انسحاب تكتيكي للجيش الوطني الليبي من قاعدة الوطية
تونس/طرابلس - أعلن الجيش الوطني الليبي الاثنين في بيان أن سيطرة ميليشيات حكومة الوفاق على قاعدة الوطية الجوية جاءت بعد انسحاب تكتيكي لقواته وبناء على موقف مدروس وعلى خطة إستراتيجية.
ونشر بيانا على صفحة المركز الإعلامي لغرفة عمليات الكرامة، قال فيه إنه تم "سحب كل الطائرات ومنظومات الدفاع الجوي والمستشفى الميداني وكل الأطقم الطبية وسيارات الإسعاف، حيث لم تعثر الميليشيات إلا علي منظومة متضررة ومحطمة وطائرات الخردة من عام 1980".
وأوضح في حديثه عن تفاصيل الانسحاب قائلا "هو مناورة تراجعية اختيارية كثيرة الحدوث في سياق المعارك ولهذا فالتكيفات التكتيكية تتبع حالة المد والجزر في الأحداث وفي التغييرات التي تطرأ على النسبة في القوة. الانسحاب المؤقت هو أحيانا ضروري بل ومرغوب فهذا سبيل للإعداد والتحضير إلى نجاحات كبيرة في المستقبل. والظروف تدعو أحيانا إلى التراجع خطوة، لاستطاعة التقدم بعد ذلك خطوتين. والمقاتلة في حالة الانسحاب صعبة وتتطلب معرفة وضبطا صارما وخبرة عسكريه عالية".
وقال أيضا إنه "بشكل مدروس وآمن يجب أن يكون الانسحاب سريعا بحيث يضمن الابتعاد عن العدو دون أن يتمكن العدو من المطاردة أو الالتفاف أو وضع الكمائن على طرق الانسحاب وهي عملية صعبة تحتاج إلى خطة محكمة وبسيطة وسهلة التنفيذ بحيث يجري الانسحاب بناء عليها".
وبحسب بيان الجيش الليبي كان هناك ألف آلية ومدرعة وغرفة عمليات متنقلة ومعدات عسكرية دقيقة "لم تتحصل الميليشيات على واحدة منها"، مضيفا أن 1500 جندي انسحبوا "ولم تأسر الميليشيات أيا منهم وهنا يكمن الفرق بين الانسحاب التكتيكي والهروب، بنقطتين فقط وبشكل مُبسط".
وتابع "الانسحاب جزء من الخطة العسكرية التي تكون مدروسة بشكل جيد ويُطبق ذلك الجزء بعد إتمام العملية كليا أو لاستعادة القوى والرجوع لأرض المعركة بخطة ممنهجة، لتفادي الخسائر".
وكانت حكومة الوفاق الوطني الليبية المدعومة من تركيا وقطر قد أعلنت في وقت سابق الاثنين سيطرتها على قاعدة الوطية الجوية الواقعة على بعد 140 كلم جنوب غرب العاصمة طرابلس بعدما تعرضت لأكثر من 100 غارة جوية تركية في الفترة القليلة الماضية وكانت خاضعة لسيطرة الجيش الوطني الليبي بقيادة المشير خليفة حفتر.
وتأتي هذه التطورات بينما تُجمع كل المؤشرات على أن إلقاء تركيا بثقلها العسكري في معركة طرابلس إنما يستهدف فرض أمر واقع وتأمين تنفيذ الاتفاقيات الأمنية والنفطية التي وقعتها أنقرة مع حكومة الوفاق الوطني بقيادة رجل الأعمال فايز السراج.
وتزامنت السيطرة على قاعدة الوطية الجوية مع تحرك تركي محموم للتوسع في منطقة شرق المتوسط من خلال عمليات التنقيب عن النفط والغاز المثيرة للجدل والتي تعارضها دول عربية وغربية بوصفها انتهاكا صارخا لقانون البحار الدولي.
وتأتي أيضا فيما قدمت شركة البترول التركية (تباو) بطلب إلى حكومة الوفاق الوطني في طرابلس للحصول على إذن بالتنقيب في شرق البحر المتوسط.
ويدرك الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أن بقاء الجيش الوطني الليبي بقيادة المشير خليفة حفتر في محيط العاصمة طرابلس من شأنه أن يقوض طموحاته في الهيمنة على ليبيا وثرواتها وأنه أيضا يشكل خطرا على مشروع التمكين للإخوان المسلمين الذي تقوده تركيا.
