انتخابات بلدية تختبر قدرة ليبيا على إنجاح مسار السلام والديمقراطية

تفاؤل حذر بين الليبيين بعد تنظيم الانتخابات البلدية في طرابلس وسط ظروف أمنية متماسكة، فيما يطمح الشارع الليبي في نجاح انتخابات رئاسية وبرلمانية نهاية العام لإنهاء الصراع السياسي.
الانتخابات العامة في ليبيا تواجه عدة تحديات لإنجاح المسار الديمقراطي

طرابلس - تشكل الانتخابات البلدية التي نظمت في منطقة طرابلس الأسبوع الماضي، اختبارا للانتخابات العامة المقررة في نهاية العام الجاري والهادفة الى إخراج ليبيا من الفوضى التي غرقت فيها بعد سقوط الرئيس الراحل نظام معمر القذافي في 2011.

وحصلت انتخابات بلدية الخميس في أربع بلديات، بينها حي الأندلس في العاصمة، وسط تدابير أمنية وإجراءات وقائية متعلقة بجائحة كوفيد-19.

ويقول المحلل السياسي الليبي محمود خلف الله، إن الانتخابات البلدية "اختبار مباشر وحاسم لقدرة السلطات الرسمية على تنظيم الانتخابات العامة".

ويضيف "نظرا للأجواء الطبيعية التي سارت بها الانتخابات وعدم تسجيل خروقات أمنية، أعتقد أن إقامة انتخابات برلمانية ورئاسية نهاية العام الجاري ستحظى بفرص نجاح كبيرة". ولم تعرف نتيجة الانتخابات حتى الآن.

وتشاطر أستاذة القانون في جامعات ليبية أماني الهجرسي رأي خلف الله، لكنها تدعو الى عدم الإفراط في التفاؤل.

وتقول "الطبقة السياسية لا تهتم كثيرا بالانتخابات البلدية، لأنها تعرف أن طبيعة عمل البلديات خدماتي بالمقام الأول، وبالتالي تأثيرها على دائرة صنع القرار محدود".

وتضيف "لكن الانتخابات البرلمانية والرئاسية لها قواعد سياسية حساسة، وبالتالي من يظفر بأغلبية برلمانية سيملك مفاتيح السيطرة على السلطة التنفيذية، وهنا الاختلاف بين العمليتين الانتخابيتين".

امتحان شعبي

وحرصت فتحية المصراتي (45 عاما) وابنتها على الحضور باكراً إلى مركز الاقتراع في بلدية حي الاندلس الخميس، مشيرة الى أنها ترى أن الانتخابات البلدية بمثابة "امتحان شعبي" يختبر دوافع المواطنين.

وقالت فتحية التي تعمل في مجال التدريس "الانتخاب يجب يكون متمتعا بحرص وأمانة اختيار أشخاص قادرين على إحداث الفرق والتغيير في تقديم الخدمات".

وأضافت أنها "أفضل امتحان شعبي لمعرفة مدى استعداد الليبيين والرغبة في الإدلاء بأصواتهم في الانتخابات البرلمانية والرئاسية".

وشهدت مراكز الاقتراع في بلديات إجراءات أمنية مشددة وانتشار عناصر الأجهزة الأمنية، وتشديدا في إجراءات دخول الناخبين مع اشتراط إجراء فحص حرارة ووضع الكمامة.

وبلغت نسبة المشاركة في انتخاب بلدية حي الأندلس 22 بالمئة لتكون الأدنى، فيما سجلت انتخاب بلدية زليتن (160 كلم شرق طرابلس) مشاركة بنسبة 42 بالمئة من إجمالي المسجلين في عملية الاقتراع، لتكون الأعلى.

ويبلغ عدد البلديات في ليبيا 116، شكلها المؤتمر الوطني العام (أول برلمان ليبي منتخب عام 2012) وفق قانون خاص، وكان النظام الإداري للمدن في عهد القذافي الذي كان يطلق عليه اسم الشعبيات، أشبه بالمحافظة.

