الواقع المعاصر للجماعات الدينية السياسية

هؤلاء الذين تربوا على فكر مغلوط أو نراه نحن مغلوطا، لن يستطيعوا يوما أن يتخلوا عن صك السراب الذي منحوه لأنفسهم وهو صك أعطاهم آنذاك حق تقرير مصير الأمة.
فتاوى القتل والفوضى أخطر وأهم ما أفرزته قيادات الجماعات الاسلامية
الثورة الإيرانية دفعت إسلاميي مصر إلى تبرير محاولات القتل إزاء كل الخصوم
إرهاب سيناء ما هو إلا حلقة من سلسلة حلقات سابقة وراهنة ضمن مشروعهم السياسي الطامح

لعل مصر وحدها هي التي تواجه محنتين في وقت واحد؛ المحنة الأولى وهي الجائحة الكونية العالمية التي غزت كل بقاع الكرة الأرضية والمعروفة بجائحة كورونا التي واجهها علماء مصر بالمزيد من التقاعس العلمي والنفور من الابتكار والإبداع للخروج بحل سريع وعلمي ومقنع أيضا من هذه الأزمة الطارئة والتي يجمع علماء العالم بإطلاق تسمية فيروس كورونا المستجد، رغم كونه لم يعد مستجدا بل هو قائم بالفعل في مئات الكتب العلمية التي قرأها علماؤنا في مكاتبهم ومعاملهم دون فائدة تذكر حتى وقتنا الراهن ورغم النداءات والدعوات المستدامة من الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي بضرورة تضافر جهود علماء مصر واتخاذ خطوات استباقية لغزو الجائحة وجعل مصر بحق في مكانتها العلمية التي كانت عليها لمدة قرون مضت.
أما المحنة الثانية فهي أولى بالذكر والتذكير، محنة الإرهاب الذي لا يريد أن يغادر مصر المحروسة، فمصر ربما هي الدولة الصامدة بحق ضد كل محاولات الإرهاب التي تسعى إلى تقويض الدولة والوطن وليس النظام السياسي كما يزعم بعض المحللين السياسيين، فالإرهاب ما هوإلا صورة طبيعية ونتاج منطقي فطري لاعتناق أفكار راديكالية متطرفة بغيضة. 
وقصة الإرهاب أكبر بكثير مما يحدث في سيناء أو في بعض المناطق المتفرقة في مصر، وهي أكبر بحق من محاولة قتل مجموعة من الجنود والضباط البواسل الشهداء الذين يستشهدون حفاظا على أرض الوطن، وهذه السطور لا تفي حق هؤلاء الشهداء المخلصين للأرض ولشرف العسكرية المصرية العظيمة، لكن خطورة الإرهاب الحقيقية في الفكر المتطرف الذي نما وترعرع بفضل سياسات سابقة وبفضل بساطة المواطن الذي صدق بغرور ما كان يتم تصديره إلى عقله من أمراء الفتنة والضلال الفكري بل وأقول مجددا أمراء ومشايخ النساء الذين استغلوا جهلهن وفقر معارفهن الدينية في السيطرة على العقول والأذهان تماما كما كان يفعل ولا يزال أمراء الجماعات الإسلامية مع الصبية الصغار والشباب من أجل تجنيدهم للقيام بعمليات مسلحة سواء ضد رجال الشرطة أو قواتنا المسلحة أو الأقباط أيضا؛ بهدف زعزعة الاستقرار والأمن في مصر وهي سيناريوهات باتت محفوظة كما هي محفورة بالذاكرة وبالوعي الجمعي العام.
