النفوذ التركي عجّل باستقالة رئيس الوزراء القطري

رئيس الوزراء القطري المستقيل كان يميل للمصالحة مع دول الجوار الخليجي والقطع مع السياسات الخارجية التي فاقمت عزلة قطر إقليميا ودوليا.
لماذا استبعد أمير قطر شخصية مؤثرة لخلافة الشيخ عبدالله بن ناصر
رئيس الوزراء الجديد من المقربين من الشيخ تميم منذ كان وليا للعهد
رئيس الوزراء المستقيل كان أميل للمصالحة مع دول الخليج

الدوحة - تثير الاستقالة المفاجئة لرئيس الوزراء القطري الشيخ عبدالله بن ناصر بن خليفة آل ثاني من منصبه وتعيين الشيخ خالد بن خليفة بن عبدالعزيز آل ثاني خلفا له، تساؤلات من حيث توقيت هذه التغييرات وظروفها وأسباب اختيار أمير قطر الشيخ تميم بن حمد لأحد مستشاريه المقربين لهذا المنصب دون سواه ولماذا لم يتم تعيين شخصية مؤثرة وممسكة بالملفات الوازنة على غرار وزير الخارجية الحالي الشيخ محمد بن عبدالرحمن آل ثاني.

وبعيدا عن تغريدات الشكر والثناء التي تتالت على الحسابات الرسمية للقيادة القطرية ورئيس الوزراء المستقيل وخلفه، لا يمكن أن ينظر لهذه التغييرات خارج سياقاتها، حيث يرجح أن استقالة الشيخ عبدالله بن ناصر أو إقالته وهو تقدير وارد جدا، يأتي لرفضه الاستمرار في السياسيات الحالية التي فاقمت عزلة الدوحة الإقليمية والدولية.

ويرجح أن الاستقالة تأتي على خلفية رفض الشيخ عبدالله بن ناصر للنفوذ التركي في قطر والتقارب مع إيران الذي فاقم التوتر مع دول الجوار الخليجي.

وظهرت في الفترة الأخيرة مؤشرات على وجود خلافات داخل الأسرة الحاكمة في قطر حول تسوية الأزمة مع دول الجوار الخليجي بين جناحين واحد يدفع باتجاه المصالحة وآخر يدفع للتصعيد.

وظهرت تلك الخلافات بينما تثير سياسات قطر الخارجية ومنها التقارب مع ايران ودعم جماعات الاسلام السياسي والانقلاب على تعهدات اتفاق الرياض للعام 2013 وملحقاته في 2014 التي نقضها الأمير تميم، مواقف متباينة بين الجناحين داخل الأسرة الحاكمة.

وتقول مصادر مقربة من رئيس الوزراء المستقيل إنه أبدى في موقف نادر داخل الأسرة الحاكمة، معارضة لتلك السياسات وأنه لم يخف قلقه من الاستمرار في الإنفاق السخي على جماعة الإخوان المسلمين وقياداتها في الدوحة وخارجها.

وأشارت أيضا إلى أنه عارض تمويل قطر للتدخل التركي في ليبيا دعما لحكومة الوفاق الوطني في طرابلس التي تصفها قيادة الجيش الوطني الليبي بأنها 'واجهة لحكم الاخوان'.

واصطدم الشيخ عبدالله بن ناصر بمواقف متصلبة من شق واسع ومؤثر في الأسرة الحاكمة وفي القيادة القطرية يدعمه الأمير الوالد الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني ووزير خارجيته رئيس الوزراء السابق الأسبق حمد بن جاسم حيال الملفات سالفة الذكر ما دفعه للاستقالة.

وتذهب بعض القراءات أيضا إلى أن تعيين شخصية مقربة من الشيخ تميم بن حمد واستبعاد وزير الخارجية الشيخ محمد بن عبدالرحمن من منصب رئاسة الوزراء، يأتي ضمن تحرك الأمير تميم للقطع مع تجربة سابقة في حكم والده الشيخ حمد منحت وزير الخارجية حينها الشيخ حمد بن جاسم ثقلا وقوة في مركز القرار وأصبح رقما صعبا في معادلة الحكم وفي السياسات الخارجية والتوازنات الداخلية.

ويعرف عن وزير الخارجية السابق وهو أحد أثرى أثرياء قطر وله شبكة علاقات دولية واسعة أنه مهندس السياسات الخارجية وأنه لايزال صاحب نفوذ وتأثير على الرغم من أنه كان على خلاف مع الأمير تميم ووالدته الشيخة موزة حين كان رئيسا للوزراء ووزيرا للخارجية.

 وتقول مصادر خليجية إن أمير قطر يريد شخصية على المقاس تكون بمثابة موظف برتبة رئيس للوزراء منزوع الصلاحيات حتى لا تتكرر تلك التجربة.