وحصلت دورة أولى من الانتخابات البلدية في نهاية 2013 و2014. وخلال العامين 2019 و2020، أعيد انتخاب معظم البلديات في الدورة الثانية، إذ بموجب القانون تنتهي ولاية المجالس البلدية غير القابلة للتجديد خلال أربعة أعوام.

ولأسباب أمنية وسياسية تأخرت العاصمة طرابلس التي يوجد فيها نحو نصف عدد سكان ليبيا الذي يتجاوز سبعة ملايين نسمة، في تجديد انتخاب بلدياتها الخمسة.

وقال خالد النوري (موظف حكومي)، من جهته أيضا أن الانتخابات البلدية تمثل القاعدة نحو انتخابات نهاية 2021.

وأضاف "المجالس البلدية هي القاعدة الأولى والطريق نحو الانتخابات، ونجاحها يمثل ملامح نجاح الانتخابات المقبلة نهاية العام، ويجب الحرص على المشاركة بفاعلية".

وتابع "هذا حدث استثنائي في وقت تمر ليبيا بوضع حرج، والآن فرصتنا لإحداث نوع من التغيير، ويجب اختيار الأشخاص الذين يتمتعون بالنزاهة والكفاءة".

وتوافق الفرقاء الليبيون في ملتقى الحوار السياسي الذي انعقدت أولى جولاته في تونس في التاسع من نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، على إجراء انتخابات عامة في 24 ديسمبر/كانون الأول 2021.

وجاء ذلك بعد اتفاق على وقف إطلاق النار بين الطرفين الأساسيين اللذين يتنازعان على السلطة في البلاد وهما القوات الموالية لحكومة الوفاق الوطني التي تتخذ من طرابلس مقرا، وقوات الجيش الوطني الليبي المتمركزة شرق البلاد بقيادة المشير خليفة حفترد.

الانتخابات البلدية اختبار نسبي لقدرة ليبيا على تنظيم انتخابات عامة تتطلب استعدادا أكبر
الانتخابات البلدية اختبار نسبي لقدرة ليبيا على تنظيم انتخابات عامة تتطلب استعدادا أكبر

 تحديات مختلفة

ويؤكد رئيس اللجنة المركزية لانتخابات المجالس البلدية في ليبيا سالم بن تاهية أن الانتخابات تواجه "تحديات مختلفة" والعمل الحالي يتم في "ظروف استثنائية".

ويقول إن عملية تنظيم الانتخابات "لم تكن سهلة وواجهتها تحديات مختلفة بدءاً من الأوضاع الأمنية وجائحة كورونا مروراً بشح الموارد المالية وانتهاءً بالانقسام".

وجاء وقف إطلاق النار والاتفاق على إجراء انتخابات عامة بعد معارك عنيفة استمرت أكثر من سنة كانت قوات حفتر تحاول خلالها تحرير العاصمة طرابلس من سيطرة الميليشيات الموالية لحكومة الوفاق التي  تمكنت بدعم تركي من صدها ومن استعادة السيطرة على كل الغرب الليبي.

ويقول بن تاهية "خلال الحرب تعرض أكبر مخازن الدعم اللوجستي في طرابلس للقصف، ودمرت 70 بالمئة من محتوياته. وبعد اتصالات مكثفة مع صندوق الأمم المتحدة الإنمائي وعبر منح سخية قدمتها فرنسا وألمانيا وإيطاليا، تمكننا من توفير المواد الفنية الخاصة بعمليات الانتخاب إلى جانب تدريب قدراتنا البشرية".

وعن استعدادات العام الحالي، يقول "نطمح خلال العام 2021 إلى تنظيم الانتخابات في ثلاثين بلدية".

في شرق ليبيا، قامت السلطات التي لا تعترف بسلطة اللجنة المركزية في طرابلس، بتشكيل لجنة عليا "موازية" للانتخابات البلدية. ولم تجر بعد الانتخابات البلدية في الشرق وفي أربع بلديات جنوبية.

ويوضح بن تاهية أنه تم "وضع خطة توحيد عمل اللجنة المركزية مع الموازية في الشرق. وحينما ينتهي الانقسام وتوحد الحكومة في البلاد، سنكون جاهزين لإجراء الانتخابات في معظم أنحاء ليبيا".