ويريد أردوغان تحصين الاتفاقيات التي أبرمها مع حكومة الوفاق وسرعة تنفيذها لجعلها أمرا واقعا بما يسهل عليه التمدد في المنطقة من شرق المتوسط إلى إفريقيا.
وذكرت مصادر محلية أن مسلحين من مدن الزاوية ومصراتة وزوارة من الموالين لحكومة الوفاق شوهدوا وهم يدخلون القاعدة التي قال مصدر من الجيش الوطني الليبي إن القوات التي كانت فيها غادرتها بكل أسلحتها وأن القاعدة لا تمثل كل الثقل في المعركة الدائرة مع ميليشيات الوفاق والمرتزقة الذين أرسلتهم تركيا.
وبعد سيطرة ميليشيات الوفاق على مدينتي صبراتة وصرمان في الأسابيع القليلة الماضية بتدخل عسكري تركي برا وجوا، لم تعد سيطرة الميليشيات على نقطة أو منطقة في محيط العاصمة الليبية أمرا مستغربا، فالثقل العسكري التركي مكن الميليشيات المتطرفة من التقاط الأنفاس بعد أن كان الجيش الوطني الليبي على مشارف طرابلس.

وأرسلت تركيا ولاتزال آلاف المرتزقة من الفصائل السورية المتشددة الموالية لها للقتال إلى جانب ميليشيات حكومة فايز السراج وطائرات مسيرة وشحنات أسلحة ثقيلة، حيث تستعجل كبح تقدم قوات الجيش الوطني الليبي وحسم المعركة لصالح الوفاق.
وبلغ عدد المجندين الذين أرسلتهم تركيا إلى غرب ليبيا حتى الآن نحو 8950 مرتزقا بينهم مجموعة غير سورية، في حين أن عدد المجندين الذي وصلوا المعسكرات التركية لتلقي التدريب قدر بنحو 3300 مجند ينتظرون دورهم للانتقال إلى ليبيا.
وقال رئيس حكومة الوفاق الوطني فائز السراج في بيان صحافي "نعلن بكل فخر واعتزاز تحرير قاعدة الوطية العسكرية من قبضة المليشيات والمرتزقة والإرهابيين (في إشارة لقوات حفتر) لتنضم إلى المدن المحررة في الساحل الغربي".
وأضاف "انتصار اليوم لا يمثل نهاية المعركة، بل يقربنا أكثر من أي وقت مضى من يوم النصر الكبير بتحرير كافة المدن والقضاء نهائيا على مشروع الهيمنة والاستبداد الذي يهدد آمال الليبيين وتطلعهم لبناء دولتهم المدنية والديمقراطية".
وتأتي عملية السيطرة على القاعدة بعد أسابيع قليلة على استعادة حكومة الوفاق السيطرة على ست مدن بينهما اثنتان إستراتيجيتان (صرمان وصبراتة) غرب طرابلس.
وهلل حزب العدالة والبناء الذراع السياسية لجماعة الإخوان المسلمين والذي يهيمن على حكومة فايز السراج، بما اعتبره نصرا استراتيجيا يمهد لاستعادة السيطرة على المناطق الأخرى التي حررها الجيش الوطني الليبي في خضم معركة طرابلس.
ووجه مجلس الدولة الاستشاري بقيادة خالد المشري القيادي في حزب العدالة والبناء التحية لمسلحي الوفاق بعد دخولهم قاعدة الوطية التي يطلق عليه إخوان ليبيا قاعدة 'عقبة بن نافع' بعد أكثر من 100 ضربة جوية تركية خلال اليومين الماضيين.
وأعلن المشري كذلك أنته لن يكون هناك حوار سياسي مع القيادة العامة للجيش الوطني الليبي إلا بعد القضاء على ما وصفه بـ"مشروع الانقلاب" وإبعاد شخوصه.
وأقر يوسف كاتب اوغلو السياسي التركي المقرب من حزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا في تصريحات لقناة "ليبيا بانوراما" المملوكة لحزب العدالة والبناء (إخوان ليبيا) بأن حكومة الوفاق ما كانت لتحقق تقدما لولا نزول تركيا بكل ثقلها في هذه المعركة التي تعتبر مصيرية بالنسبة للتنظيم المصنف إرهابيا والمحظور في عدد من الدول العربية والخليجية.