لم تنس الذاكرة أسماء بعينها جاءت في مطلع السبعينيات وطوال فترة الثمانينيات كانت على رأس إشعال الفتنة الفكرية بتمويل خليجي باهت أحيانا ومعلن وسافر أحيانا أخرى، ولم تنس ذاكرة التاريخ سيد قطب صاحب كل المرجعية المتطرفة الأصلية لتكفير المجتمع وإعلان الحاكمية وصاحب أكبر رصيد من الكراهية لرجال الجيش المصري بدءا من رأس السلطة العسكرية الرئيس الراحل جمال عبد الناصر انتهاء بأحدث مجند في الجيش المصري، وقطب هوالمؤسس الحقيقي للأصولية الدينية السياسية في مصر الذي أعلنها صراحة أن المجتمع المصري يعيش في جاهلية تشبه جاهلية الكفار وقت النبي محمد صلى الله عليه وسلم وأن الطريقة المثلى لإعادة إحياء الأمة الإسلامية في مصر والعودة للارتقاء هي مقاومة السلطة والجهاد ضد الأنظمة القائمة والتي رآها معادية للإسلام وللمسلمين.
 وعبود الزمر أحد أمراء التيار الديني المتشدد في مصر والذي يقول عنه الكاتب الصحفي نزار السيسي في تحقيقه عن الجماعة الإسلامية في مصر بأنه سعى إلى تكوين تنظيم جديد مستقل عن تيار الاخوان المسلمين، واستقى هذا التنظيم فكره وأيديولوجيته من مصادر متعددة وروافد راديكالية كثيرة، ومن مجمل كتابات وأفكار سيد قطب التي تتمرد على النظام الحاكم في مصر وأسموه بالجاهلية، ويشير نزار السيسي (مايو 2020) الى ان تيار عبود الزمر أفرز أهم ملامح هذا الفكر الذي قامت عليه الجماعة الإسلامية في صعيد مصر والتحامها بقيادات الجهاد، إذ قامت على تكفير الرئيس الأسبق الشهيد السادات واعتبروه مرتكبا للكفر الأكبر وفق تمييزهم بين الكفر والظلم والفسق الأكبر، كما اعتبروا دعوته فصل الدين عن السياسة تجريدا للإسلام من روحه وتحويله الى صورة باهتة بلا حياة. 
‏ ومحمد عبد السلام فرج الذي ظن أن الزعيم المصري خالد الذكر أنور السادات هو رئيس كافر ورأس الفتنة في مصر، وعطا طايل والإسلامبولي وعصام دربالة وعصام الصبابتي الذي يقول عنه ماهر فرغلي في مقالته بصحيفة الوطن المصرية أنه كان مفتي جماعة التكفير والهجرة الذي أفتى بتحصن أتباع الجماعة ـالبسطاء والغلابة وفقيري الثقافة والمعرفة الدينية العميقة والرصينة والصحيحةـ في حضن الجبل بقرية الروضة التابعة لمركز ملوي بإحدى محافظات صعيد مصر بعيدا عن المجتمع الجاهلي والذي كان يعني في نظر هؤلاء المتطرفين فكريا مصر وأهلها ومؤسساتها الرسمية، وفي حقه يشير المجلس العلمي "الألوكة" بضرورة عدم قراءة تحقيقاته لكتب التراث حيث إنها تحقيقات تجارية من ناحية ومن ناحية أخرى يؤكد ملتقى أهل الحديث بأنه من غير المتقنين.
 وكذلك شكري مصطفى وكرم زهدي وعمر التلمساني ومحي الدين عيسى وغيرهم كثيرون تضيق السطور بذكر أسمائهم، وهؤلاء وغيرهم كانوا الأخطر من الإرهاب وسط قصور أمني وتقاعس وضعف ديني رسمي في مواجهة أفكارهم الضالة وقتئذ، فهؤلاء الذين لا أعلم مدى سطوتهم الدينية التي يمكن الاعتراف بها عن يقين معرفي هم الذين أباحوا القتل والتكفير واعتبار أرض مصر ديار كفر والدولة في ذاتها كافرة.
