الشرقية، مضيفا أنّ "موقفنا من التطبيع لم يتغيّر. موقف قطر لا يزال مرتبطا ارتباطا وثيقا بحلّ القضية الفلسطينية، بما في ذلك حلّ الدولتين وفقا لقرارات مجلس الأمن ذات الصلة ومبادرة السلام العربية. في الآونة الأخيرة، لم نشهد في عملية السلام أيّ تطوّرات إيجابية تستحق أن نغير سياستنا".
ومنذ سبتمبر/أيلول 2020، وقعت إسرائيل مع كل من الإمارات والبحرين والمغرب على اتفاقيات لتطبيع العلاقات. كما وافقت الحكومة الانتقالية السودانية في يناير/كانون الثاني 2021 على المضي قدما نحو توقيع اتفاقية مماثلة لصفقة لم تر النور بعد.
وتعتبر الاتفاقيات التي وقعت برعاية أميركية من الرئيس السابق دونالد ترامب تاريخية في توقيتها، لكنها أثارت جدلا واعتراضات من قبل الفلسطينيين ودول أخرى مثل إيران، بينما تؤكد الدول العربية التي طبعت علاقاتها مع تل أبيب أن اتفاقيات السلام مع إسرائيل لا تعني التخلي عن دعم المطالب الفلسطينية المشروعة.
وكانت قطر من بين الدول التي انتقدت الاتفاقيات التي أثارت غضب الفلسطينيين، لكن الدوحة ذاتها منخرطة في اتصالات مباشرة مع إسرائيل ووفرت لمسؤوليها حضورا كبيرا ومباشرا من خلال قناة الجزيرة التي استضافت على مدى السنوات الماضية وفي ذروة التصعيد العسكري الإسرائيلي عشرات المسؤولين العسكريين والسياسيين الإسرائيليين.
الاتفاق قد يتمّ تجميده إذا ما حصل تصعيد في أعمال العنف في القدس الشرقية. موقفنا من التطبيع لم يتغيّر
وتصاعد التوتر بين إسرائيل وقطر على خلفية مقتل الصحافية الفلسطينية-الأميركية في فضائية الجزيرة القطرية شيرين أبوعاقلة في مايو/ايار الماضي خلال تغطية عملية عسكرية للجيش الإسرائيلي في مدينة جنين شمال الضفة الغربية المحتلة. واتهمت الفضائية ومقرها قطر، إسرائيل باستهداف أبوعاقلة عمدا.
وفي محاولة لعدم إثارة المزيد من الضجيج حول مسائل حقوقية خلال المونديال، رفض الاتحاد الدولي لكرة القدم طلبا للمنتخب الدنماركي بارتداء قمصان مؤيدة لحقوق الإنسان خلال تدريباته في مونديال قطر 2022، بحسب ما أعلن الاتحاد المحلي للعبة الخميس.
ورفض فيفا طلب الدنماركيين ارتداء قمصان عليها عبارة "حقوق الإنسان للجميع"، بحسب ما قال متحدث باسم الاتحاد الدنماركي لكرة القدم الذي أبدى اعتراضه على اعتبار أن تلك العبارة رسالة سياسية، غير أنه أكد امتثاله لقرار فيفا كي يتجنّب الغرامات والعقوبات.
وتواجه قطر انتقادات بسبب سجلها الحقوقي خصوصا حيال مسألة العمال الأجانب في مشاريع بناء صروح المونديال وحقوق النساء ومجتمع الميم.
وقال مدير الاتحاد الدنماركي ياكوب ينسن في تصريحات لوكالة 'ريتزاو' الدنماركية "أرسلنا طلبا إلى فيفا لكن الرد كان سلبيا. نأسف لذلك لكن علينا أن نأخذ ذلك في الحسبان".
وسبق أن أعلن الاتحاد الدنماركي أن القمصان التي سيرتديها لاعبو المنتخب خلال التدريبات ستحمل "رسائل انتقادية".
