الهلال تحتفي بذكرى ميلاد أمل دنقل وثورة 30 يونيو

السماح عبدالله: نحن في حاجة لاستعادة أمل دنقل بين الحين والحين، ففي استعادته استعادة لكل القيم التي كان يمثلها في شعره المتنبيء الخالد الباقي الجميل.
الناقد د. محيي الدين محسب يكتب عن تأملات في الأبعاد الثقافية لكورونا
محمود المحمدي عبدالهادي يتناول الأوبئة وتأثيرها على الأخلاق المجتمعية

في عددها الأخير (يونيو/حزيران 2020 ويحمل الرقم 1528) احتفلت من مجلة "الهلال" المصرية العريقة بمرور 80 عاما على ميلاد أمير شعراء الرفض الشاعر أمل دنقل (1940 – 1983)، الذي لقب أيضا بـ "الجنوبي" كونه من جنوب مصر وتحديدا من محافظة قنا، ولأنه أيضا كتب قصيدة من أعذب قصائده وأطلق عليها اسم "الجنوبي" يقول في مطلعها:
هل أنا كنتُ طفلا
أم انَّ الذي كان طفلا سواي
هذه الصورة العائلية
كان أبي جالسا، وأنا واقفٌ 
تتدلى يداي
لقد شاءت المصادفات – كما يقول الشاعر السماح عبدالله – أن تتعانق ذكرى ميلاد أمل دنقل مع ذكرى وفاته، ولا يفصل بينهما إلا أيام، ففي الثالث والعشرين من يونيو عام 1940 ولد محمد أمل فهيم محارب دنقل، في قرية القلعة مركز قفط بمحافظة قنا، وتفتح وعيه الشعري والسياسي في الحقبة الناصرية، تلك الحقبة التي كانت مشحونة بأحلام المد القومي والوحدة العربية التي ملأت وجدان شعراء الستينيات، والتي اغتيلت في نكسة 1967. ويصف السماح عبدالله أمل دنقل بأنه كان جبرتي الشعراء الذي يؤرخ ويدوّن ويوضح. ويتساءل السماح: لماذا هذا الاحتشاد الكبير لاستعادة أمل دنقل في ذكراه كل عام؟ ويجيب: لأنه كان شاعر الثورات العربية بلا منازع، واستطاع شعره أن يسكن حنجرة الثوار وفؤادهم. ويرى أننا في حاجة لاستعادة أمل دنقل بين الحين والحين، ففي استعادته استعادة لكل القيم التي كان يمثلها في شعره المتنبيء الخالد الباقي الجميل.
أما الشاعر أسامة جاد فتحت عنوان "واحد من جنودك يا سيدي" يتساءل: لماذا محمود حسن إسماعيل، على وجه التحديد، من جعله أمل واحدا من جنود الشعر الذين حملوا الراية مثلما حدث، ويشير جاد إلى أن قصيدة أمل إلى محمود حسن إسماعيل في ذكراه كانت واحدة من أخريات النصوص التي كتبها أمل قبيل فاته بعامين. ويؤكد جاد أن قصائد أمل التزمت بالإيقاع الخليلي بصرامة عرفت عن الشاعر الذي لم يلجأ إلى السماحات العروضية المتنوعة التي تقتضيها الضرورة. وهو يرى أن الملمح الأهم في نصوص أمل دنقل – وخصوصا المتأخرة منها – هو تلك الروح التي تراوح  بنية السرد عبر مشهديات تتوسل روح السرد وبنية الحكاية.
وترى إيمان أبوأحمد أن أمل لقب بأنه شاعر الرفض لأنه اختار من اللحظة الأولى أن يكون على يسار السلطة، وأن ينحاز للفئات المنهكة والمتعبة ولم يتكسب من شعره.
أما الشاعر محمد الشحات فكتب تحت عنوان "محاولة الفكاك من أثر أمل دنقل" مؤكدا أن روح الرفض والتمرد التي تفوح من قصائد أمل دنقل كانت أكثر تأثيرا في عدد غير قليل من الشعراء الذين جاءوا بعد جيل أمل. ويعلن الشحات أن أمل دنقل ترك إرثا شعريا سيظل ساكنا في وجدان المتلقي العربي وقادرا على التأثير المباشر في نفوس كل الشعراء الذين يقومون بقراءة التراث الشعري المعاصر، وأنه ترك علامة واضحة في القصيدة العربية المعاصرة.
وتكتب د. ناهد راحيل عن "تجليات الذات في أوراق الغرفة 8" موضحة أن من طرائق أمل دنقل الأسلوبية اعتماده على سهولة مفردات المعجم الشعري، واستخدام مفردات من الحياة اليومية، والتخفّف من عناصر البلاغة التقليدية. وأن كتابة الذات في الديوان اتخذت صيغا قرائية مختلفة، مثلما اتخذت أنماطا كتابية خاصة. وتشير إلى أن قصيدة "الورقة الأخيرة: الجنوبي" عمد فيها الشاعر إلى تقنية الصورة التي تسمح للذات بالانقسام على نفسها، بحيث تخضع واحدة لمبدأ الواقع والأخرى لمبدأ الرغبة، وأن الصيغ التي استخدمها الشاعر تسهم في خلق فضاء شعري تتحرك فيه الذات الشاعرة بحرية أكبر، وتحقق نوعا من التخييل بالذات، وعدم الاندماج معها.

