اما الوطن الواحد واما تقاسم الغنائم

عراقيو اليوم ينظرون إلى عراقيي الأمس بحسد.
المحاصصة لم تعد عند حدود السلوك السياسي بل تجاوزته إلى السلوك الاجتماعي
نظام المحاصصة عمل على تدمير النزعة الوطنية لدى الأفراد

حين احتل الاميركان العراق عام 2003 فرضوا مبدأ المحاصصة الطائفية والعرقية أساسا لنظام الحكم. وهم من خلال ذلك النظام قدموا التمثيل الطائفي والعرقي على التمثيل السياسي. كانت تلك خطوة حساسة هي بمثابة ضربة عنيفة لمفهوم المواطنة الذي كان سائدا منذ تأسيس الدولة العراقية الحديثة في عشرينات القرن الماضي.

فجأة وجد العراقيون أنفسهم منقسمين في ما يتعلق بحصة كل طائفة منهم في العراق الجديد الذي صار عليهم أن يتقاسموه بدلا من أن يعملوا على تأكيد وحدته. ولم تتوقف المحاصصة عند حدود السلوك السياسي بل تجاوزته إلى السلوك الاجتماعي حيث نشأ ما يمكن أن يُسمى بالفصل بين الطوائف وهو ما أدى إلى عمليات تهجير شهدتها مناطق شاسعة من العراق ولا تزال هناك اليوم فئات مهجرة لم تنسجم مع الأمكنة التي لجأت إليها.

عمل نظام المحاصصة على تدمير النزعة الوطنية لدى الأفراد. وبغض النظر عن الشعارات التي يرفعها العراقيون والأغاني التي يرددونها والكلام العاطفي عن العراق الواحد الذي يدفعهم إلى البكاء فإن هناك شيئا ناقصا في نظرتهم إلى حقوقهم هو ما يشكل عثرة في طريقهم لاستعادة العراق الذي يحلمون به والذي صارت أجيال جديدة تكتفي في النظر إليه باعتباره البوم صور.

كان للإميركان أهدافهم من تدمير الأساس الوطني الذي كانت الدولة العراقية قائمة عليه غير أن نظام المحاصصة كان بالنسبة للعراقيين الجدار الذي تصطدم به أية محاولة لبناء دولة جديدة. كانت الدولة الفاشلة بمثابة ثمرة لنظام المحاصصة الذي يمكن أن يمهد للتقسيم على أساس طائفي أو عرقي وهو ما صار قائما في العراق بالرغم من أن المجتمع الدولي يتعامل معه بطريقة منافقة. فهو من جهة يتعامل مع دولة الأكراد باعتبارها كيانا مستقلا ومن جهة أخرى فإنه لا يشجع على الانفصال الكردي.

في كل الأحوال فقد كانت المحاصصة مناسبة لتقاسم الأحزاب التي سلمها الأميركان الحكم ثروات البلاد إلى الدرجة التي لا تسمح بأن تُستعمل تلك الثروات في مشاريع التنمية أو انقاذ القطاعات الخدمية وصيانتها. كان السباق الطائفي والعرقي في اتجاه الحصص قد هشم خدعة المكونات التي نص عليها الدستور العراقي الجديد. فحين استولى الفاسدون بحجة التمثيل الطائفي والعرقي على الثروات وضعوا العراقيين كلهم خارج قوسي المحاصصة.

لم يربح العراقيون من نظام المحاصصة سوى ذلك التباغض الذي دمر وحدتهم الاجتماعية وأساء إلى كيانهم التاريخي وأسس لمستقبل يسوده شعور عميق بعدم الثقة.

كان الدرس العراقي مريرا. فبعد أن كان العراق دولة كل العراقيين وكانت المواطنة هي الأساس في كل شيء صار على العراقي أن يتخلى عن عراقيته فيكون شيعيا أو سنيا أو كرديا إذا ما أراد أن ينال شيئا من حقوقه أو يتجاوزها بطريقة غير قانونية.

عراقيو اليوم ينظرون إلى عراقيي الأمس بحسد. فالنظام يومها لم يكن طائفيا. ولم يكن المرء يخشى الاقتراب من وظيفة هو مؤهل لها لاعتبارات طائفية أو عرقية. وكم هو مخجل اليوم أن لا يستطيع العراقي الاقامة أوالعمل في مدينة عراقية لأنه سني أو شيعي أو كردي.

من الصعب تخيل عراق صار أشبه بالكابوس.

هل فكر الأميركان يوم فرضوا نظام المحاصصة بالعدالة؟

ليس ذلك صحيحا. فالدولة العراقية الحديثة منذ أن تأسست لم تكن قائمة على أساس هيمنة طرف واحد على السلطة. لم يكن هناك في تركيبة الحكومات العراقية ما يُذكر بالاختلافات المذهبية. وفي النهاية يمكنني القول إن مَن يقول أن صدام حسين كان سنيا في حكمه فإنه يحتال على التاريخ ويزوره.

وإذا ما كان الأميركان قد وضعوا العراق على سكة المحاصصة بحجة انصاف الطوائف فإنهم يعرفون أنهم قد فتحوا أمامه أبواب هلاك لن تُغلق.