انتحار صحفي تونسي حرقا يفجر موجة احتجاجات

الاحتجاجات في عدد من المدن التونسية تأتي قبل أيام من إحياء الذكرى الثامنة لانتفاضة يناير 2011 وفي ظل أزمة سياسية آخذة في التفاقم.

اعتقال مشتبه به في حادثة انتحار صحفي تونسي
الداخلية التونسية تصف حادثة إحراق صحفي نفسه بـ"الغامضة"
نقابة الصحفيين التونسيين تعلن عن إضراب عام في المؤسسات الإعلامية

تونس - اندلعت احتجاجات في مناطق تونسية اثر انتحار مصور صحافي حرقا في مدينة القصرين غرب البلاد وتزامنت هذه الأحداث مع اقتراب إحياء الذكرى الثامنة لـ"ثورة الحرية والكرامة" في 2011 التي أطاحت بالرئيس الأسبق زين العابدين بن علي.

وتوفي المصور الصحافي عبدالرزاق رزقي مساء الاثنين بعد أن أضرم النار في نفسه في اليوم ذاته احتجاجا على البطالة والأوضاع المتردية في ولاية القصرين (وسط غربي).

وقال الرزقي في شريط فيديو سجله بنفسه قبل وفاته "من أجل أبناء القصرين الذين لا يملكون مورد رزق اليوم سأقوم بثورة، سأضرم النار في نفسي".

وبالفعل سكب الرزقي الذي يعمل مراسلا ومصورا لقناة محلية خاصة، البنزين على جسده، لكن رواية إحراق نفسه لا تزال غامضة، فيما تشتبه السلطات في أن شخصا آخر هو من أضرم فيه النار.

وكشفت وزارة الداخلية التونسية عن توقيف مشتبه به في قضية وفاة المصور الصحافي والتي وصفتها بـ"الغامضة".

وبدأت الاحتجاجات في أحياء وسط مدينة القصرين منذ ليلة الاثنين الثلاثاء وتواصلت بصفة متقطعة إلى ليلة الثلاثاء الأربعاء.

وتجددت الاشتباكات ليل الثلاثاء الأربعاء في عدد من أحياء المدينة. ورشق المحتجون قوات الأمن بالحجارة التي ردت باستعمال الغاز المسيل للدموع. ولم يردد المحتجون هتافات ولم يرفعوا شعارات محددة.

والقصرين الواقعة قرب الحدود مع الجزائر من بين المدن الأولى التي اندلعت فيها الاحتجاجات الاجتماعية أواخر 2010 وقتل خلالها عدد من المحتجين قبل أن تتسع رقعة التظاهرات في المناطق الداخلية المهمشة من قبل السلطة وتطيح بنظام الرئيس الأسبق زين العابدين بن علي.

وتواترت الاحتجاجات في هذه المنطقة منذ 2010 ضد ما يصفونه بتهميش السلطة المركزية.

وكتبت صحيفة "لوكوتيديان" المحلية الناطقة بالفرنسية الأربعاء أن انتحار الصحفي حرقا "هو تعبير عن رفض لواقع كارثي وانخرام التوازن بين الجهات وارتفاع منسوب البطالة لدى الشباب والبؤس الذي يعيشه مواطنونا في المناطق الداخلية".

وتابعت الصحيفة "لا يمكن لأحد نكران أن المسؤولين في البلاد غير مسؤولين. مسؤولون عن الفوضى ويأس الشباب وإحباطهم. اليوم كلمة يشعل تستمد معناها من شبابنا".

وقال مسعود الرمضاني رئيس المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية "هناك قطيعة بين السياسيين والشباب الذي يعيش الفقر في المناطق الداخلية والذي يرى ضبابية مستقبله في غياب خطاب سياسي مطمئن".

ويشتكي سكان المناطق الداخلية التونسية من الاحتقار الذي عانوا منه منذ عهد أول رئيس لتونس الحبيب بورقيبة (1956-1987) مرورا بنظام الرئيس الأسبق زين العابدين بن علي (1987-2011) ووصولا للحكومات التي تعاقبت على السلطة منذ 2011.

وتوقع الرمضاني أن تتسع رقعة الاحتجاجات وتشمل مناطق أخرى "في ظل غياب إرادة سياسية حقيقية تعكف على المشاغل الحقيقية للتونسيين".

وأكدت وزارة الداخلية في بيان أن قوات الأمن تدخلت مساء الثلاثاء "لإعادة الأوضاع إلى نصابها في بعض الأحياء من القصرين وجبنيانة (محافظة صفاقس بوسط شرقي) وطبربة (محافظة منوبة- شمال)".

وتحدثت عن "أحداث شغب تمثلت في إشعال العجلات وغلق الطرقات والرشق بالحجارة دون تسجيل إصابات".

وقال الناطق الرسمي باسم الإدارة العامة للأمن الوطني وليد حكيمة، إن المواجهات أسفرت عن إصابة رجل أمن في جبنيانة وتوقيف خمسة أشخاص في طبربة.

وأوضحت الداخلية أن الهدوء عاد تدريجيا إلى هذه المناطق التي لا تزال الوحدات الأمنية متمركزة فيها لمراقبة الأوضاع.

وأعلنت نقابة الصحافيين التونسيين الثلاثاء إضرابا عاما في المؤسسات الإعلامية يوم 14 يناير/كانون الثاني 2019 الذي يتزامن والذكرى الثامنة لاندلاع ثورة 2011.

وقالت النقابة في بيان إن الإضراب يأتي على خلفية "الوضع المتردي الذي بات عليه الإعلام لا سيما في القطاع الخاص من وضعيّات هشّة وانعدام الرّقابة على المؤسسات التي لا تحترمُ الحقوق المهنيّة للصحافييّن".

واندلعت ثورة 2011 في منطقة سيدي بوزيد (وسط غرب) اثر إقدام البائع المتجول محمد البوعزيزي على حرق نفسه احتجاجا على الفقر وهرسلة الأمنيين له وسرعان ما انتشرت الاحتجاجات لتشمل عددا كبيرا من المدن التونسية وأسقطت حكم نظام بن علي.

ومرت اثر ذلك تونس إلى مرحلة الانتقال الديمقراطي بتنظيم انتخابات حرة، لكن الوضع السياسي في البلاد بقي يشهد تجاذبات على حساب الوضع الاقتصادي والاجتماعي المتدهور.

ويؤجج التضخم الذي يغذيه خصوصا انهيارا كبيرا في قيمة الدينار والبطالة التي لا زالت فوق 15 بالمئة، التململ الاجتماعي الذي أدى إلى أعمال شغب في يناير/كانون الثاني 2018 في العديد من المدن التونسية.

وخلص الرمضاني إلى القول "نحن اليوم في حروب حزبية وصراع والعيون على الانتخابات التشريعية والرئاسية في 2019 لا غير".