النيابة العامة الجزائرية تطلب حكما مشددا بحق مؤرخ في رسالة ترهيب للباحثين
الجزائر - طلبت النيابة العامة في محكمة بالجزائر العاصمة اليوم الخميس، حكما بالسجن سبع سنوات على المؤرخ محمد أمين بلغيث بتهمة "الاعتداء على رموز الأمة" و"ثوابتها"، بعدما صرح في مقابلة تلفزيونية بأن الهوية الأمازيغية في الجزائر "مشروع صهيوني فرنسي"، فيما يرى كثيرون أن محاكمة مؤرخ بسبب تصريحاته، حتى لو كانت مثيرة للجدل، تمثل تضييقاً على حرية التعبير والبحث العلمي، خاصة في مجال التاريخ الذي يتطلب النقاش والتحليل المختلف للروايات.
وتعيد هذه المحاكمة إلى الأذهان قضية الكاتب الفرنسي من أصل جزائري بوعلام صنصال الذي حكم عليه بخمس سنوات بتهمة "المساس بوحدة الوطن" وطالبت نيابة محكمة الاستئناف الجزائرية هذا الأسبوع بتشديده إلى 10 سنوات، بسبب تصريح أكد خلاله صحة وثائق تاريخية تؤكد مغربية أراض اقتطعت من المملكة خلال فترة الاستعمار الفرنسي للجزائر.
ويرى مراقبون أن محاكمة بلغيث بمثابة رسالة ترهيب للباحثين والمؤرخين الآخرين، ما يدفعهم إلى توخي الحذر الشديد في تناول المواضيع الحساسة وتجنب أي آراء قد تُفسر على أنها "تمس بالوحدة الوطنية" أو "رموز الأمة".
وقال توفيق هيشور أحد محامي محمد أمين بلغيث، على فيسبوك، إن محكمة الدار البيضاء قرب الجزائر العاصمة التي مثل أمامها موكله، ستصدر حكمها في 3 يوليو/تموز.
وطلب النائب العام أيضا فرض غرامة على بلغيث قدرها 700 ألف دينار جزائري (حوالي 4600 يورو)، بحسب وسائل إعلام محلية.
وأودع محمد أمين بلغيث الحبس الاحتياطي في 3 مايو/أيار إثر فتح تحقيق بحقه "بجناية القيام بفعل يستهدف الوحدة الوطنية بواسطة عمل غرضه الاعتداء على رموز الأمة والجمهورية، جنحة المساس بسلامة وحدة الوطن وجنحة نشر خطاب الكراهية والتمييز"، وفق ما أعلنت نيابة الجمهورية لدى محكمة الدار البيضاء.
وبلغيث أستاذ جامعي يقدم نفسه كمتخصص في شؤون المغرب العربي، ويثير الجدل بانتظام بتصريحاته المناوئة للثقافة الأمازيغية ومواقفه الجدلية بشأن الهوية الجزائرية.
وأودع بلغيث السجن بعد التداول "على نطاق واسع" عبر وسائل التواصل الاجتماعي الخميس لمقاطع من مقابلة أجرتها معه قناة "سكاي نيوز عربية" التي تتخذ مقرا في العاصمة الإماراتية أبوظبي، ذكر فيها أن "الأمازيغية هي مشروع صهيوني فرنسي"، بحسب الادعاء.
وجرى الاعتراف بالأمازيغية لغة رسمية في الجزائر في عام 2016، وفي عام 2017 تمت إضافة "يناير"، رأس السنة الأمازيغية، إلى قائمة الأعياد الوطنية.
وتثير القضية تساؤلات حول الحدود الفاصلة بين النقد التاريخي البناء والتصريحات التي قد تعتبر مسيئة أو مهددة للوحدة الوطنية، وهي قضية شائكة في العديد من الدول.
وتشهد الحريات في الجزائر تراجعا لافتا في ظل التضييق على الحريات والملاحقات القضائية لكافة الأصوات المعارضة لسياسات الرئيس عبدالمجيد تبون، فيما يذهب بعض المتابعين إلى تشبيه البلاد بـ"سجن كبير".
وتُعبر منظمات حقوق الإنسان الدولية، مثل منظمة العفو الدولية وهيومن رايتس ووتش والاتحاد الدولي لحقوق الإنسان، و"منّا" لحقوق الإنسان، باستمرار عن قلقها البالغ إزاء تدهور حالة حقوق الإنسان والحريات في الجزائر، داعية السلطات الجزائرية إلى الإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع المعتقلين تعسفياً بسبب ممارستهم لحرياتهم الأساسية ووقف استخدام القوانين المقيدة والفضفاضة لاستهداف المعارضين والنقاد واحترام الالتزامات الدولية، بما في ذلك الحق في حرية التعبير والتجمع السلمي وتكوين الجمعيات بالإضافة إلى ضمان استقلالية القضاء وتوفير محاكمات عادلة.
ويأتي هذا التضييق في سياق يرى فيه البعض محاولة من السلطات للسيطرة على المشهد السياسي والإعلامي بعد فترة الحراك الشعبي، ولفرض رواية معينة على حساب التعددية والاختلاف.