"الياسمينة السوداء" الاستشفاء بالكتابة

رواية إيمان الفقير تقع بين السيرة الذاتية والسيرة المرضية أو ما يمكن أن يسمى البوح.
الكاتبة تسرد تأثير المرض وظلاله على الأسرة والعمل
شخصية الكاتبة ظهرت في متن الرواية ظهورا جليا

عمّان ـ "لا أعلمُ، أنا الآن بعد سبعة أشهر من الجلسة الأخيرة، أجلس أمام الكمبيوتر وأروي حكايتي لكم، أشعر بتحسّن، لعلها أتت بفائدة، لكن لا شكّ أنها تجربة شرسة ومهينة للنفس والعقل والجسد".
هذا جزء من مناخات رواية الكاتبة إيمان الفقير بعنوان "الياسمينة السوداء"، الصادرة عن "الآن ناشرون وموزعون" بعمّان التي تتناول موضوعا واقعيا جرى مع الكاتبة ودونته رواية بلا رتوش أو أقنعة أو استعارات من الخيال.
تقع الرواية، وهي الأولى للكاتبة، بين السيرة الذاتية والسيرة المرضية أو ما يمكن أن يسمى البوح.
وتصلح نهاية الرواية أن تكون هي البداية التي تستهل بها الكاتبة روايتها، كما تقول في الصفحة الأخيرة: "خرجت من بين أصابعي ياسمينة سوداء.. هي هذه الرواية".
والكتابة بالنسبة لبطلة القصة التي تروي حكايتها، هي رحلة الاستشفاء بالكتابة التي تسرد وقائعها منذ عقدين لتصل إلى معادلة التكيّف مع (العدو) الذي يجلس جوارك، وتألَفُه دون أن تخشاه، ولكنك تراقب حركته واحتياله بحذر وأحيانا بلا اكتراث.
الرواية التي تقع في 24 لوحة و145 صفحة من القطع الوسط تنقسم إلى نوع من المذكرات التي دونتها الكاتبة في عدد من المشاهد التي تبدأ باكتشاف المرض الذي رافقها طويلا، ولطالما تصدّت له بكل عزم، واستطاعت أن تتقبل ظلاله التي ترافقه دون أن تسلّمه نفسها.
وتسرد الكاتبة خلال ذلك تأثير المرض وظلاله على الأسرة والعمل، مستعيدة محاولاتها في السفر والانهماك في العمل وإشباع هواية الرسم، وتصف معاناتها مع الأدوية وتصور الحالة التي تصيب الأشخاص الذين يقعون في براثن هذا الغول وما يصيبهم من لا أبالية وفوبيا من بعض الأشياء المحيطة.
تكتب الفقير لوحات الرواية بلغة بسيطة وسلسلة، ولا تميل للتضخيم أو التقليل من الحالة، بل تنقل تجربتها الشخصية بعفوية دون إطالة، ولكنها أحيانا تركّز على بعض التفاصيل التي تشد القارئ والتي لا تخلو من جوانب إنسانية تترك أثرها في وجدان القارئ ومشاعره.
ويضاف للرواية التي سار تطورها الزمني خطيا للأمام تعدد الحكايات والمناخات التي تسردها الكاتبة في البيت والمستشفى وعلاقتها الجميلة مع المستشارة النفسية التي تعززت في بعدها الإنساني، كما تمتاز الرواية بغرابة الحكاية المكتوبة التي حبّرتها الكاتبة بشجاعة ووعي مقدّرة رفيق دربها الذي وقف معها وسندها بنبل طوال رحلة العلاج.
ويقول الشاعر عارف عواد الهلال على الغلاف الأخير للرواية: "بجرأة أدبية نادرة، وربما غير مسبوقة ظهرت شخصية الكاتبة في متن الرواية ظهورا جليا، ولم تعمد للاختباء وراء شخصية تختلقها لتتكلف حمل معاناة تجربتها الإنسانية التي قادتها شجاعتها الفائقة وإرادتها القوية وثقتها بنفسها إلى أن تكون هي لا سواها، فكل الأعمال الأدبية على تعدد أنواعها ليست إلا أحد أوجه الحياة الحقيقية التي يجب أن تبدو بدون أقنعة".