انسحاب الحريري.. هل يرسم معادلة سياسية جديدة في لبنان
بيروت - يثير قرار الزعيم السنّي اللبناني سعد الحريري تعليق عمله بالسياسية أسئلة حول إذا سيؤثر على موعد الانتخابات المرتقبة في مايو/ايار وما إذا كان قراره سيفتح الباب بشكل واسع لحزب الله لتعزيز لنفوذه أكثر وبالتالي تعزيز النفوذ الإيراني وما إذا كانت مغادرته أيضا ستتيح الفرصة لبروز بديل سنّي متشدد في بلد محكوم بنظام طائفي.
والخطوة قد تبدو مفاجئة في توقيتها، لكن تأثيراتها ربما أقل بكثير مما يرجح البعض فبقاء الحرير أو مغادرته للمشهد السياسي اللبناني المضطرب لن يغير الكثير من واقع التردي السياسي الذي كان هو جزء منه.
وأكثر التأثيرات المتوقعة قد تشمل المشهد الانتخابي بحكم الوزن السياسي التاريخي لتيار المستقبل كممثل لسنّة لبنان منذ عقود وبقدر ما قد تخدم حزب الله بقدر ما تربكه بحكم حاجته لوجود نوع من التوازن ولو ظاهريا
الحريري الذي تولى رئاسة الوزراء لثلاث مرات لم يفعل شيئا لكبح نفوذ حزب الله ولم يحدث التوازن المطلوب خاصة في السنوات الأخيرة التي واجه فيها تيار المستقبل هزات سياسية وانتخابية.
وتذهب بعض القراءات إلى أن قرار الزعيم السنّي اللبناني قد يفتح الطريق أمام حزب الله الشيعي لتوسيع نفوذه المتجذر بالفعل مما يجعل لبنان أكثر من أي وقت مضى معقلا لإيران على البحر المتوسط.
ويوم الاثنين الماضي أعلن الحريري تعليق دوره في الحياة السياسية وعدم خوض الانتخابات البرلمانية المقبلة المقررة في مايو/أيار، معربا عن اقتناعه "بأنه لا مجال لأي فرصة إيجابية للبنان في ظل النفوذ الإيراني".
ومن شأن خطوته هذه أن تفتح مرحلة جديدة في الحياة السياسية الطائفية في لبنان وتضفي حالة من عدم اليقين في بلد يعاني من انهيار مالي يمثل أكبر تهديد للاستقرار منذ الحرب الأهلية التي دارت رحاها بين عامي 1975 و1990.
ويسعى نظام تقاسم السلطة الطائفي في لبنان إلى الحفاظ على التوازن الدقيق بين 18 طائفة رسمية معترف بها، لكن خطوة الحريري ستؤدي إلى تسريع تفتت الطائفة السنّية التي تزعمتها عائلة الحريري لمدة 30 عاما قبل أن تغير الرياض مسارها وتقطع عنها الدعم وتتخلى عن السياسة التي كانت تعتمدها لكبح جماح حزب الله.
وحزب الله الذي أسسه الحرس الثوري الإيراني عام 1982 والذي يمتلك ترسانة ضخمة من السلاح هو أقوى فصيل في لبنان منذ فترة طويلة مما جعل البلاد تدريجيا واحدة من عدة دول عربية تمارس فيها طهران الشيعية نفوذا كبيرا وجعل الساحة اللبنانية مسرحا لصراعها مع دول الخليج العربية.
وحزب الله في وضع مالي أفضل بكثير من الآخرين في هذه الانتخابات للاستفادة من انسحاب الحريري. وقال مصدر مطلع على تفكير الجماعة الشيعية اللبنانية إن كل طرف من الأطراف السياسية عنده خسائر وأرباح جراء قرار الحريري، مشيرا إلى أن الجماعة تتطلع بالفعل إلى مكاسب محتملة لحلفائها في الطائفة السنّية ومعظمهم من السياسيين المحليين الذين يفتقرون إلى النفوذ الذي كان يتمتع به على مستوى الوطن تيار المستقبل الذي ينتمي إليه للحريري.
لكن حزب الله يشعر بالقلق أيضا من التحديات الجديدة بما في ذلك خطر سعي الخصوم المحليين والإقليميين لاستبدال الحريري بشخصيات أكثر تشددا ستسعى إلى المواجهة بدلا من تقديم تنازلات كما فعل في السنوات الأخيرة.
وجاء زلزال الحريري السياسي على خلفية تصعيد الصراع الأوسع بين إيران ودول الخليج العربية المتحالفة مع الولايات المتحدة، فقد أطلقت جماعة الحوثي المتحالفة مع طهران في اليمن صواريخ على الإمارات العربية المتحدة مرتين هذا الشهر.
