انسداد سياسي قد يبقي عبدالمهدي مؤقتا في منصبه

مع اقتراب انتهاء مهلة الـ15 يوما التي تتيح لرئيس الدولة تكليف شخصية لتشكيل الحكومة، يبقى المشهد السياسي رهين الغموض والالتباس من حيث ملامح الحكومة المقبلة والشخصية التي ستقودها.

المشاورات السياسية مستمرة وسط جدّ وجذب بين الكتل النيابية
كتلة العامري والمالكي والخزعلي تتمسك بأحقيتها في تسمية مرشح لرئاسة الحكومة
أزمة الحكومة تراوح مكانها بين توافق مفقود ومادة دستورية مثيرة للجدل
مشاورات سياسية أقرب للجمود منها لحلحلة أزمة الحكومة العراقية

بغداد - تتواصل المشاورات السياسية في بغداد للاتفاق على مرشّح لرئاسة الحكومة خلفا لعادل عبدالمهدي الذي استقال تحت ضغط احتجاجات شعبية لم تهدأ حتى بعد استقالته، فيما يرجح أن يتواصل سيناريو الانسداد السياسي ما يمنح عبدالمهدي الاستمرار في إدارة حكومة تسيير أعمال لأشهر إضافية.

ومع اقتراب مهلة الـ15 يوما التي تتيح لرئيس الدولة برهم صالح من الناحية الدستورية تكليف شخصية لتشكيل الحكومة، يبقى المشهد السياسي رهين الغموض والالتباس من حيث ملامح الحكومة المقبلة والشخصية التي ستقودها وما إذا ستستقر عند حكومة انتقالية لفترة معينة أو حكومة تستكمل المدة المتبقية من ولاية الحكومة المستقيلة.

وتشهد الساحة العراقية حالة من الشدّ والجذب بين القوى السياسية على خلفية غياب توافق على شخصية بعينها تكون مقبولة وقادرة على حلحلة الأزمة الراهنة في لعبة تدار من أكثر طرف تشكل فيها إيران اللاعب صاحب الثقل في تحديد بوصلة مسار سياسي معقد.

برهم صالح ينتظر انتهاء مهلة الـ15 يوما لتكليف شخصية بتشكيل حكومة جديدة أو استخدام المادة 81 من الدستور
برهم صالح ينتظر انتهاء مهلة الـ15 يوما لتكليف شخصية بتشكيل حكومة جديدة أو استخدام المادة 81 من الدستور

وفيما يجري البحث عن حلّ للأزمة ينهي موجة احتجاجات تتناقض في مضامينها ومطالبها مع حراك سياسي لم يخرج عن سياقات التدخل الإيراني الوازن، تستمر حالة الجمود في انتظار توافق يبدو بعيدا.

 ووافق البرلمان العراقي (مجلس النواب) في الأول من ديسمبر/كانون الأول على استقالة حكومة عبدالمهدي بعد نحو شهرين من موجة احتجاجات بدأت عفوية ومطلبية وأسفرت عن مقتل نحو 460 شخصاً وإصابة أكثر من 20 ألفاً بجروح.

وأصدر الرئيس برهم صالح كتابا ليل الأحد الاثنين دعا فيه البرلمان إلى "إعلامنا الكتلة النيابية الأكثر عددا المسجلة في الجلسة الأولى للمجلس في انعقاده الأول لغرض تكليف مرشح جديد" لرئاسة الوزراء.

ومفهوم الكتلة الأكبر هو الائتلاف الذي يضم أكبر عدد من النواب بعد الانتخابات وليس بالضرورة أن يكون التحالف الفائز بأكبر عدد من المقاعد بعد الاقتراع.

وفتح هذا المطلب سجالا جانبيا في الوقت الذي يتمسك فيه الحراك الشعبي بمطالبه وعلى رأسها رحيل المنظومة السياسية القائمة على المحاصصة الطائفية والمطالب أيضا بإنهاء التدخل الإيراني.

وأكد صالح أن الرئاسة تسلمت كتاب استقالة عبدالمهدي في الرابع من الشهر الحالي. وإذ أن الدستور ينص على تكليف رئيس جديد للوزراء في مهلة أقصاها 15 يوما، فإن تسمية شخصية جديدة يجب أن تتم بحلول الخميس المقبل.

