النصوص الشعرية في ظل التقنيات المعاصرة

كتاب الدكتور عبدالرحمن المحسني "بصريات نقدية/فصول في تعالق الأدب والتقني" يعنى بحركة النص الأدبي مع المعطيات التكنولوجية المتجددة.
الشعر المعاصر يرتبط في مكوناته الفنية والدلالية بعصره
الصورة التقنية ساهمت في فتح أفق الصورة الشعرية المعاصرة

جدة (السعودية) - صدر عن نادي جدة الأدبي الثقافي كتاب الدكتور عبدالرحمن المحسني "بصريات نقدية/فصول في تعالق الأدب والتقنة"، ُتعنى في مجملها بحركة النص الأدبي في ظل التقنيات الجديدة التي شهدها العصر الحديث. 
وهذه الفصول نتاج هجس للباحث يزيد على عشرة أعوام حول حركة النص الأدبي وتقاطعات التقنية المعاصرة، بدأه الباحث من تقاطع النص الأدبي وتقنية الـsms، إلى ما بعدها من تقنيات جدّت. 
وهذا الكتاب يمثل جزءاً من جهد بحثي كتبه لأغراض مختلفة، منها البحث الأكاديمي، ومنها محاضرات ومشاركات في مؤتمرات علمية، ومداخلات لطلابه في الدراسات العليا. وتلك خطوات على طريق يتصل، يتتبع فيه الباحث تطور حركة النص الأدبي في ظل التقنيات المتجددة، ولا يدعي الباحث من قبل ولا من بعد أنّه يقدم الكفاية، فجهده جهد المقل، لكنه يزداد بالتماس مع هذا الخط المعرفي قناعة بأن التقارب مع النص المعاصر يعد مسؤولية وتحدياً يجب على المتخصصين أن يواجهوه بإخلاص.
تناولت هذه الدراسة أثر التقنية المعاصرة ومدى تعالقها مع النص الشعري المعاصر في خمسة فصول، تناول أولها، تطور مفهوم الصورة الشعرية في ظل التقنية، من خلال جملة من النماذج الشعرية، إذ عرض الفصل نماذج من الصورة التقليدية ونماذج من تطور الصورة في ظل المعطيات التقنية المحيطة بالتجربة. وتناول الفصل الثاني أثر التقنيات اللانصية والنصية على بناء الشعر المعاصر، حيث تفاعل النص الشعري مع تقنيات معاصرة كالهاتف، والتلفاز ويوتيوب.
وجاء الفصل الثالث عن الأناشيد الإسلامية ومداخلها التقنية، وأثرها في دعم الإرهاب العالمي من خلال عرض نماذج من تلك الأناشيد وتحليلها. أما الفصل الرابع فتتبع مسارات القبيلة من العصر الجاهلي إلى القبيلة التقنية المعاصرة، وبيّن أن القبيلة في تاريخها الممتد من العصر الجاهلي إلى العصر الحديث تقع بين عدة موازين للتفاضل، وأنها تتراجع كمقياس للتفاضل حينما نحسن طرح مقاييس تفاضل جديدة كمقياس قيم الإسلام في عصر النبوة، ومقياس العلم في الدول المدنية المعاصرة. وكان الفصل الخامس عن تقاطع العتبات التقنية وتعالقها مع النص والعنوان والمكان من خلال نموذج معاصر.
 وخلصت الدراسة إلى عدة نتائج منها: أسهمت الصورة التقنية القائمة على عناصر الملتوميديا والصورة المتحركة التلفازية في فتح أفق الصورة الشعرية المعاصرة، ووسّعت أبعادها عند المتلقي، فلم يعد ينظر إلى الصورة التقليدية القائمة على التصوير بالكلمة وحدها، بل أصبح يقرأ تلك الصورة/ الكلمة في سياقات الصور التقنية المصاحبة لها.
استطاعت النماذج التي ساقتها الدراسة أن تبين أن الشعر المعاصر يرتبط في مكوناته الفنية والدلالية بعصره، ويحيل على هذا العصر في تقنياته اللانصية وشارعه التقني، وبناه الفنية.