ويقول التحالف الذي تقوده السعودية ويقاتل في اليمن إن حزب الله يساعد الحوثيين.
وسلم وزير الخارجية الكويتي المبعوث الخليجي العربي يوم السبت الماضي الحكومة اللبنانية قائمة شروط لإذابة الجليد قال مصدر دبلوماسي لبناني إنها تشمل تحديد إطار زمني لتنفيذ قرار للأمم المتحدة عمره 18 عاما يطالب بنزع سلاح حزب الله.
وقالت مصادر سياسية إن الطلب ينظر إليه في بيروت على أنه تصعيد من جانب دول الخليج التي طردت سفراء لبنانيين في أكتوبر/تشرين الأول على خلفية خلاف بشأن انتقادات وجهها وزير متحالف مع حزب الله لحرب اليمن قبل توليه منصبه.
كما كررت القائمة التي وصفها المبعوث الخليجي بأنها إجراءات مقترحة لبناء الثقة، المطالب الغربية بإجراء الانتخابات في موعدها، لكن في ظل التخبط في المشهد السياسي السنّي يتوقع بعض المحللين تصاعد الدعوات لتأجيل التصويت.
ويعتقد العديد من المراقبين أن هذا من شأنه أن يناسب جميع اللاعبين الرئيسيين على الساحة اللبنانية تقريبا باستثناء خصوم حزب الله ولا سيما حزب القوات اللبنانية المسيحي الذي يتفق موقفه مع موقف السعودية ويأمل في قلب الأغلبية التي فاز بها حزب الله مع حلفائه في عام 2018 لصالحه.
وقال نبيل بومنصف نائب رئيس تحرير صحيفة النهار اللبنانية إنه إذا اعتقدت القوى الكبرى في لبنان ومن بينها حزب الله أن من مصلحتها تأجيل الانتخابات، فإنها ستفعل ذلك.
وإذا أجريت الانتخابات فمن المرجح أن تكون عملية تشكيل حكومة جديدة أكثر صعوبة من المعتاد.
ولا تبشر حالة عدم اليقين السياسي بالخير فيما يتعلق بفرص اتخاذ إجراءات حكومية لمعالجة الأزمة الاقتصادية التي تركتها النخبة الحاكمة تتفاقم منذ عام 2019.
وأدى قرار الحريري إلى قلب المشهد الانتخابي المعقد بالفعل رأسا على عقب. وهذا القرار لن يؤثر فقط على المقاعد العشرين التي فاز بها تيار المستقبل في عام 2018 إنما سيؤدي إلى تأثر عشرات المقاعد في البرلمان المؤلف من 128 مقعدا حيث للصوت السنّي تأثير في التحالفات المحلية مع المستقبل.
ولا يوجد حاليا أي سياسي سنّي لديه نفس النفوذ الذي يتمتع به الحريري على مستوى البلاد. ورغم أنه خسر ثلث مقاعده في عام 2018 فقد حافظ على موقعه كزعيم سني.
وقد يترشح أحد أشقاء الحريري (بهاء) أو قد يدعم مرشحين آخرين، لكنه لم يصدر أي إعلان بعد. وينتقد بهاء بشدة سياسات أخيه سعد تجاه حزب الله.
وقال الزعيم الدرزي اللبناني وليد جنبلاط لرويترز يوم الاثنين الماضي إن الإعلان "يعني إطلاق يد حزب الله والإيرانيين".
وفاز السنّة المتحالفون مع حزب الله بمقاعد من تيار المستقبل في عام 2018 لكن الأمور ليست بهذا الوضوح حاليا بالنسبة لحزب الله المصنف كمنظمة إرهابية من قبل الولايات المتحدة.
وفي حين أن سياسة الحريري ارتكزت في البداية على معارضة سلاح حزب الله وصولا إلى المواجهة التي قادت إلى حرب أهلية قصيرة عام 2008، فإن سنواته الأخيرة في الحكم شهدت العديد من التنازلات والتسويات مع الجماعة الشيعية.
وقال الحريري في خطابه يوم الاثنين الماضي إن تنازلاته جنبت البلاد الحرب الأهلية.
وقال هايكو ويمن من مجموعة الأزمات الدولية "لست متأكدا من مدى سعادة حزب الله" بقرار الحريري، مضيفا "من مصلحة حزب الله أن يكون هناك على الأقل ظاهريا نظام سياسي فاعل يشارك فيه الجميع، بمن فيهم السنّة".