انتكاسة في العلاقات الجزائرية الفرنسية بسبب اتهام جزائريين بخطف معارض
باريس - أعربت الجزائر مساء السبت عن "احتجاجها الشديد" بعد وضع أحد أعوانها القنصليين رهن الحبس الموقت في فرنسا للاشتباه في تورطه بخطف المؤثر الجزائري أمير بوخرص على الأراضي الفرنسية في نهاية نيسان/أبريل 2024.في انتكاسة سريعة لتحسن العلاقات الطفيف بين البلدين مؤخرا بعد سلسلة من التوترات والمشاحنات الدبلوماسية بين الطرفين.
وقالت وزارة الخارجية الجزائرية في بيان إن "هذا التطور الجديد وغير المقبول وغير المبرر من شأنه أن يلحق ضررا بالعلاقات الجزائرية-الفرنسية"، مؤكدة عزمها على عدم ترك هذه القضية دون تبعات أو عواقب"".
ووجهت محكمة فرنسية الاتهام إلى ثلاثة رجال يعمل أحدهم في قنصلية جزائرية في فرنسا للاشتباه في ضلوعهم في اختطاف المؤثر والمعارض الجزائري أمير بوخرص على الأراضي الفرنسية، في حادثة أثارت انتقادات واسعة وسلطت الضوء على التضييقات والملاحقات التي يتعرض لها معارضون سياسات الرئيس عبدالمجيد تبون داخل البلاد وخارجها.
ويلاحق الثلاثة بتهم التوقيف والخطف والاحتجاز التعسفي على ارتباط بمخطط إرهابي على ما أفادت اليوم السبت النيابة العامة الوطنية لقضايا مكافحة الإرهاب، مؤكدة معلومات حصلت عليها فرانس برس من مصادر قريبة من الملف. وقد وجهت إليهم أيضا تهمة المشاركة في مخطط إجرامي.
ومساء الجمعة قررت قاضية مختصة إيداع الرجال الذين تتراوح أعمارهم بين الخمسين والستين عاما الحبس المؤقت. ويعمل أحد المتهمين في إحدى القنصليات الجزائرية في فرنسا، بحسب عدة مصادر قريبة من الملف.
وشدد مصدر مطلع على الملف على أن مسألة الحصانة الدبلوماسية ستطرح خلال الإجراءات القانونية. ولا يحمل الرجل جواز سفر دبلوماسيا بل جوازا خدماتيا.
كما أفضى التحقيق إلى "أب أسرة" فرنسي جزائري "قريب" من الموظف في القنصلية، بحسب عدة مصادر قريبة من القضية. والمشتبه به الثالث كان على معرفة بالشخصين الأولين.
وقاد تتبع الاتصالات الهاتفية المحققين إلى القنصلية الجزائرية، حسبما علمت وكالة فرانس برس من مصدر قريب من الملف.
وقالت وزارة الخارجية الجزائرية في بيانها إنها استقبلت السبت السفير الفرنسي في الجزائر "بغرض التعبير عن احتجاج الجزائر الشديد على قرار السلطات القضائية الفرنسية بتوجيه الاتهام لأحد أعوانها القنصليين العاملين على التراب الفرنسي ووضعه رهن الحبس المؤقت".
وأضافت "من حيث الشكل تذكّر الجزائر أن الموظف القنصلي تم توقيفه في الطريق العام ووضعه تحت الحجز للنظر دون إشعار عبر القنوات الدبلوماسية".
وتابعت الوزارة "من حيث المضمون تؤكد الجزائر على هشاشة وضعف الحجج التي قدمتها الأجهزة الأمنية التابعة لوزارة الداخلية الفرنسية خلال التحقيقات، حيث تستند هذه الحملة القضائية المرفوضة على مجرد كون هاتف الموظف القنصلي المتهم قد يكون تم رصده بالقرب من عنوان منزل المدعو أمير بوخرص".
وشددت على أن "هذا المنعطف القضائي غير المسبوق في تاريخ العلاقات الجزائرية-الفرنسية ليس من قبيل الصدفة، حيث يأتي في سياق محدد وبغرض تعطيل عملية اعادة بعث العلاقات الثنائية التي اتفق عليها رئيسا الدولتين خلال محادثتهما الهاتفية الأخيرة".
وطالبت الوزارة "بالإفراج الفوري عن الموظف القنصلي المحتجز احتياطيا وبالاحترام التام للحقوق المرتبطة بوظيفته المنصوص عليها سواء في إطار الاتفاقيات الدولية أو الثنائية بما يتيح له الدفاع عن نفسه بشكل لائق وفي الظروف الأساسية المواتية".
ويقيم أمير بوخرص الملقب بـ"أمير دي زد" مؤثر جزائري يبلغ 41 عاما ويقيم في فرنسا منذ 2016، وقد طالبت الجزائر بتسليمه لمحاكمته.
