الناتو يفتتح مكتبا بالأردن وعينه على التوسّع في المنطقة
عمان - أثار قرار حلف شمال الأطلسي "الناتو" فتح مكتب اتصال له بالعاصمة الأردنية عمّان، جملة من التساؤلات بشأن الأدوار التي سيلعبها من خلال أول مقرّ له في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.
وصدر القرار في ختام قمة الناتو الأخيرة التي عقدت بواشنطن في يوليو/تموز الجاري، لكن النية لإنشاء المكتب وردت في البيان الختامي لقمة الحلف المنعقدة في ليتوانيا في الشهر نفسه من العام 2023.
وتأتي هذه الخطوة بالتزامن مع حروب وأزمات تعصف بالمنطقة وتهدد استقرار إقليم بات يشكل بؤرة أحداث ساخنة على مستوى العالم.
ويرى مراقبون ومحللون أن الغاية من قرار الناتو هو ضبط التحركات السياسية لعدد من دول المنطقة، وفي مقدمتها إيران، بينما يرى آخرون أنه لـ"فرض هيبة" الحلف بالمنطقة، وضمن استراتيجية التوسع نحو المتوسط.
وفي 11 يوليو/تموز الجاري، أصدرت الخارجية الأردنية والحلف بيانا مشتركا، قالا فيه إن "الحلفاء في قمة الناتو لعام 2024 في واشنطن اعتمدوا خطة عمل لتعزيز نهج التعاون بمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا لمواكبة تطورات المشهد الأمني الإقليمي والعالمي".
وأوضح البيان أن الخطوة تهدف إلى "إظهار التزام الحلف بتعزيز التعاون مع دول الجوار الجنوبي، من خلال إنشاء مكتب اتصال للحلف في المملكة الأردنية الهاشمية، وهو الأول في المنطقة".
وأكد أن قرار افتتاح المكتب يعد "علامة فارقة في الشراكة الاستراتيجية العميقة بين الأردن والحلف، حيث يقر الناتو بدور الأردن المحوري في تحقيق الاستقرار إقليميا ودوليا، ويشيد بإنجازاته الممتدة في مكافحة التهديدات العابرة للحدود كالإرهاب والتطرف العنيف".
وأوضح البيان أن المكتب سيساهم في "تعزيز الحوار السياسي والتعاون في المجالات ذات الاهتمام المشترك بين حلف الناتو والأردن".
كما "سيعزز التواصل المستمر بين الأردن والحلف، بما يسهم بتعزيز فهم أعمق للسياقات الوطنية والإقليمية وإحراز التقدم المنشود في تنفيذ برامج وأنشطة مشتركة"، وفق البيان.
وذكر أن إنشاء المكتب يهدف إلى "دفع الحوار السياسي وتبسيط التعاون العملي بين الحلف والأردن، وهو تطور طبيعي في العلاقة المتنامية بين الأردن والحلف الممتدة منذ عام 1996".
وفي هذا السياق يقول المحلل السياسي والخبير الاستراتيجي عامر السبايلة، للأناضول إن إنشاء مكتب للناتو في عمان "خطوة متفق عليها منذ مدة من الزمن وليست جديدة، وهي جزء من استراتيجية التوسع نحو جنوب المتوسط، خاصة بعد حرب أوكرانيا"، مضيفا "هناك قناعة لدى الحلف بضرورة العمل على رفع كفاءة حلفائه، وإظهار الدعم لهم في مواجهة الأخطار المتزايدة".
ويرى أن الحلف أراد من تلك الخطوة أيضا "تحسين صورته حيث تعرض خلال السنوات الماضية إلى تنميط سلبي، وارتبط ظهوره بفكرة الحروب والقلاقل، لكنه يقوم بالتنمية ورفع القدرات أيضا، وفتح المكتب في الأردن يعد أسلوبا للتعبير عن صورته الحقيقية بشكل أوضح".