حمد بن جاسم كان قوة مؤثرة في دائرة صناعة القرار في قطر
حمد بن جاسم كان قوة مؤثرة في دائرة صناعة القرار في قطر

ويحظى الشيخ تميم بسلطة مطلقة رغم أنه أعلن عن خطط في نوفمبر/تشرين الثاني لإجراء انتخابات لمجلس الشورى بحلول موعد استضافة قطر لكأس العالم 2022.

وتشير تلك المصادر إلى أن الشخصية الأقرب لخلافة رئيس الوزراء المستقيل كانت وزير الخارجية الحالي محمد بن عبدالرحمن لأنه الأكثر خبرة في مجال السياسات الخارجية، لكن جرى الاختيار على الشيخ خالد بن خليفة بن عبدالعزيز آل ثاني الذي لا يمتلك خبرة في التعامل مع الملفات الإقليمية والدولية.

كما يشير تعيين الأمير تميم لأحد المستشارين المقربين منه إلى إصرار على الاستمرار على نفس السياسات دون تسجيل أي اعتراضات كتلك التي أبداها رئيس الوزراء المستقيل في ملفات العلاقات الخارجية مع دول الجوار وخاصة السعودية ومع كل من تركيا وإيران وأيضا في ما يتعلق بدعم جماعات الإسلام السياسي في المنطقة.

كما لا يمكن أن ينظر لهذه التغييرات على محدوديتها بعيدا عن الخلافات والتصدعات داخل الأسرة الحاكمة في قطر والصراعات بين جناحين في الحكم.

وكان رئيس الوزراء الجديد الشيخ خالد بن خليفة بن عبدالعزيز آل ثاني يتولى منصب رئيس الديوان الأميري وكان يعمل في قطاع الغاز وتلقى تعليمه في الولايات المتحدة قبل أن يعمل لدى الشيخ تميم عندما كان الأخير وليا للعهد.

ويقول اندرياس كريغ الباحث المتخصّص في شؤون الشرق الأوسط في كينغز كولدج البريطانية إن رئيس الحكومة الجديد يعد "واحدا من أقرب المستشارين للأمير ويثق فيه".

وأضاف أن تعيين رئيس الوزراء الجديد يأتي في إطار "التوجه الأوسع في قطر لتصبح مبنية أكثر على أساس الجدارة وتعيين الأشخاص المناسبين في المناصب. أنت بحاجة إلى شخص ما يتولى رئاسة الحكومة بإمكانه إدارة الوزراء الآخرين والتعامل مع غرورهم".

إلا أن متابعين للوضع في قطر ذهبوا إلى أبعد من هذا التفسير، مشيرين إلى أن استقالة الشيخ عبدالله بن ناصر تأتي بعد خلاف مع الشيخ تميم حول السياسات الخارجية وليس بسبب عدم قدرته على التعامل مع غرور الوزراء الذين كانوا تحت إدارته.

استقالة الشيخ عبدالله بن ناصر تأتي بعد خلاف مع الشيخ تميم حول السياسات الخارجية
استقالة الشيخ عبدالله بن ناصر تأتي بعد خلاف مع الشيخ تميم حول السياسات الخارجية

وأضافت أن رئيس الوزراء المستقيل صاحب رؤية وأنه كان يبحث عن تغيير المعادلة بما يعيد قطر إلى حضنها الخليجي ويبعدها عن النفوذ التركي خاصة بعد أن عززت أنقرة من وجودها العسكري في قطر بإقامة قاعدة عسكرية وأبرمت اتفاقيات تعاون تشمل التدريب وتبادل الخبرات وهي منافذ حيوية بالنسبة للرئيس التركي للتمدد في المنطقة.

وكان الشيخ عبدالله بن ناصر ألمح منذ بعض الوقت إلى أنه يرغب في تقديم استقالته وقد وجد أمير قطر  بديلا على المقاس و"خلفا مناسبا للغاية".

وأعرب الشيخ جوعان بن حمد بن خليفة آل ثاني شقيق أمير قطر في تغريدة عن شكره إلى رئيس الوزراء السابق "لما قدمه للوطن خلال توليه المنصب".

وقال رئيس الوزراء المستقيل "أتمنى أن أكون قد وفقت في تحمل المسؤولية والأمانة طوال فترة خدمتى للوطن والأمير".

وكان الشيخ عبدالله يشغل منصبه منذ 2013 وترأس الوفد القطري في قمة مجلس التعاون الخليجي التي عقدت في الرياض.

 وظهرت حينها بوادر لانفراج الأزمة بين قطر والدول الأخرى خاصة السعودية، لكن لم يحدث أي تقدم منذ ذلك الوقت.

وقطعت السعودية والإمارات والبحرين ومصر في يونيو/حزيران 2017 علاقاتها الدبلوماسية مع قطر. واتهمت الدول الأربع الدوحة بدعم جماعات إسلامية متطرفة والتقارب مع إيران.

وترافق قطع العلاقات مع إجراءات اقتصادية بينها إغلاق الحدود البرية والطرق البحرية، ومنع استخدام المجال الجوي.