الوراري يتناول سِيَر الشُّعراء وكيفيّات صوغ رؤاهم للذات والعالم

الناقد المغربي يتطرق لما عرفته نظرية الأنواع الأدبية من تململ قواعديّ وتراتبيّ قاد إلى اختراق النوع السيرذاتي وتداخل الشعري والنثري.
في السيرة الذاتية الجديدة، يحدث تطوُّرٌ يمس أطر المحكيّ بقدر ما يبلبل مفاهيم الشكل التعبيري الخاص بها
السيرذاتي والشعري وتوتُّر العلاقة بينهما من المرجعي إلى التخييلي عبر المجاميع الشعرية

عمّان ـ "سِيَر الشُّعراء: من بحث المعنى إلى ابتكار الهوية"؛ هذا هو عنوان الكتاب النقدي الجديد الذي صدر للشاعر المغربي عبداللطيف الوراري، عن دار فضاءات بالعاصمة الأردنية عمان (يناير/كانون الثاني 2020). 
يتطرق المؤلف في التقديم لما عرفته نظرية الأنواع الأدبية من تململ قواعديّ وتراتبيّ قاد إلى اختراق النوع السيرذاتي وتداخل الشعري والنثري.
يكتب الوراري في تقديم الكتاب: "ففي ظلِّ التداخل بين ما هو شعري وما هو نثري أو سردي، تتحوّل البنيات، سرديّةً كانت أم شعريّةً، إلى مجالٍ مفتوحٍ ومرنٍ لاستيعاب التنوُّع أو الحوار الأنواعي على صعد اللُّغة والبناء ومتخيَّل الكتابة (...) لقد أضحت السمات المهيمنة التي تعبر من نوع معيّن إلى نوع آخر سمات مشتركة تنتمي إلى الأدبية، أكثر منها إلى الشعر وحده أو إلى النثر وحده. فكما يمكن الحديث عن عبور تقنيّات السرد إلى الشعر أو نصوص قصيدة النثر تحديدًا، يجري الحديث - بموازاة مع ذلك - عن اختراق الشِّعر لعدد من الأنواع السردية التخييلة وغير التخييلية، بما فيها السيرة الذاتية، فيحدث نتيجة ذلك عنصر الهجنة الذي يُولّد سرودًا جديدة أو يصعب تصنيفها مثل الرواية الشعرية، أو المحكي الشعري، أو الكتابة عبر النوعيّة بتعبير إدوار الخراط الذي أولى اهتمامًا ذا اعتبار للسرود ذات الحمولة الشعرية، ووجد في لجوئها إلى الشعر واعتمادها عليه بمثابة الخلاص من الرثاثة والابتذال والمهانة التي يتميز بها الواقع المحيط بنا". 
وأضاف: "في السيرة الذاتية الجديدة، يحدث تطوُّرٌ يمس أطر المحكيّ بقدر ما يبلبل مفاهيم الشكل التعبيري الخاص بها. فالسيرة الذاتية تتناول بالسرد، شأن الرواية أو القصة، حدثًا ما مضى من حياة المؤلِّف، لكن الـمُعوَّل عليه هنا ليس استعادة ماضي الأحداث وتذكُّرها وحسب، بل الكيفية التي تروى بها هذه الأحداث من جهة، وطريقة النظر إليها استدعاءً وتخييلًا، وما تفصح عنه في تسريدها للذات وللعالم من جهة ثانية".  

Literary biography
عبداللطيف الوراري

هكذا يدرس عبر الفصول الستة للكتاب نماذج من السير التي كتبها شعراء العربية المحدثون والمعاصرون، إذ يخصّ كل فصل بمحور تيماتي وجمالي يتناول تحته عيّنة من هذه السير التي تحقق شرطي المواءمة والنجاعة المنهجية. ففي الفصل الأول يبحث السيرة الشعرية بوصفها كتابة مضاعفة من خلال "سيرة شعرية" لغازي القصيبي، و"الجسر والهاوية" لمحمد بنطلحة، و"قلب العقرب" لمحمد حلمي الريشة. وفي الفصل الثاني يقارب شفافية اللغة وعمل الذات من خلال "رحلة جبلية، رحلة صعبة" لفدوى طوقان، و"الجندب الحديدي" لسليم بركات. وفي الفصل الثالث يفكّك جماليّات محكي الطفولة من خلال "البئر الأولى" لجبرا إبراهيم جبرا، و"أوائل زيارات الدهشة" لمحمد عفيفي مطر، و"فراشات هاربة" لعبدالكريم الطبال. وفي الفصل الرابع، ينتقل إلى الحديث عن شعريّة المفارقة من خلال "رأيت رام الله" لمريد البرغوثي، و"الصعود إلى الجبل الأخضر" لسيف الرحبي. 

وفي الفصل الخامس، ينظر إلى السيرة بما هي 
ابتكارٌ للهويّة من خلال "متاهة الإسكافي" لعبدالمنعم رمضان و"شطحاتٌ لمنتصف النهار" لمحمد بنيس. وفي الفصل السادس والأخير، يتناول السيرذاتي والشعري وتوتُّر العلاقة بينهما من المرجعي إلى التخييلي عبر المجاميع الشعرية: "تركيب آخر لحياة وديع سعادة" لوديع سعادة، و"مقاطع يومية" لصلاح فائق، و"كأنّي أُفيق" لعبدالرفيع جواهري.

وجاء على غلاف الكتاب: إنّ السير التي كتبها بعض الشعراء وجنَّسوا محكيّاتهم تحتها (ذاتية، ثقافية وشعرية)، وهي قليلة بالقياس إلى عشرات السير الأخرى التي ألّفها مؤلفون من زوايا ومشارب وأفهام أخرى مختلفة، تُعبّر عن روح جديدة في كتابتها، وعن كيفيّاتٍ مخصوصة في بنائها وتخييلها، ويتجلى فيها الشِّعر بأناه الغنائي والمجازي حاضِرًا فيها بكثافته ليس على مستوى الكون الاستعاري والتخييلي لهذه السير، بل كذلك على مستوى تشييدها فنّيًا.
لقد أثارت مثل هذه السير، مُجدَّدًا، مسألة الشعر المقيم في قلب الظاهرة السردية. والعكس صحيح؛ عندما يتعلق الأمر بالسيرذاتي وشكل استضافته داخل الفضاء الشعري.
يشار إلى أنّ هذا الكتاب يندرج ضمن المشروع السيرذاتي في مجال الشعرية العربية، الذي انخرط فيه الكاتب المغربي منذ سنوات.