"بصريات نقدية/فصول في تعالق الأدب والتقني"
من أجل ذاكرة لا تُمحى

أثبتت الدراسة تقاطع الشعر المعاصر مع الصورة الجديدة التلفازية، والفوتوغرافية واليوتيوب، ومع البرامج الإذاعية وعدد من مصادر التقنية الإعلامية التي تمثّل محفزات شعرية ذهنية كما الطبيعة في العصر الأندلسي مثلاً والصحراء في العصر الجاهلي.
قدّمت الدراسة دليلاً على عدم نجاح مشروع ما عرف بـ(الصحوة الإسلامية) وما صاحبها من مراكز ومؤسّسات وأناشيد إسلامية ظهرت في فترة معينة، فرغم تلك البكائيات الشعرية بتلك الأناشيد، وما صاحبها من مؤثرات تقنية تصاحب إنتاجها، إلا أن واقعها لم يغيّر في حال الأمة شيئا ذا بال، إنْ لم يزدها رهقاً. وإن مثل هذه التجربة تدفعنا إلى التفكير في مشاريع ناهضة بالأمة، تعتمد على الخطاب العقلي والمعرفي.
تتبع البحث حركة القبيلة والقبليّة منذ العصر الجاهلي إلى عصر التقنية، وتبين أنّ مقياس القبيلة ينشط حينما يكون في الأمة فراغ في تنشيط مقاييس أفضلية موازية، ويؤكد أن فترة أربعة عقود تقريباً من زمن النبوة والخلفاء الراشدين قد صنعت مقياساً قيْمي تراجعت معه القبلية، التي عادت بعد ضَعف ميزان التفاضل، ويؤكد أيضاً أن القبَليّة تعد مقياساً مقيداً للتنمية، وأنّ الحياة المعاصرة يمكن أن تتجاوزها بتنشيط موازين تفاضل جديدة كالعلم والقوة المعرفية وموازين الأفضلية العادلة.
أثْبت البحث قيمة العتبات التقنية وتعالقاتها النصية، كما كشف من خلال التطبيق على تجربة الشاعر إبراهيم طالع الألمعي دور التقنية في خدمة النص/الكلمة، ودور العتبات في بنية النص، بدءاً من صورته الشخصية التي كرسها بمعطفه التقليدي وملابسه التقليدية، إلى الصور المصاحبة لأغلفة دواوينه الشعرية وتعالقاتها مع النص والعنوان. وتثبت نصوص الشاعر من جهة أخرى أنّ الشاعر لا ينعطف على قريته، بل يرى في الكون قرية كبرى.
 وتوصي الدراسة بمزيد اهتمام من النقاد بحركة النص المعاصر على مواقع التواصل الاجتماعي وضرورة مواجهته النقدية من قبل المؤسسات الأكاديمية والدراسات العليا في الجامعات. 
وتؤكد على ضرورة سعي المؤسسات المعنية بالتاريخ الأدبي لهذا العصر لاستنقاذ تاريخنا الأدبي من فلتات الضياع التي يشهدها في ظل تسارع تقنية يفني بعضها بعضاً، وقد أشار البحث إلى حسرة ضياع أدب كثير على المنتديات الأدبية التي لم تعد روابطها تعمل في ظل تجاوز الاهتمام لها باتجاه جديد مواقع التواصل، مما دفع إلى إهمالها وتلاشي الكثير منها. وما لم تهتم المؤسسات بحفظ النص بعيدًا عن متغيرات الشبكة، فسنكون أمام جناية علمية، وسنرحل بلا ذاكرة تحفظ لنا نصنا وجهدنا الأدبي والنقدي بلْ التاريخي والعلمي.