النفخ في القرب المثقوبة

لا يهم ما يقوله القادة الإيرانيون عن التحدي. المهم هو ما يلمسه الإيرانيون العاديون من نتائج متواصلة على مدى 40 عاما.

هل تفضل إيران حقا الاستمرار في طريق التحدي والمواجهة، وهل إنها تعني ذلك تحديدا؟ الرئيس الايراني روحاني عندما يعلن متحديا في خطاب ألقاه في ميدان آزادي (الحرية) طهران: "لم نطلب ولن نطلب الإذن لتطوير أنواع مختلفة من الصواريخ، وسنواصل مسيرتنا وقوتنا العسكرية"، فإن هذا الكلام لابد من أن يعاد قراءته ويتم التمحيص فيه بدقة، لأنه يطلق في ظل ظروف وأوضاع إيرانية ودولية غير عادية.

طهران من الاساس لم تطلب اذنا دوليا لإقتحام مجال الاسلحة المحظورة دوليا، كما لم تستشر أحدا في نهجها التوسعي وبسط نفوذها على بلدان المنطقة، ولكن وفي نفس الوقت فإنها إنصاعت للعصا الدولية الغليظة عندما قامت بإبرام الاتفاق النووي مع مجموعة 5+1 في أواسط عام 2015، كما إنها لم تطلب اذنا دوليا للحصول على الاموال عن طرق ملتوية ومن ثم تبييضها، ولكنها إصطدمت مع المجتمع الدولي وتجد نفسها مضطرة في نهاية المطاف على التوقيع على المعاهدة الدولية لمنع تبييض الاموال. وهكذا، ومن هنا، صحيح ما يقوله روحاني بأن طهران لا تطلب اذنا ولكنها في النهاية تضع كل ما في جعبتها أمام الانظار وتبدأ تساوم وتقايض وفي النهاية تنصاع!

كلام روحاني هذا الذي أطلقه في ذكرى الثورة الايرانية، هذا الكلام وما يشابهه ولاسيما قوله فيما بعد بأن "المؤامرة" الأميركية ضد إيران لن تنجح أبدا، مضيفا: "إيران ستهزم العقوبات الأميركية رغم الصعوبات التي يواجهها الناس"، هو من نمط الكلام الذي لم يعد يستسيغه ويتقبله الايرانيون الغاضبون والمستائون من المحصلة العامة لحكم عمره 4 عقود ولم يقدم للشعب إلا المعاناة وشد الاحزمة على البطون وإطلاق الهتافات ببطون خاوية!

منطق واسلوب التحدي هذا الذي تتبعه طهران منذ 4 عقود، هل حقق شيئا مفيدا للشعب بل وحتى للدولة الايرانية؟ هل إن الحكم الديني القائم في إيران قد تجاوز حدود الخطر وصار كأمر واقع لا يمكن المساس به كما هو الحال مع النظام السياسي في الهند أو كوريا الجنوبية مثلا؟ بل هل إن هذا الحكم في مستوى التحديات التي تحيط به من كل جانب بما فيه التحدي الداخلي والذي هو برأينا الاهم والاخطر، خصوصا إذا ما إنتبهنا الى أن المرشد الاعلى وفي ذكرى الثورة أطلق سراح 50 ألفا من المجرمين ولكنه إستثنى السياسيين بإعتبارهم يشكلون خطرا على الامن أو بتعبير أكثر دقة النظام الديني، وهذا يعني بأن إيران وبعد 40 عاما من هذا الحكم الذي خلف حكما ديكتاتوريا، يصر على نهج إقصاء الآخر وإجباره على الانصياع للون العام السائد تحت يافطة الدين وسيفه المسلط على الرقاب!