وكل هؤلاء الذين فجروا ملامح الفتنة وروجوا لأفكار القتل بحق العسكريين والمدنيين لم يفرقوا وفق قدراتهم الذهنية ومدى صفاء نفوسهم بين سماحة الإسلام ووسطيته ونقائه وفطرته الأصيلة المتضمنة بنصوص القرآن الكريم والسنة النبوية الثابتة والصحيحة وبين مطامع دنيوية رخيصة واتخاذ الدين وسيلة لتحقيق الأطماع السياسية وجدت هوى لدى بعض التيارات الخليجية التي رأت في هؤلاء فرصة سانحة لاصطيادهم من أجل الترويج لأفكارهم المتطرفة وبثها في المجتمعات العربية الأخرى لاسيما مصر. 
ولعل فتاوى القتل والتكفير وشيوع الفوضى هي أبرز بل أخطر وأهم ما أفرزته قيادات الجماعات الدينية الإسلامية التي حصدت عقول الشباب وآلاف النساء وجاهدوا في تكريس مرجعية دينية أراها ضعيفة وفقيرة بل أقول أن أهل السلف الذين يزعم هؤلاء أنهم يقتدون بهم ومن مريديهم أيضا، ظهروا على الملأ عبر الفضائيات والصحف والمجلات والمواقع الإلكترونية يعلنون أن علم هؤلاء الذي أفتوا وأباحوا القتل والتكفير هم من ضعاف الرأي وفاسدي الأخذ من النصوص التراثية وهذه الآراء يمكن رصدها من خلال محركات البحث الرقمية العالمية.

تجربة الإخوان المسلمين في مصر عقب العزل الشعبي التاريخي كفيلة برصد مشاهد الإفساد في الأرض وإباحة القتل بحق جنودنا في سيناء

وكل هؤلاء الأمراء والذين ادعوا المشيخة أو التشيخ أوالالتصاق بلقب شيخ رغم عدم اختصاصهم، ظنا بأن موسوعية الأستاذ عباس محمود العقاد تصلح بأن تتحول الهواية والمتعة المعرفية إلى احتراف مهني شديد التخصص، بأن الثورة والعنف وتطبيق الشريعة الإسلامية بالقوة وسائل ومؤشرات لازمة لإقامة الدولة الإسلامية في مصر ودفعتهم الثورة الإيرانية إلى تبرير محاولات القتل إزاء كل الخصوم العسكري والمدني الذي كان مفكرا أو مسئولا سياسيا أو حتى المواطن العادي الذي رفض مبادئهم العقيمة.
أنا وغيري ممن يرون أن الإرهاب مشكلة طارئة ستنتهي بفضل الله أولا ثم بعزم نظامنا السياسي وقواتنا العسكرية والأمنية في مواجهة براثنه وخبائثه، نرى ايضا أن الأولى بالمواجهة هو الفكر الراديكالي المتطرف، وأنا لم أصدق ولعلني لن أتيقن أيضا أن تلك المراجعات الفقهية لهم قد نجحت، تلك التي تمت على أيدي رجال الدين الإسلامي وعلماء الأزهر الشريف وشيوخه لمعظم من اعتنق كل الأفكار المتطرفة الفاسدة التي خلطت الدين بالسياسة تحت زعم إقامة دولة إسلامية في مصر وكأن مصر دولة لم يقم بفتحها الفاتح العظيم عمرو بن العاص، بل ربما والشك يزيد وينقص وفق الأدلة والشواهد والبراهين أن أمراء الجماعات الإسلامية بمسمياتها المتباينة مثل الإخوان المسلمين وجماعة التكفير والهجرة  والعائدون من أفغانستان والشواكيش وأنصار بيت المقدس والسلفية الجهادية، والتبليغ والدعوة،  وغير ذلك من التنظيمات الدينية السياسية التي اتخذت الدين وسيلة سريعة لإقامة دويلة خاصة بأفكارهم ومطامحهم وهذه الجماعات بأصحابها وأتباعها ركزوا على وصف المجتمعات الإسلامية بأنها مجتمعات جهل وكفر وضلال ومنحرفة عن تعاليم الإسلام الحقيقية.
