النهضة ترفض التوقيع على وثيقة تشكيل حكومة الرئيس
تونس - رفضت حركة النهضة الإسلامية اليوم الاثنين توقيع الوثيقة التعاقدية التي قدمها إلياس الفخفاخ رئيس الحكومة المكلف إلى رؤساء الأحزاب لتحديد برنامج عمل الحكومة الجديدة وأولوياتها لتبدأ بعدها مرحلة اختيار الوزراء المشاركين فيها، في خطوة اعتبرت تحدي واضح لفرض شروطها خوفا من سحب الرئيس قيس سعيّد بساط الحكم من تحتها.
وقالت النهضة عبر بيان نشرته على موقعها في فيسبوك إن رئيسها راشد الغنوشي التقى الاثنين بالفخفاخ لكن الاجتماع "لم يفض إلى توافق حول خيار حكومة الوحدة الوطنية".
وجددت الحركة الإسلامية "تمسكها بخيار حكومة وحدة وطنية"، زاعمة إنه مطلب "أصبح اليوم يحظى دعم أغلبية برلمانية مؤكدة".
وتطالب النهضة بحكومة وحدة وطنية هربا من المسؤولية، حيث يتهمها تونسيون بالتعود على الحكم من وراء الستار منذ عودتها للمشهد السياسي في تونس إثر سقوط نظام بن علي في يناير 2011، وهي الوسيلة المثالية التي سهلت تنصلها من الفشل الذريع الذي مارسته خلال مشاركتها في الحكومات المتعاقبة منذ سنوات.
وقالت النهضة في بيانها إن رئيس كتلتها في البرلمان نورالدين البحيري يمثل الغنوشي ظهر اليوم الاثنين في اجتماع مع الفخفاخ والمسؤولين عن الأحزاب التي ستشارك في الائتلاف الحكومي، مؤكدة رفضها "التوقيع على المذكرة التعاقدية المعروضة".
ويهدف هذا الاجتماع إلى التوصل إلى إقرار وثيقة تعاقدية نهائية كان من المفترض أن تتم المصادقة عليها منذ السبت للاتفاق على الخطوات الموالية لمسار تشكيل الحكومة، حسب بلاغ المكتب الإعلامي لرئيس الحكومة المكلف.
وأعلنت النهضة في وقت سابق عن رفضها لحكومة ائتلافية تقتصر على بعض القوى وتُقصي أخرى ملوّحة باستعمال كل الأساليب لمنع ذلك، بما فيها خيار إعادة الانتخابات التشريعية.
وقال رئيس مجلس شورى النهضة عبدالكريم الهاروني إن الحركة ترفض “حكومة ائتلافية ضيقة” مطالبا بـ”حكومة وحدة وطنية موسّعة”، في رد على اقصاء حزب قلب تونس التابع لقطب الإعلام نبيل القروي والحزب الحر الدستوري من مشاورات تشكيل حكومة الفخفاخ.
حزب النهضة الإسلامي يخشى من تنامي نفوذ الرئيس قيس سعيّد عبر الموافقة على حكومة برئاسة شخصية من اختياره وفي ذات الوقت لا ترغب في إعادة انتخابات تحرمها من رئاسة البرلمان ومقاعد نوابها فيه
وكلف الرئيس قيس سعيّد الفخفاخ يوم 20 من يناير الماضي بتشكيل حكومة جديدة وعرضها على البرلمان لنيل الثقة في أجل شهر بحسب الدستور، وذلك بعد أن فشلت النهضة ومرشحها السابق في ذات الدور رغم مرور أكثر من شهرين على فوز الحزب الإسلامي بالانتخابات التشريعية في أكتوبر الماضي.
