اليمن بين حسم المعارك شمالاً والاستقلال جنوباً

لم يتخلص الجنوبيون من حكم ميليشيا الحوثي ليتحكم بهم هادي وحكومته لتجويعهم.

يمر اليمن بدولتيه المتوحدتين منذ 1990 بمرحلة يعدها المحللين والخبراء بأنها الأكثر صعوبة والأشد خطورة في ظل غياب فعلي لحكومة عبدربه هادي منصور التي تحكم عن بعد. ففي الشمال وهو ما كان يعرف بالجمهورية العربية اليمنية، لا زال الحوثيون يسيطرون على أجزاء كبيرة من مناطق الشمال ويفرضون حكمهم وأسلوب حياتهم في ظل صمت مبهم لأبناء الشمال عدى تلك القلة القليلة التي لا زالت تقاوم هنا وهناك، يقابله طول مدة الحسم العسكري الذي يرجع إلى انقسام الولاءات العسكرية في الشمال تاره بين صالح والحوثيين وتارة أخرى بين حكومة الشرعية والحوثيين بعد انقضاض الأخير على صالح والخلاص منه وتصدر المشهد السياسية.

على غرار ذلك كان الوضع جنوبا أو ما تعرف بجمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية والتي قاتل أبناؤها باستبسال لا نظير له وكان ذلك بمساعدة دول التحالف العربي مما أدى إلى سرعة الحسم فطردت ميليشيات الحوثي من كل الجنوب ورفع علم جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية كرسالة واضحة من شعبها على أن الجنوب يرفض وحدته مع الشمال وان مطالبه هي استعادة دولته بكامل سيادتها.

فخرج الجنوبيون في أكثر من مظاهرة لتفويض المجلس الإنتقالي الجنوبي من أجل فك الإرتباط من الجمهورية العربية اليمنية. الا ان قوى صنعاء التي لا زالت تسيطر على مركز القرار في حكومة هادي افتعلت الأزمات وأدخلت الجنوب في نفق من الفساد وتدهور الوضع الاقتصادي فيها وتردي ابسط صور الحياة. كل هذا كان من شأنه تشتيت عمل المجلس الانتقالي الجنوبي الذي أصبح يواجه الكثير من المهام ووبين يديه القليل من الصلاحيات. فالتفويض وحده لا يكفي لاستعادة الأرض وإعمار ما دمرته الحرب والنهوض بالجنوب اقتصادياً. فكان على عاتقه الكثير من المهام التي تحتاج إلى الكثير من التدارس والعمل جنبا إلى جنب مع دول التحالف العربي باعتبارهم شركاء للجنوبيين في الخلاص من ميليشيات الحوثي.

وبعد أن كاد الشارع الجنوبي ان يفقد صبره ويتملل من بطء عمل المجلس الانتقالي في ظل سياسية التجويع التي فرضت على الجنوبيين من ارتفاع الأسعار وانعدام ابسط صور الحياة وتدهور الصحة والتعليم والامن فيها، كل ذلك دفع اخيرا بالمجلس الانتقالي إلى الخروج ببيانه الأخير الذي طال انتظاره والذي يدعي فيه شعب الجنوب إلى الانتفاضة الشعبية والسيطرة على الأرض وما عليها من مؤسسات الدولة سلمياً والقيام بإدارة الجنوبيين لوطنهم في كل شؤونه على طريق الإستقلال وقيام دولة الجنوب كاملة السيادة.

إن لصدور هذا البيان في هكذا التوقيت وبهذا الأسلوب لمدلولات ورسائل عدة أبرزها أن المجلس الانتقالي الجنوبي اليوم في موقع قوة وانه تمكن من إظهار صورة واضحة عنه على المستوى الدولي والتي من شأنها تغيير الكثير من المعادلات السياسية في الأيام القادمة ولعل أبرزها استقلال الجنوب وقيام دولته بكامل سيادتها.