وفكرة تخلي أمراء وشيوخ وأقطاب الجماعات الدينية الإسلامية المتطرفة عن أفكارهم ومعتقداتهم الأيديولوجية السابقة وقت إلقاء القبض عليهم أو خلال فترة بقائهم بالسجن نظرا للعقوبات الجنائية التي فرضت عليهم نظير أفعالهم بحق الوطن والمواطن، هي بعيدة عن التصديق، ليس لأن تلك المراجعات تمت في سياج أمني، لكن أنا لا أعتقد أن من تربى على سياسات تكفير الآخر وإباحة قتله وإهدار دمه أنه سيتخلى بسهولة عن مبادئ تربى عليها، وتجربة الإخوان المسلمين في مصر عقب العزل الشعبي التاريخي لها في الثلاثين من يونيو كفيلة برصد مشاهد الإفساد في الأرض وإباحة القتل بحق جنودنا في سيناء أو شيوع الإرهاب في كل مناسبة وطنية تمر بها البلاد، وهؤلاء الذين تربوا على فكر مغلوط أو نراه نحن مغلوطا لن يستطيعوا يوما أن يتخلوا عن صك السراب الذي منحوه لأنفسهم يوما ما وهو صك أعطاهم آنذاك حق تقرير مصير الأمة وهوالأمر الذي أجاز لهم قتل الشيخ الذهبي والقضاة والرئيس السادات ورئيس مجلس الشعب المصري رفعت المحجوب واغتيال فرج فودة ومحاولة اغتيال الروائي العالمي نجيب محفوظ عميد الرواية العربية واغتيال النائب العام هشام بركات، ومحاولة اغتيال وزير الداخلية الأسبق اللواء محمد إبراهيم، والعمليات المسلحة الإجرامية بحق رجالنا البواسل بالقوات المسلحة المصرية.
إن لهؤلاء الأمراء والقيادات الدينية الإسلامية المتطرفة مشروعا سياسيا كبيرا وطويل الأجل وهوالأمر الذي ينبغي للدولة المصرية وللنظام السياسي أن يعيه جيدا، وأن إرهاب سيناء الذي تموله جماعات خارج مصر ما هو إلا حلقة من سلسلة حلقات سابقة وراهنة ضمن مشروعهم السياسي الطامح، ولم يغب عن فكر هؤلاء أبدا وربما لن يغيب أيضا كما وصف جمال السويدي هؤلاء في كتابه " السراب 2015 " أنهم جزء من الحكم والحكومة وأنه في يوم من الأيام قامت الجمهورية الإسلامية الإيرانية بتسليم قيادة الدولة للملالي (رجال الدين) باعتبار أنهم معصومون من الفساد وغير قابلين للإفساد وهذا غير صحيح كما ذكر السويدي. 
نقطة أخيرة قد تبدو أكثر ضرورة واهتماما، وهي ضرورة تعقب الدولة بأجهزتها المختلفة لأصحاب الفكر المتطرف بقدر تتبع وملاحقة الإرهابيين؛ لأن الإرهاب مجرد ترجمة مباشرة لفكر يتوارى خلفه وهو أحق بالرقابة والمواجهة، وارتكان أجهزة الأمن إلى فكرة انتهاء وجود أصحاب التيارات المتطرفة وغيابها هي فكرة يجب أن تمحى عن أذهانها، لأن قيادات الجماعات الدينية الإسلامية تعمل وراء ستار وهم يستغلون ويستقطبون فئات بعينها، الصبية والنساء وبعض الرجال الذين يعانون من أزمات اجتماعية واقتصادية طاحنة، وهؤلاء القيادات المتشددة لا يزالون تداعبهم فكرة استنساخ التجربة الإيرانية، ولا تزال أفكار أبي الأعلى المودودي وسيد قطب الجهادية تتغلغل في معتقداتهم الفكرية، لذا لا أظن أن مراجعات هؤلاء الفقهية التي تمت على أيدي علماء ورجال الأزهر الشريف قد باءت بالنجاح.