امعان بالإنسانية وأسئلة الذات الشاعرة في بيت الشعر بالشارقة
ضمن فعاليات منتدى الثلاثاء الذي يحتفي بالقصيدة والجمال، نظّم بيت الشعر بدائرة الثقافة في الشارقة، أمسية شعرية، شارك فيها ثلاثة شعراء هم: خديجة الطيب، وميشيل العيد، وهبة الفقي، وحضرها الشاعر محمد عبدالله البريكي مدير البيت، إضافة إلى جمهور كبير من محبي الشّعر، والشعراء والنقاد والإعلاميين الذين غص بهم المسرح، والذين اعتادوا أن يكونوا في الموعد، ليتفاعلوا مع القصائد بالتشجيع والتصفيق.
وقدم الأمسية حمادة عبداللطيف، الذي افتتح الفعالية مرحبا بالحاضرين وشاكرا كرم الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، كما أثنى على جهود بيت الشعر في ترسيخ ثقافة الإبداع والجمال، ووصفه بقوله: "هذ البيت أضحى مفهوماً أكثر منه مكاناً، وأصبح يشكل حالة من الألق الإبداعي التي يتردد صداها في كل مَواطن الشعر ".
افتتحت القراءات بالشاعرة خديجة الطيب، التي قرأت نصا شجيا بعنوان "توطئة"، رسمت فيه أسئلة الشعر وتجلياته، مستلهمة صور الطبيعة لتلون بها كلماتها، فتقول:
"ما الشّعر يا قلبي؟ سؤالٌ نازفٌ
ورؤى تُخلّقُها الشّجون المثقلَهْ
تبكي الطيور حنينَها لحنا ويبكي
شاعرٌ، فترى انتحابَ الأخيلَةْ
هي لحظةٌ كالسحر توقفُ عندها
شكلَ الزمان، تضيقُ عنها الأمثلةْ
ينسابُ نهرُ الحسّ مثل حكايةٍ
من ألفِ ليلٍ، دفقُهُ لا حدَّ لَهْ".
أما في نصها "نبوءة النجم المطل"، فقد استلهمت من المتنبي قلقه الوجودي، وشرحت العلاقة الجدلية بين الشاعر وذاته، فتقول:
"على قلقٍ كأنّ الموتَ حولي
عبرتُ مشاعري وكتمتُ ظلّي
أرى بحراً ترقرقَ في خيالي
لهُ موجٌ رهيفُ الحسِّ مِثلي
وأَسمعُ صوتَهُ يبدو قريبا
كشِرياني إذا أمسى يُصلّي
يقول: إلامَ تحتجبينَ خوفا
وفيك نبوءةُ النّجم المُطلِّ".
ثم قرأ الشاعر ميشيل العيد بعضا من نصوصه، التي حملت هموما إنسانية، وأخرى عاطفية، بلغة قوية ومنسابة، فيقول في أحدها:
"أسريتُ روحي لأنثى تقتفي مطري
غيرَ اخضراري يباسًا لا ترى أحدا
هُزّي إليكِ غيومَ العينِ ما بكيتْ
درًّا بحورُكِ بل أبكيتِها زَبَدا
لا لم يعدْكِ فؤادي عندَ مفترَقٍ
ولستُ حرًا فلا دَيْنٌ إذا وعدا".
كما تطرق في أحد نصوصه إلى المآسي التي عانى منها النازحون والباحثون عن الأمان، وذلك من خلال صور تعكس معاناة الطفولة ومشاعر الأسى، فقال:
"وقلبي أبيضُ الأسرارِ ليسَ يرى
سماري فاضحًا والشّمسَ مرساتي
نحيلٌ متخمٌ بالحزنِ والفوضى
تجبّرُ خاطري المكسورَ أبياتي
يتيمٌ كانَ لي أمٌّ على حذرٍ
تهدهدُ في سريرِ الخوفِ دمعاتي
وكانَ أبي بملءِ الصّوتِ يأمرُني
بلا جدلٍ بكبحِ جماحِ آهاتي".
واختتمت الأمسية الشاعرة هبة الفقي، التي قدمت نصا إنسانيا بعنوان " خَيْــطٌ مِــنْ ثَــوْبِ الطَّيِّبيــن"، سردت فيه تجليات الآلام والحزن والصبر بخيوط من نسيج اللغة، فتقول:
"الْأَرْضُ.. مـا عَرِفَــتْ خُطى أفْراحِهِم
والشَّمسُ ذاقَتْ مِـنْ أَساهُم حَرْقا
أنْفـاسُهُـم ضاقَتْ ..بِطَعْـمِ أنينِهِــم
وكَأنَّهـا ذابَـتْ بِفِيهِمْ خَنْقـا
الطَّيِّبـونَ.. الْكـادِحــونَ الصَّــابِـرونَ
السَّــائِلــونَ يَــدَ الْعَــدالــةِ رِفْقــا
بَسَماتُهــم ثَكْلَـى .. ونَبْـضُ قُلوبِهِــمْ
ما بَيْنَ حُزْنٍ وانْكِسـارٍ يَشْقَـى".
وفي نصها "بَوْصَلَــةٌ أُخْــرى للحَيــاةِ"، قدمت الشاعرة لوحة ملونة بتفاصيل الشعر ومعانيه في الحياة، وقدرته على التعبير عن الواقع الموجع، فتقول:
"مِـنْ أنْهُــرٍ في دَمـي سمَّيْتُهـا وَطَنـا
مِــنْ أنَّــةٍ نَزْفُهــا لا يَعْــرِفُ الوَهَنــا
مِـنْ سَوْسَناتٍ عَلى شُطْآنِ أوْرِدَتي
مَــدَّتْ لِكُـــلِّ غَـريـــقٍ كَفَّهــا سُفُنــا
أتَيْـتُ فـي جُعْبَتــي أنْفـاسُ أُغْنِيَــةٍ
مَــرَّتْ عَلى وَتَــرِ الأوجـاعِ فاتَّـزَنــا
أَلْقَــتْ عَلـى أُذُنِ الْغَيْمـــاتِ فِتْنَتَهــا
حَتَّى غَــدا بَعْـدَهـا كُـلُّ الْمَـدى أُذُنـا".
وفي ختام الأمسية، كرّم الشاعر محمد البريكي، الشعراء ومقدم الأمسية، وبعضاً من منتسبي ورشة فن الإلقاء ومسرحة القصيدة، وقدم لهم شهادات التكريم.