الوقت ينفد وسط جمود في أزمة ما بعد بريكست

النواب البريطانيون يوافقون رسميا على منح مجلس العموم حق نقض في مسألة جواز خرق لندن اتفاقية بريكست من عدمه وذلك في تسوية مع الحكومة من غير المرجّح أن تهدئ مخاوف الاتحاد الأوروبي.
أمام لندن حتى نهاية سبتمبر للعدول عن انتهاك اتفاق بريكست
الأوروبيون يرفضون التفاوض ويتمسكون بتطبيق كامل لاتفاق بريكست
الحكومة البريطانية كأنها لا تأبه للتهديدات والتحذيرات الأوروبية

بروكسل - بدأ الوقت بالنسبة للمفاوضين الأوروبيين الذين يرون أنه من الضروري التوصل إلى اتفاق حول مستقبل العلاقات مع المملكة المتحدة لمرحلة ما بعد بريكست قبل منتصف أكتوبر/تشرين الأول كي يدخل حيز التنفيذ في بداية العام 2021، عندما ستتوقف المملكة المتحدة التي غادرت الاتحاد الأوروبي رسميا في يناير/كانون الثاني الماضي، عن تطبيق القواعد الأوروبية.

ويلتقي كبار المسؤولين في الاتحاد الأوروبي وبريطانيا بشكل طارئ للبحث في تجاوز الجمود الذي يخيم على المفاوضات حول العلاقة المستقبلية وتجاوز لندن "غير المقبول" لبنود اتفاق بريكست والتي عليها أن تكف "عن ألاعيبها".

ويصل الأربعاء كبير مفاوضي الاتحاد الأوروبي ميشال بارنييه إلى لندن للقاء نظيره البريطاني ديفيد فروست من أجل حلحلة المفاوضات حول اتفاقية التجارة بعد بريكست، والتي يواجه المسؤولون صعوبة للتوصل إليها منذ أشهر.

كما يلتقي نائب رئيسة المفوضية الأوروبية ماروس سيفكوفيتش الوزير البريطاني مايكل غوف في بروكسل الاثنين قبل الموعد النهائي الذي حددته بروكسل في نهاية الشهر لكي تتراجع لندن عن مشروع قانون يعني إعادة النظر في الاتفاق.

ويرفض الأوروبيون الغاضبون هذا الانعطاف الذي ينتهك القانون الدولي، كما أقرت الحكومة البريطانية بنفسها ذلك.

وأمهلوا لندن حتى نهاية سبتمبر/ايلول للعدول عن المشروع أو مواجهة تبعات قانونية يبدو أنها لا تؤثر بالحكومة البريطانية ولا ترغمها على التراجع عن انتهاك اتفاق الانفصال.

وقال سيفكوفيتش "لن نعيد التفاوض لكننا ملتزمون بتنفيذ الاتفاق بشكل كامل وفي الوقت المناسب لا أكثر ولا أقل".

ولفت وزير الدولة الألماني للشؤون الأوروبية مايكل روث إلى أن "ما يسمى قانون السوق الداخلية يقلقنا جدا لأنه ينتهك المبادئ التوجيهية لاتفاق خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي وهذا أمر غير مقبول تماما بالنسبة إلينا"، مضيفا باللغة الانكليزية "لكن أرجوكم أيها الأصدقاء الأعزاء في لندن: أوقفوا الألاعيب. الوقت ينفد".

وأعتبر وزير الخارجية الإيرلندي سيمون كوفيني من جهته "أن تقديم تشريع يهدف عمدا إلى تقويض اتفاق دولي مع الاتحاد الأوروبي يثير قلقا بالغا. لقد أضر بالثقة. إنه أمر مؤسف للغاية"

ويبدو كوفيني قلقا بشكل خاص، إذ أن النص البريطاني يتعارض مع الترتيبات الخاصة التي تم اعتمادها بالنسبة لأيرلندا الشمالية من أجل تجنب عودة الحدود مع جمهورية أيرلندا، ما قد يضعف اتفاقية السلام لعام 1998 والتي أنهت ثلاثة عقود من العنف.

وأوضح الوزير الأيرلندي "لا شك في أن خيبة الأمل تخيم على جميع أنحاء الاتحاد الأوروبي"، مضيفا "إن ما يقلقني منذ الأيام القليلة الماضية بعد التحدث إلى وزيرين آخرين من وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي، هو الشعور المتزايد بأن المملكة المتحدة قد لا ترغب في التوصل إلى اتفاق تجاري"، مشيرا إلى أنه ليس من هذا الرأي.