وأصدرت الجزائر تسع مذكرات توقيف دولية بحقه متهمة إياه بالاحتيال وارتكاب جرائم إرهابية. وعام 2022، رفض القضاء الفرنسي تسليمه وحصل على اللجوء السياسي عام 2023.
وقال إريك بلوفييه محامي المؤثر الجزائري بوخرص في اتصال أجرته معه فرانس برس أن الأخير "تعرض لاعتداءين خطرين في 2022 ومساء 29 أبريل/نيسان 2024".
وفتحت النيابة العامة في منطقة كريتاي بضاحية باريس الجنوبية الشرقية تحقيقا بالحادثين، إلا أن النيابة الوطنية المختصة بقضايا الإرهاب تولت الملف في فبراير/شباط الماضي.
ورأى المحامي أن هذا التغيير مع فتح تحقيق قضائي "يظهر أن بلدا أجنبيا هو الجزائر لم يتردد في شن عمل عنيف على الأراضي الفرنسية من خلال الترهيب مع تعريض حياة إنسانية للخطر".
وأضاف "هذا المنعطف القضائي في التحقيق مع توقيف عملاء مرتبطين بالنظام الجزائري وإحالتهم على أحد القضاة يكشف أيضا أن أحداث 29 أبريل 2024 هي قضية دولة".
وقال المحامي إن "السلطات الجزائرية حاولت في البداية تحييده بمذكرات التوقيف ثم أمام رفض تسليمه أرادت جلبه مباشرة من الأراضي الفرنسية عن طريق خطفه".
بدوره، أكد وزير الداخلية الفرنسي برونو ريتايو اليوم السبت أن "الوضع خطير للغاية لدرجة أن النيابة العامة الوطنية المختصة بقضايا الإرهاب تولت الملف"، متابعا "أترك للسلطات القضائية كشف خيوط هذه القضية التي قد تكون مرتبطة بعمل من أعمال التدخل الأجنبي".
وخطف الناشط المعارض في 29 أبريل/نيسان 2024 في فال دو مارن بجنوب باريس وأفرج عنه في الـ30 منه. وفي دعواه قال "أمير دي زد" للشرطة إن خاطفيه "تظاهروا بأنهم فوجئوا" عندما اكتشفوا هويته معتقدين "أنه خطف شاحنة مخدرات" ثم أفرجوا عنه.
ودعا مصدر قريب من الملف السبت إلى توخي الحذر بعد صدور لوائح الاتهام الثلاث خشية أن تكشف التحقيقات الإضافية عن "ملف فارغ".
وأحجم محامو المشتبه فيهم وبينهم فيرونيك ماسي وكلوتيلد غارنييه اللذان اتصلت بهما وكالة فرانس برس، عن التعليق.
وورد اسم أمير بوخرص في تحقيق قضائي آخر باشرته النيابة العامة الباريسية وفي هذا الملف اتهم موظف في وزارة الاقتصاد الفرنسية في ديسمبر/كانون الاول للاشتباه في أنه نقل معلومات عن معارضين إلى النظام الجزائري، من بينهم أمير بوخرص.
وقالت النيابة العامة الباريسية إن المعلومات كانت تنقل "إلى شخص يحمل الجنسية الجزائرية يعمل في قنصلية الجزائر في كريتاي".
وبحسب مصدر قريب من التحقيق فإن هذا العميل طلب من الموظف في وزارة الاقتصاد معلومات عن مواطنين جزائريين بينهم معارضون معروفون مثل أمير بوخرص ومحمد العربي زيتوت وصحافي لاجئ وجزائري قدم شكوى في فرنسا ضد جنرال وشخصيات نافذة كالمؤثر شوقي بن زهرة.
وأفاد مصدر مطلع على هذا التحقيق أن بعض الأشخاص الذين نقلت معلومات بشأنهم وقعوا لاحقا "ضحايا عنف وتهديدات بالقتل أو محاولة خطف".
وكان الرئيسان الفرنسي ايمانويل ماكرون والجزائري عبد المجيد تبون قد اتفقا عقب محادثة هاتفية على مبدأ إعادة إطلاق العلاقات الثنائية بين البلدين، وكلفا وزيري خارجية البلدين إعطاء دفع جديد "سريع" للعلاقات.
ووضعا بذلك حدا لثمانية أشهر من أزمة نادرة الحدّة أوصلت فرنسا والجزائر إلى حافة قطيعة دبلوماسية.
وأسهَم ملف الهجرة، وكذلك توقيف الكاتب بوعلام صنصال في منتصف تشرين الثاني/نوفمبر، في زيادة توتر العلاقات، خصوصا بعدما أيدت باريس في تموز/يوليو 2024 السيادة المغربية على الصحراء، حيث تدعم الجزائر الانفصاليين المطالبين بالاستقلال.