مجلات
احتفال بالشاعر

وينتهي ملف الجنوبي في مجلة "الهلال" بإعادة نشر مرثية يوسف إدريس للشاعر أمل دنقل التي نشرت في جريدة الأهالي مايو 1983 بعد وفاة الشاعر بأيام قليلة، والتي قال فيها: "أيها السادة نحن في حضرة أمل دنقل .. عبقرية انتهت منذ أيام وإلى ألف عام من الآن إلى مسافة تماما مثل التي كانت بين المتنبي وأمل دنقل". مع صورة لاحتفالية عيد ميلاد الشاعر في بيت د. جابر عصفور. كما تعيد المجلة نشر قصيدة الشاعر الراحل د. يسري العزب في رثاء أمل دنقل.
إلى جانب ذلك نشرت "الهلال" ملفا كبيرا عن "30 يونيو حكاية مصرية" بدأه رئيس التحرير خالد ناجح بحكاية 7 سنوات من البناء والتنمية، منوها بالنجاح العظيم لدولة 30 يونيو على جميع المستويات بداية من الاقتصاد ومرورا بالطرق والمدن الجديدة وغيرها من المشروعات التي نراها كل يوم، مؤكدا أن البطل الأول لثورة يونيو كان هو الوعي الشعبي الذي فطن بسرعة لخطورة حكم جماعات الدين.
ويحكي الروائي يوسف القعيد عن الذي جرى في تلك الأيام المجيدة، ويشارك في هذا الملف كل من د. طارق  فهمي، لواء دكتور كمال عامر، د. أحمد ماهر أبوجبل، حسام العادلي، غالي محمد، د. إسماعيل تركي، د. إكرام بدر الدين، إيهاب البدوي، عمرو فاروق، محمد حبيب، الشاعر محمد الشرقاوي، د. محمود علم الدين، الشاعر عبدالرحمن عوض، صلاح البلك، عبدالحميد سالم، د. سارة محرم، محمد إبراهيم، د. أحلام حنفي، يسر فلوكس، محمد عبدالحافظ، ومحمد شلبي أمين.
ولا تبتعد "الهلال" عن أزمة كورونا التي تشغل بال العالم حاليا، فتخصص ملفا بعنوان "بالعلم ننتصر على كورونا: وتنشر فيه قصيدة "مرثية لربة منزل" للشاعرة داليا الحديدي، وقصيدة "موّال كورونا" لأحمد فضل شبلول، فضلا عن مقالات لبعض الكتاب منها: "بيولوجيا" للكاتب د. نبيل فاروق، و"تأملات في الأبعاد الثقافية لكورونا" للناقد الدكتور محيي الدين محسب، و"الدعم النفسي الاجتماعي في حالات الطوارئ (كورونا نموذجا) للدكتور السيد فهمي علي، و"الأوبئة وتأثيرها على الأخلاق المجتمعية" للدكتور محمود المحمدي عبدالهادي، و"الطقوس الشعبية لمواجهة الأوبئة في الرواية المصرية" لأحمد فوزي حميدة، و"وباء كورونا المستجد وواجب الفقيه" للدكتور محمد سالم أبوعاصي، و"الفلسفة ومواجهة رعب كورونا" للدكتورة سارة عبدالخالق.
ولا تنسى "الهلال" الدراسات الأدبية والنقدية على صفحاتها، فتنشر دراسة أحمد الزغبي "اللغة والخطاب والتواصل عند مصطفى ناصف وأحمد أمين" حيث أكد ناصف الحاجة إلى التطور في اللغة وفهمها كقيم تراثية وجزء من حركة المجتمع المتغير باستمرار، أما الأدب العربي في نظر وتقييم أحمد أمين فهو بحاجة مستمرة للشرح لعدم قدرته على توصيل الفكرة في ذاته.