وتقول قطر إنها تواجه حملة مغرضة بسبب استضافتها للمونديال، نافية صحة اتهامات لها بانتهاكات واسعة لحقوق العمال الأجانب.
ونفى منظمو مونديال 2022 الخميس ما جاء في تقرير لمنظمة غير حكومية بريطانية حول "التمييز والاستغلال" في مواقع تشييد ملاعب المونديال ارتكز على شهادات نحو ستين عاملا.
نعتقد أن آلاف العمال يجب أن يحصلوا على تعويضات عن رسوم التوظيف غير القانونية والأجور غير المدفوعة وأضرار أخرى
وقالت اللجنة العليا للمشاريع والإرث في بيان إن التقرير المكون من 95 صفحة الذي أصدرته منظمة "إكويديم" بعنوان "إذا اشتكينا فُصلنا"، "مليء بالمعلومات غير الدقيقة والتصريحات المضللة".
تتعرض قطر لانتقادات بسبب معاملتها للعمال المهاجرين لا سيما في مجال البناء رغم إجرائها "إصلاحات" وفق ما تقر "إكويديم" ولا سيما من خلال وضع حد أدنى للأجور يناهز 207 يورو شهريا وتقليص نظام الكفالة الذي كان يمنع الموظفين من مغادرة البلاد أو تغيير الوظائف بدون إذن صاحب العمل.
لكن رئيس المنظمة غير الحكومية مصطفى قادري قال في بيان "نعتقد أن آلاف العمال يجب أن يحصلوا على تعويضات عن رسوم التوظيف غير القانونية والأجور غير المدفوعة وأضرار أخرى"، وهو مطلب سبق أن رفعته عدة منظمات من بينها منظمة العفو الدولية.
ويفيد التقرير بأنه اعتمد على شهادات 60 عاملا أجنبيا تم توظيفهم بين عامي 2014 و2022 في الملاعب الثمانية التي ستستضيف البطولة ويورد مجموعة من المظالم التي تتراوح من "ثقافة الخوف" في العمل إلى التعرض للحرارة الشديدة والبرودة والغبار" وصولا إلى استحالة أخذ إجازة مرضية وعدم دفع الأجور.
وتورد المنظمة أيضا شهادتين غير مباشرتين تستحضران السقوط القاتل لمواطن من بنغلادش في مارس/اذار 2019 وآخر صيني "بالتأكيد في عام 2021" في ملعب لوسيل الذي يستضيف المباراة النهائية، إضافة إلى شهادة عامل كيني قال إنه شهد في نفس المكان "العديد من الوفيات والإصابات الخطيرة في صفوف زملائنا" بينما "استمر العمل بشكل طبيعي".
وردّت اللجنة العليا للمشاريع والإرث بأن هذا الاتهام "باطل قطعا وقد قُدم بدون أي دليل مثل غالبية التقرير"، فيما تحدثت في تقاريرها عن الاستعدادات للمونديال عن تسجيل "ثلاث وفيات مرتبطة بالعمل و37 وفاة غير مرتبطة بالعمل منذ 2014".
وشددت اللجنة على أنه "نظرا إلى الإجراءات المتوخاة من أجل سلامة العمال، سيكون من المستحيل عمليا إخفاء أو عدم الإبلاغ بشكل صحيح عن وفاة مرتبطة بالعمل"، معتبرة أنه "لا يمكن تصور وقوع حوادث مميتة تبلغت بها إكويديم وليس أي وسيلة إعلام أو منظمة غير حكومية أخرى" مثل منظمة العمل الدولية التي افتتحت مكتبا في الدوحة عام 2018.
وفي بيان منفصل، أعلن الاتّحاد الدولي لكرة القدم (فيفا) إنه "على اتصال مع نظرائه القطريين لتقييم المعلومات الواردة في التقرير"، لافتا إلى "عمليات التفتيش المستقلة المنتظمة" التي أجراها الاتحاد الدولي لعمال البناء والأخشاب.