انتخابات تركيا تشغل إقليم كردستان العراق

الانتخابات الرئاسية في تركيا قد تكون نقطة تحوّل بالنسبة لكردستان العراق إذ بنى قادتها علاقة شخصية مع أردوغان الذي أصبح حليفا مهما للغاية فبمجرد أن يتغيّر الرئيس، ستتغيّر مجمل العلاقات بين أربيل وأنقرة.

أربيل (العراق) - تشغل الانتخابات الرئاسية والتشريعية في تركيا، إقليم كردستان العراق الذي يرتبط بعلاقات وثيقة مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان خاصة اقتصاديا، بينما يتوقع أن تحدد نتائج الاقتراع مسار العلاقات بين الإقليم العراقي الكردي الذي يتمتع بحكم ذاتي في حال فازت المعارضة.

ورسميا لم يعلّق قادة الإقليم على التنافس المحتدم بين أردوغان ومنافسه كمال كليتشدار أوغلو المدعوم من تحالف من ستة أحزاب والذي ستحسم صناديق الاقتراع في الانتخابات يوم 14 مايو/ايار، أيهما سيحكم تركيا.

وباستثناء بيانات تدين انتهاك السيادة العراقية والعواقب المترتبة على ذلك بالنسبة للمدنيين، لم تصعّد حكومة إقليم كردستان لهجتها قطّ ضد جارتها تركيا التي تظلّ قبل كل شيء شريكا اقتصاديا استراتيجيا إلى درجة أثارت شكوكا حول تواطؤ حكومة الإقليم مع الحكومة التركية.

وهناك ثلاثة معابر حدودية برية بين الإقليم وتركيا، افتتح آخرها وهو معبر زيت الحدودي، في 10 مايو/ايار. ولسنوات عديدة، اعتمد إقليم كردستان العراق على أنقرة في تصدير حوالي 450 ألف برميل من النفط يوميا، دون موافقة الحكومة المركزية في بغداد.

وفي حين توقّف التصدير في مارس/اذار بسبب نزاع قانوني بين أنقرة وبغداد، يفترض أن يستأنف في نهاية المطاف، بمجرد تسوية قضايا فنية ومالية بين الطرفين.

ويقول المحلّل السياسي العراقي الكردي عادل بكوان "من الواضح أن من يحكم في أنقرة سيكون له تأثير في هذه القضية"، محذرا من أن الانتخابات قد تكون نقطة تحوّل بالنسبة لكردستان، إذ بنى القادة في أربيل علاقة شخصية مع أردوغان الذي أصبح "حليفاً مهماً للغاية"، موضحا "بمجرد أن يتغيّر الرئيس، ستتغيّر مجمل العلاقات بين أربيل وأنقرة".

وأضاف "عندها ينبغي إعادة تكوين العلاقة والرابط مع شخص لا تعرفه"، مشيرا إلى أن "العالم الدبلوماسي يكره المجهول".

وفي انعكاس للعلاقات الجيدة التي تربط الإقليم بأنقرة، منعت سلطات مطار أربيل الأحد النائب التركي من حزب الشعوب الديمقراطي المؤيد للأكراد حسن أوزغونيش من دخول الإقليم وأعادته إلى بلاده، مبرّرة ذلك بأنه جاء "بناء على طلب الأجهزة الأمنية الاتحادية" في بغداد.

وفي أواخر أبريل/نيسان، دعا حزب الشعوب الديمقراطي الموالي للأكراد وهو ثالث أكبر أحزاب تركيا، حلفاءه إلى التصويت لكمال كيليتشدار أوغلو.

ويراقب أكراد العراق عن كثب الانتخابات الرئاسية التركية بقلق، فيما يتطلّع الإقليم العراقي في شمال البلاد المتمتع بحكم ذاتي والمتضرر من الصراع بين الجيش التركي وحزب العمال الكردستاني، إلى تهدئة، لكنه يتمسّك أيضا بالحفاظ على شراكة إستراتيجية مع أنقرة.

ويلفت المحلّل السياسي العراقي الكردي إلى أنه في "وسائل الإعلام وفي المجال السياسي، الجميع منشغلون للغاية في الانتخابات التركية"، مذكرا بالدور الجيوسياسي "الأساسي" الذي تلعبه أنقرة في المنطقة.

