انتصار إيراني على إسرائيل!

تعكس الحرب الدائرة بين "حماس" وإسرائيل التحولات الكبيرة التي شهدها الشرق الأوسط في نصف قرن من جهة وقدرة "الجمهوريّة الإسلاميّة" على أخذ زمام المبادرة من جهة أخرى.

ايّا تكن نتائج الحرب التي شنتها "حماس" على إسرائيل في الذكرى الـ50 لحرب أكتوبر أو تشرين، يبقى أنّ هذه الحرب تثبت قبل كلّ شيء قدرة ايران على إيذاء إسرائيل في العمق ونجاحها في ذلك. الحرب انتصار إيراني على إسرائيل. كان بنيامين نتانياهو (بيبي) يفكّر في توجيه ضربة إلى إيران تستهدف منشآتها النووية. بدل توجيه مثل هذه الضربة، تلقى ضربة غير مباشرة منها تجعل مستقبله السياسي على المحكّ.

تعكس الحرب الدائرة حاليا بين "حماس" وإسرائيل، وهي حرب مرشّحة للتوسع، التحولات الكبيرة التي شهدها الشرق الأوسط في نصف قرن من جهة وقدرة "الجمهوريّة الإسلاميّة" على أخذ زمام المبادرة من جهة أخرى.

في الواقع لا تسيطر طهران على اربع عواصم عربيّة هي بغداد ودمشق وبيروت وصنعاء فحسب، بل تسيطر أيضا على قطاع غزّة. تسيطر "حماس" على القطاع منذ منتصف العام 2007. تتحكّم إيران، عن طريق "حماس" بما يزيد على مليوني فلسطيني يعيشون في 365 كيلومترا مربّعا. بدأت السيطرة الفعليّة لـ"حماس" على غزّة مع الانقلاب الذي نفذته على السلطة الوطنية الفلسطينية و"فتح" قبل 16 عاما فيما جلس محمود عبّاس (أبو مازن) يتفرّج. لا يزال "أبو مازن"ل يتفرّج إلى يومنا هذا على صعود "حماس" وأفول نجم السلطة الوطنية الفلسطينية وأجهزتها بكلّ ما تمثله.

كان التبرير الإسرائيلي للانسحاب الكامل من غزّة في آب – أغسطس 2005 غياب الفائدة من السيطرة على القطاع، بل كل المطلوب التخلّص منه ومن مشاكله ومن كلّ من هو فيه. تحدّث مسؤولون اسرائيليون دائما عن تمنياتهم بأن "يشقّ البحر الأرض ويأخذ معه غزّة بمن فيها".

حدث الانسحاب الإسرائيلي من القطاع في عهد حكومة كان على رأسها ارييل شارون. وقتذاك، قال مدير مكتبه دوف فايسغلاس في حديث نشرته صحيفة "هآرتس" أن هذا الانسحاب سيمكن إسرائيل من الإمساك بطريقة أفضل بالضفّة الغربيّة. لم تدر إسرائيل أنّه سيأتي من يستثمر في قطاع غزّة وفي "حماس" وذلك بغض النظر عمّا يحلّ بالفلسطينيين فيه. عمليا، استطاعت "الجمهوريّة الإسلاميّة" الإستثمار في "حماس" بطريقة ممتازة. استخدمت "حماس" في تشكيل تهديد لإسرائيل، عن طريق صواريخ لم تكن تمتلك فعاليّة كبيرة في البداية. إستطاعت لاحقا استخدام "حماس" في التأثير في الداخل المصري عن طريق دعم الإخوان المسلمين. لعب هؤلاء دورا مهمّا في اسقاط نظام حسني مبارك وما لبثوا أن استولوا على السلطة قبل أن يخلعهم الجيش المصري بدعم من القوات المسلّحة ومن العرب الشرفاء في الثلاثين من حزيران – يونيو 2013.

