النزوح والسلوك الاجتماعي اللبناني

يصل لبنان يوميا الالاف من اللاجئين يحملون معهم مشاكلهم ويغيرون من واقع العلاقات الاجتماعية في البلد.

في علم الاجتماع السياسي المحقق في بناء المجتمعات وإعادة التكوين في النظم السياسية، ثمة ثوابت باتت جزءا من سياقات من الصعب اهمالها او تجاوز آثارها في السلوك المجتمعي. ومن الملفت في هذا الاطار ان ظاهرة النزوح واللجوء باتت امرا يؤرق صانعي سياسات الدول، كما أصحاب العلاقة والاختصاص على المستويات الإقليمية والدولية، وهي قضية باتت أولوية متقدمة لمواجهة تداعياتها المقلقة.

والامر الأكثر خطورة والاشد اثرا يكمن في الدول والمجتمعات المتعددة التي تعاني في الأساس خللا في التركيبة السكانية او التوزيع الديموغرافي داخلها، وهو امر يشكل خطرا داهما ومحققا في إعادة التركيب السكاني، كما السلوك النفسي المجتمعي المتصل بالعادات والسلوكيات والأعراف التي تبدو غريبة في أحيان كثيرة.

واذا كان الامر يبدو بهذا الشكل من التعقيدات اللامتناهية، فان الامر يبدو اشد خطرا في بعض الدول والمجتمعات ومنها لبنان على سبيل المثال لا الحصر، حيث تتعدد وتتنوع المسببات عبر الكم الهائل من التقاليد والعادات والأعراف الوافدة على مجتمع يعاني في الاساس اشد أنواع الحساسية من أي مظهر اجتماعي او سلوك يتخذ طابعا محددا مغايرا عن الشائع او اقله المتعارف عليه.

ثمة مظاهر دخلت الحياة الاجتماعية اللبنانية، عبر عقود خلت بعضها بات جزءا من سلوكيات اعتاد المجتمع اللبناني عليها ولو عنوة، وبعضها الآخر ثمة صراع دفين لا يعرف معظم متلقيه كيفية مواجهته او اقله الحد من تداعياته وتغلغله في السلوك المجتمعي غير القادر او القابل على هضمه بسهولة، او التعايش معه ولو مؤقتا وفي ظروف يعتبرها ستتغير يوما ما، ليعاود العيش وفقا لرؤاه وما اعتاد عليه.

ثمة مؤثرات إضافية دخلت في طور التغيير الحاصل، وهو الوضع الاقتصادي الصعب جدا والذي بلغ مستويات غير مسبوقة، مما أخذ السلوك الاجتماعي في التعاطي مع المؤثرات الى أماكن يمكن وصفها بالعنصرية والكراهية وصولا الى مستويات الصدامات المباشرة، مع استعمال طرق ووسائل غريبة على المجتمع اللبناني لم تظهر في سلوكه ابان اشد النزاعات الداخلية والأكثر دموية، ذلك يدل على مستوى تأثير الوافدين الجدد في الحياة الاجتماعية بعد الاقتصادية والعملية وغيرها. فمثلا ثمة شيوع ملفت لحالات القتل والسلب الذي يمارس بصور وحشية كالذبح والتعذيب عبر عصابات محترفة ومنظمة منتشرة في غير مكان، وتمارس نشاطاتها بشكل مرعب وسط عدم قدرة فعلية على التصدي لها ومواجهتها.

وفي لبنان الذي شهد موجات نزوح ولجوء متعددة ومتكررة وبخلفيات وأبعاد متنوعة، باتت هذه الظاهرة تشكل مفردة سياسة ذات مخاوف امنية وعسكرية، ومخاطر وجودية على الكيان اللبناني نفسه، حيث بات النازحون واللاجئون يشكلون اكثر من نصف المواطنين ويشكلون مؤثرا اجتماعيا وسلوكيا خطرا على بنية السلوك المجتمعي المخترق بعادات بعيدة عنه.

حاليا ثمة موجات نزوح غير مسبوقة تصل الى الآلاف يوميا وسط عجز تام على مواجهتها او التخفيف منها، ووصلت الى حد الاستسلام وترك الأمور على عواهنها، لاسيما وان ثمة سلوك سياسي دولي يشجع هذا النزوح وعمل في السر والعلن على ابقائهم وتوطينهم حيث هم. واللافت في هذا الموضوع انه ليس جديدا، وانما تم العمل عليه وطرحه في العديد من محطات الازمة اللبنانية، وكان أيضا سببا رئيسا في اشعال الازمات وتفجير التصارع المجتمعي.

في لبنان باتت الظروف الاجتماعية مهيأة فعليا وعمليا لشتى مظاهر التغير السلوكي، ذلك بفعل هشاشة الواقع الاجتماعي وضمور عوامل التصدي والمواجهة، علاوة على تحلل مؤسسات الدولة، وتلاشي الضوابط المجتمعية، في ظل مراكمة هائلة لمؤثرات النازحين واللاجئين الذين باتوا يمتلكون القدرات لمواصلة تثبيت دعائم الوجود والتمدد الجغرافي والديموغرافي.