ويقترح الفخفاخ حكومة مصغرة مكلفة بإجراء اصلاحات عاجلة في الاقتصاد والإدارة ومكافحة الجريمة والحد من ارتفاع الأسعار. وأعلن الأسبوع الماضي أن المشاورات الحكومية ستقتصر على من وصفها بالأحزاب الثورية وعلى قاعدة مساندي الرئيس سعيّد في الدور الثاني من الانتخابات الرئاسية الماضية، ما يعني إقصاء كل من حزب قلب تونس الليبيرالي (الكتلة البرلمانية الثانية) والحزب الدستوري الحر (الكتلة البرلمانية الخامسة).
وتستحوذ النهضة وقلب تونس والدستوري الحر معا على 109 أصوات من مجموع 217، ما يعني حسابيا أن حكومة الفخفاخ ستتحصل على 108 أصوات وبالتالي ستسقط برلمانيا إذا رفضتها هذه الأحزاب بدعم من النهضة.
وفور إعلان إقصاء قلب تونس وجد الإسلاميون في ذلك هامشا جديدا للمناورة حيث سارعوا لإعادة خلط الأوراق بالإصرار على عدم إقصاء أي طرف سياسي كشرط رئيسي للتصديق على منح الثقة للحكومة الفخفاخ.
وتسعى النهضة من خلال تحالفها مع قلب تونس إلى حماية موقعا في السلطة التنفيذية وأيضا موقع رئيسها الغنوشي في رئاسة البرلمان رغم أنه كان من أول المؤكدين خلال حملته الانتخابية على أن الحزب الإسلامي لن يتحالف مع الحزب الليبرالي بسبب "شبهات الفساد" المتعلقة برئيسه نبيل القروي.
كما يخشى الحزب الإسلامي من تنامي نفوذ الرئيس قيس سعيّد الذي ترى فيه محاولة لقلب النظام السياسي عبر ضمان رئيس الحكومة إلى جانبه وسيكون له الكلمة الأخيرة لاحقا إذا تمت المصادقة على اختياراته.
وحسب الدستور التونسي فإن فشل حكومة الفخفاخ في نيل الثقة بالبرلمان ستتجه البلاد إلى إجراء انتخابات مبكرة، وهي الخطوة التي تحاول النهضة (تملك حاليا كتلة برلمانية تتكون من 54 نائبا) تحصين نفسها منها عبر الدفع بمشروع قانون يتيح تعديل انتخابي يرفع العتبة الانتخابية المعتمدة للفوز بمقعد في البرلمان من 3 في المئة من مجموع أصوات الدائرة الانتخابية إلى 5 في المئة من مجموع الأصوات.
وبمقتضى القانون التونسي فإن قانون العتبة الانتخابية يحتاج إلى تصويت الغالبية المطلقة داخل البرلمان، أي بنسبة 50 زائد واحد (109 نواب)، فيما يضم البرلمان التونسي 217 نائبا.
وتستطيع الحركة (45 نائبا) نيل هذه الأغلبية البرلمانية حيث لا تعارض كتلة قلب تونس (38 نائبا) وكذلك كتلة ائتلاف الكرامة (21 نائبا) والحزب الدستوري الحر (17 نائبا).
ويمكن لهذا التعديل تحجيم دور عدد هام من الأحزاب التونسية غير القادرة على استمالة الناخبين للحصول على 15 في المئة على الأقل من مجموع أصواتهم، وهو ما تستطيع النهضة وقلب تونس فعله.
لكن النهضة التي تآكل خزّانها الانتخابي خلال السنوات الأخيرة وأصبح التونسيون يرون في تصدرها للمشهد السياسي في البلاد رمزا للفشل، لن تستطيع المجازفة بإعادة الانتخابات حالها حال بقية الأحزاب لذلك تحاول لعب آخر أوراقها في التفاوض بالضغط لفرض شروطها حتى آخر لحظة كما فعلت مع حكومة الجملي التي فشل رهانها عليها.
علاوة على أن الشارع التونسي من المرجح أنه سيعاقب أعضاء البرلمان وأحزابهم بعدم التصويت لهم بسبب فشلهم في الاتفاق حول تركيبة وطبيعة الحكومة التي ينتظرها منذ أشهر في حال إعادة الانتخابات.