وترى بعض الدول الأعضاء أن البريطانيين مستعدون لقبول "عدم وجود اتفاق" مع نهاية العام رغم العواقب الكارثية على الاقتصادات المثقلة بأزمة كوفيد-19.

ولم يتردد وزير الدولة الفرنسي للشؤون الأوروبية كليمان بون في ربط مصير اتفاقية التجارة المستقبلية بمصير اتفاقية الانسحاب.

وقال في مقابلة مع وكالة فرانس برس "لن نصادق على اتفاق بشأن العلاقة المستقبلية بوجود طعنات في مجمل الفصل السابق".

ومن المقرر أن تعقد الجولة المقبلة من المفاوضات الرسمية بشأن العلاقات المستقبلية في بروكسل خلال الأسبوع الذي يبدأ في 28 سبتمبر/ايلول وهي حتى الآن الجولة الأخيرة على جدول الأعمال.

ووافق النواب البريطانيون رسميا الثلاثاء على منح مجلس العموم حق نقض في مسألة جواز خرق لندن اتفاقية بريكست من عدمه وذلك في تسوية مع الحكومة من غير المرجّح أن تهدئ مخاوف الاتحاد الأوروبي.

وأثار رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون غضبا عارما في بروكسل بإعلانه أنه يعتزم منح وزراء بريطانيين سلطة تعديل بعض من بنود اتفاقية بريكست المبرمة مع الاتحاد الأوروبي والتي تم التفاوض بشأنها العام الماضي.

وهدد عدد من نواب حزبه المحافظ بالتمرد على خلفية مقترحات مدرجة في مشروع قانون السوق الداخلية وذلك بعدما أقرت الحكومة بأن السلطات الجديدة تشكل خرقا للقانون الدولي.

لكن أعضاء مجلس العموم أيدوا الثلاثاء تسوية اتفق عليها مع جونسون تتطلب موافقتهم على موعد تفعيل هذه السلطات.

وسيواصل مجلس العموم مناقشة مشروع القانون مطلع الأسبوع المقبل، قبل تصويته الثلاثاء على إحالة النص على مجلس اللوردات لفحصه على مدى أسابيع ثم إصداره قانونا نافذا.

وطالب الاتحاد الأوروبي بريطانيا بسحب البنود التي تتعارض مع اتفاقية الخروج من الاتحاد الأوروبي، مهددا باتخاذ تدابير قضائية وملوحا بتداعيات على المحادثات الجارية حول اتفاقية التجارة الحرة لمرحلة ما بعد دخول بريكست حيّز التنفيذ.

ويهدف مشروع القانون إلى ضمان التجارة الحرة في إنكلترا واسكتلندا وويلز وإيرلندا الشمالية بعد بريكست.

لكن مشروع القانون يخوّل للندن تنظيم التجارة والإعانات الحكومية أحاديا في إيرلندا الشمالية، ما يشكّل انتهاكا لاتفاقية بريكست التي تفرض التنسيق مع بروكسل.

وتنص الاتفاقية المبرمة في العام الماضي بين لندن وبروكسل على ترتيبات جمركية خاصة لإيرلندا الشمالية تهدف على وجه الخصوص إلى تجنب إعادة إنشاء حدود مادية بين جمهورية أيرلندا، العضو في الاتحاد الأوروبي والمقاطعة البريطانية، وفقًا لاتفاقية السلام التي أنهت في 1998 ثلاثة عقود من العنف.

ويجب أن تظل إيرلندا الشمالية خاضعة لبعض الأحكام الأوروبية لمدة أربع سنوات ولا سيما في ما يتعلق بتبادل السلع. لكن بالنسبة إلى لندن، يهدد الاتحاد الأوروبي برفض وضع المملكة المتحدة على قائمة البلدان المسموح لها بتصدير المنتجات الغذائية إلى هذه المنطقة التي هي جزء منها، مما سيمنع إيرلندا الشمالية من الاستيراد من باقي البلاد.

ويتّهم جونسون الاتّحاد الأوروبي بأنّه يهدّد بإقامة "حدود جمركية داخل بلادنا" بين مقاطعة إيرلندا الشمالية وسائر بريطانيا، مضيفا أن الاتحاد يستخدم الأحكام التي تهدف إلى تأمين السلام في إيرلندا الشمالية وسيلة "ضغط" في المفاوضات الجارية للتوصل إلى اتفاقية تجارة حرة.