وعلى المستوى الأمني أولا، يشكّل الصراع بين الجيش التركي ومقاتلي حزب العمال الكردستاني الذي امتدّ منذ سنوات طويلة إلى أراضي الإقليم العراقي، أحد أبرز التحديات.

وتنفّذ القوات التركية بانتظام ضربات جوية وعمليات برية ضد عشرات المواقع العسكرية في الإقليم لحزب العمال الكردستاني الذي تصنّفه أنقرة والغرب منظمة "إرهابية".

وأضاف بكوان، مدير المركز الفرنسي لأبحاث العراق أن "نتيجة هذه الانتخابات ستؤثر بشكل مباشر على اتجاه هذه الحرب على الأراضي الكردية في العراق". وفي حال انتصار المعارضة، فهو لا يستبعد "إمكانية حصول تهدئة"، بعد أن مدّ كليتشدار أوغلو يده للأقلية الكردية.

وفي إشارة إلى التعطش لـ"الاستقرار السياسي والأمني والاقتصادي" في الشرق الأوسط، يعتقد الباحث في الشؤون التركية بوتان تحسين أنه حتى في حال فوز أردوغان، "ستكون تركيا بحاجة إلى مبادرة لتطبيع الأوضاع مع جيرانها وخصوصا مع كردستان" العراق.

ويرى بكوان أن "مستقبل العملية الديمقراطية في تركيا مرهون بالتحالف مع الأكراد وإنصاف حقوقهم"، معتبرا كذلك أن المعارضة التركية "تراهن على التهدئة وتريد فتح صفحة جديدة" مع الأكراد.

وخلال عقدين من الزمن، تحوّلت تركيا خلال فترة حكم أردوغان إلى قوة إقليمية أساسية في المنطقة، تتفاوض مع موسكو بشأن الحرب في سوريا، وتتحدّى واشنطن والأوروبيين.

وفي حين لم يقدّم تحالف المعارضة رؤية لكيفية حلّ القضية الكردية، إلّا أن كيليتشدار أوغلو اتهم في مقطع فيديو قصير نُشر على مواقع التواصل الاجتماعي منافسه أردوغان بـ"إلحاق وصمة" بملايين الأكراد عبر ربطهم بالإرهاب.

وأكّد أنّه في حال انتخابه سيفرج على الفور عن صلاح الدين ديمرطاش، الرئيس السابق لحزب الشعوب الديمقراطي المسجون منذ 2016 بتهمة "الدعاية الإرهابية".

وعلى الرغم من أن كليتشدار أوغلو يتمتع بأسبقية حقيقية بين الأكراد، لكن الحذر يسود كردستان العراق، ممزوجا بشعور من التضامن القومي، فأكراد العراق يحلمون كذلك بحلّ لـ"القضية الكردية" في تركيا حيث يسجن زعماء المعارضة وتعاني الأقلية من التمييز.

في مقهى مام خليل في وسط أربيل والذي يعود تاريخ تأسيسه إلى العام 1952، يتمنّى نزار سلطان (60 عاما) وهو موظف حكومي في جامعة صلاح الدين في أربيل "أن تجلس الحكومة التركية المقبلة والأكراد على طاولة حوار"، مضيفا "في المرّات السابقة كلها، استخدموا الأكراد للوصول إلى غاياتهم للأسف ثم يقومون بعدها بتهميش الأكراد والتحايل عليهم".

ودعا سيروان نجم (50 عاما) من مكتبته في وسط أربيل، الأكراد في تركيا إلى التصويت "للمرشح الذي سيعالج القضية الكردية بشكل دبلوماسي"، مشددا على أن "المشاكل الكردية يجب أن توضع على طاولة الحوار وأن يتم حلها والاعتراف بحقوقهم الأساسية".

وبعدما أدلى بصوته في القنصلية التركية في أربيل، قال المواطن الكردي التركي قدري شمزينو (60 عاما) مرتديا الزي الكردي التقليدي "نحن لا نطلب شيئا إضافيا للشعب الكردي".

وأضاف وهو واحد من 3834 مواطنا تركيا مقيمين في كردستان العراق "نريد المساواة مع المواطنين الأتراك في الحقوق وأن نعيش بكرامة على هذه الأرض لأننا أيضا أبناؤها".