وتابع "الأردن أهم بلد خارج إطار أعضاء الحلف، ويتمتع بميزة أكبر من غيره؛ إذ يراه الناتو حليفا موثوقا"، مردفا "الأردن كجغرافيا وواقع يمر بتحديات غير مسبوقة، سواء بانتشار الجماعات الإرهابية على حدوده، والمليشيات التي تسعى لاستهداف أمنه".
ويعتبر السبايلة أن إنشاء مكتب الناتو بعمّان "رسالة من حلفاء الأردن بأهمية المملكة والعمل معها وتطوير قدراتها وكفاءاتها لمواجهة التحديات سابقة الذكر".
ويؤكد أن "الأهم في إنشاء المكتب هو التعبير عن عمل وصورة الحلف، وأعتقد أن الرسالة منه جماعية وليس لدولة بعينها، وأستبعد أن يكون موجها ضد إيران".
بدوه قال عبدالحكيم القرالة، الكاتب والمحلل السياسي، إن "الأردن يمتلك موقعا جيوسياسيا مهما في منطقة ملتهبة تسودها الصراعات والعنف، ولها ارتدادات على أمن المنطقة والأمن والسلم الدوليين".
ويعتبر أن "اختيار الأردن مقرا للمكتب يعود إلى علاقته مع الناتو، والقائمة على التنسيق والتعاون حيال مجابهة العديد من التحديات المشتركة وتجاوزها".
وبشأن أثر المكتب على العلاقات العربية الروسية، يوضح القرالة أن "الأردن والدول العربية تربطهم علاقات جيدة مع روسيا قائمة ومستمرة، ولا أعتقد أن فتح المكتب سيؤثر على العلاقات العربية الروسية، فتأطير أي شراكة ضمن حدود معينه لا تعني بالضرورة أنها تستعدي طرفا آخر".
وبخصوص الموقف الإسرائيلي المحتمل إزاء القرار، يعتبر المحلل أن "مثل هذه العلاقة الاستراتيجية مع الناتو لا تروق لدولة الاحتلال، في ظل المكانة الكبيرة التي يتمتع بها الأردن لدى القوى الوازنة دوليا، وخصوصا الولايات المتحدة وأوروبا".
وأضاف "الموقف الأردني الصلب المنافح عن الحق الفلسطيني واستثمار علاقات في هذا الاطار، أزعج الكيان الذي لا يريد طرفا مؤثرا في جبهة الدفاع عن فلسطين".
بدوره قال الوزير الأسبق محمد المومني، عضو لجنة الشؤون الخارجية بمجلس الأعيان الأردني، إن هناك "فائدة متبادلة من الاتفاق، فهو شهادة عالمية مهمة بقدرات المملكة ودورها المحوري، إضافة إلى التأكيد على أهمية رؤية الأردن وقراءته للمشهد العام بالمنطقة".
وأوضح أن فتح مكتب الناتو في الأردن يوفر "إمكانية للتأثير على القرار الدولي من خلال تقييمات عمّان الإستراتيجية الاحترافية".
ولفت المومني إلى أن "الناتو مستفيد أيضا كونه سيكون مطلعا بشكل مهني واحترافي أكثر على واقع الإقليم، ما يمكنه من اتخاذ قرارات أفضل وأدق تجاه التهديدات الأمنية، ويعزز شبكة علاقاته وتعاونه مع دول الإقليم".
وشدد على أن "الشرق الأوسط مهم جدا للأمن والاستقرار الدوليين، فالإقليم لا يزال مصدرا أساسيا للتهديدات العالمية في مرحلة ما بعد الحرب الباردة وتفجيرات سبتمبر/ أيلول 2001 في نيويورك".
ويوضح أن تلك التهديدات تشمل "انتشار الإرهاب والتطرف، ووجود عدة دول منهارة في المنطقة تشكل تهديدات عابرة للدول".
وختم بالقول "يبدو أن أهم تحالف عسكري وإستراتيجي عالمي بدأ يسير نحو مأسسة العلاقة مع الإقليم بطريقة قد تؤدي لتعامل أفضل مع تحدياته".