تطرح الحرب التي شنتها "حماس"، التي استطاعت قتل عشرات الإسرائيليين واسر عدد كبير من الجنود والمدنيين بعدما تمكنت من التوغل في العمق الإسرائيلي، أسئلة عدّة. بين الأسئلة مصير حكومة بنيامين نتانياهو. لا شكّ أن المؤسسة العسكريّة والأمنية تتحمّل مسؤولية مباشرة عن الهزيمة التي لحقت بإسرائيل، لكنّ الأكيد أن ثمة حاجة إلى جهة تدفع الثمن السياسي لما حصل. هنا يأتي "بيبي" وحكومته. هناك كارثة حقيقيّة حلّت بإسرائيل التي سيكون عليها إيجاد حكومة جديدة لا علاقة لها بالحكومة الحالية وما تمثله. أخذت هذه الحكومة إسرائيل إلى حيث هي الآن. كان الهدف من قيامها انقاذ رأس بنيامين نتانياهو وليس البحث عن تسوية مع الفلسطينيين الموجودين في الداخل الإسرائيلي وفي الضفّة الغربيّة وغزة. عدد هؤلاء بين سبعة وثمانية ملايين. ما الذي ستفعل إسرائيل بشعب كامل محروم من ابسط حقوقه ما زال يقيم على أرض فلسطين؟

سيسهل ما قامت به "حماس" ارتكاب إسرائيل محرقة في حق الشعب الفلسطيني، محرقة تشبه إلى حد كبير ما تعرّض له اليهود أيام هتلر في اربعينات القرن الماضي. لن يحلّ ذلك أي مشكلة من المشاكل التي تواجه الدولة العبريّة التي بات يسيطر عليها يمين متطرف يتبع سياسة لا أفق لها.

فشل هذا اليمين الإسرائيلي بقيادة نتانياهو في معالجة مختلف المشاكل الجدّية التي تعاني منها إسرائيل، بما في ذلك الانقسام داخل المجتمع. سمح اليمين الإسرائيلي لإيران بتطويق اسرائيل من كلّ الجهات. سمح في الواقع لـ"الحرس الثوري" بخلط الأوراق في المنطقة كلّها. ليس أمام الجهات العربيّة التي سعت إلى التعاطي بإيجابية مع إسرائيل سوى التحفظ وتجميد كلّ المبادرات التي كانت تصبّ في التطبيع.

لا يزال الحدث في بداياته. لا تزال نتائج الحرب، التي كشفت مدى نجاح ايران في إستثمارها في "حماس"، غير معروفة. ليس معروفا هل تتوسع الحرب إلى الضفّة الغربيّة وهل يفتح "حزب الله" جبهة جنوب لبنان. الأمر الوحيد الأكيد أنّ لا مستقبل سياسيا لحكومة "بيبي" مهما ارتكب من مجازر في حق الفلسطينيين. لا يمكن الإستخفاف بوجود هذا العدد الكبير من الأسرى الإسرائيليين لدى "حماس" وما سيترتب على نقل هؤلاء إلى داخل غزّة.

يبقى أنّ الحرب التي شنتها "حماس" تحت تسمية "طوفان الأقصى" لا تحرج معظم الجهات العربيّة فقط. ستلي هذه الحرب نتائج خطيرة، على صعيد الشرق الأوسط كلّه، خصوصا أنّها الأولى من نوعها التي تخوضها ايران مع إسرائيل بواسطة فلسطينيين اثبتوا قدرة على استخدام صواريخ متطورة وشنّ هجمات انطلاقا من غزّة.

ما الذي ستفعله الولايات المتحدة التي تدرك الإدارة فيها أن على إسرائيل التخلص من حكومتها الحالية في حال كانت تريد بالفعل الخروج من المأزق الذي وجدت نفسها فيه. في أساس هذا المأزق الإصرار على تجاهل وجود الفلسطينيين كشعب. مثل هذا التجاهل مكّن ايران من التوغل في عمق الدولة العبريّة وردّ الصاع صاعين على كلّ العمليات التي نفذها الموساد (جهاز الإستخبارات الإسرائيلي) في الداخل الإيراني...

مثل هذا التجاهل للشعب الفلسطيني يفرض وجود "عقلاء" في الجانب العربي أيضا يفكرون منذ الآن في كيفية الإستفادة من الحرب التي شنتها "حماس"... بدل ترك ايران تستفيد من "حماس" وتستخدمها كيفما تشاء وحيثما تشاء!