ولم تكن الكتلة الأكبر واضحة بعيد الانتخابات التشريعية في مايو/أيار 2018 وجاءت تسمية عبدالمهدي رئيسا للوزراء حينها بتوافق سياسي جرى خلال ساعات بعيد انتخاب صالح رئيسا للجمهورية.

إلى حدّ الآن لم تتضح ملامح الشخصية التي سترشح لقيادة الحكومة الجديدة ولا تركيبتها وما إذا ستستقر عند حكومة انتقالية لفترة معينة أو حكومة تستكمل المدة المتبقية من ولاية حكومة عبدالمهدي المستقيلة

ويبدو المشهد اليوم أكثر تعقيدا خصوصا ما بعد التسمية، إذ أن التحالف النظري بين كتلتي 'سائرون' بزعامة رجل الدين الشيعي مقتدى الصدر و'الفتح' التي تضم قدامى قادة الحشد الشعبي والذي كان اللاعب الأكبر في تقاسم المناصب بالحكومة المستقيلة، بات بحكم المنحل بعدما انضم الأول إلى صفوف التظاهرات، فيما اعتبرها الثاني 'مؤامرة'.

وفي الوقت الذي يفترض فيه أن تتقدم المشاورات السياسية، انفتحت الأزمة على المزيد من التعقيد مع بروز سجال حول من هي الكتلة الأكبر في البرلمان والأحق بترشيح شخصية لرئاسة الحكومة.

وأعلنت كتلة 'البناء' الاثنين أنها الأكثر عددا في مجلس النواب وأنها الأحق بتقديم مرشح لرئاسة الحكومة المقبلة، إلا أنه في حال التسليم بأنها باتت الكتلة الأحق التي يقع على عاتقها تقديم مرشحها لرئاسة الحكومة المرتقبة، فإنها تواجه رفضا شعبيا كونها تمثل تيارات شديدة الولاء لإيران.

ويضم هذا التحالف الأحزاب التي يقودها هادي العامري ونوري المالكي وقيس الخزعلي إضافة إلى قادة تيارات شيعية وسنّية أخرى.

وقد طرحت عدة أسماء لقيادة حكومة جديدة يطغى عليها طابع التكنوقراط، لكن الشارع يرفض تلك الأسماء، مشترطا أن يكون رئيس الوزراء الجديد من غير المضطلعين بأي دور سياسي منذ العام 2003 وأن يكون مستقلا.

الحراك الشعبي العراقي يتمسك بالشارع حتى رحيل المنظومة السياسية ورموزها
الحراك الشعبي العراقي يتمسك بالشارع حتى رحيل المنظومة السياسية ورموزها

والاسم الأكثر تداولا في هذه الفترة هو وزير العمل والشؤون الاجتماعية السابق محمد شياع السوداني الذي أعلن استقالته من حزب الدعوة وكتلة دولة القانون بزعامة رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي.

لكن مصادر سياسية أكدت في المقابل أن "أسهم السوداني تواجه خطر السقوط في البرلمان، إذ أنه لا يحظى بقبول الجميع".

وأشار مصدر إلى أن "رئيس الجمهورية يراهن على إسقاط السوداني في البرلمان لتقديم مرشحه في اللحظات الأخيرة" وهو ما يضمنه له الدستور.

إلا أن دفع برهم صالح لتكليف شخصية بتشكيل الحكومة يثير أيضا جدلا دستوريا حيث تشير مصادر قانونية إلى عدم تحقق الخلو الذي تنص عليه المادة 81 من الدستور العراقي والتي تمنح صالح هذه الصلاحية (التكليف).

وتختلف تسمية رئيس الوزراء هذه المرة عن سابقاتها إذ يقف الشارع مراقبا وحكما لأي محاولة للالتفاف على مطالبه.

كما أن المرجعية الدينية العليا أعلنت عدم مشاركتها في أي مشاورات أو مفاوضات أو مباركة أي اسم يطرح، خلافا للسنوات الـ16 الماضية حين اضطلعت بدور حاسم غير مباشر في رسم المسار السياسي للبلاد.

ويبدو أن المرجعية سحبت يدها خصوصا بعدما انتقدها الشارع في ما آلت إليه الأوضاع بعهد حكومة عبدالمهدي الذي وافقت على تسميته حينها.

وقال المحلل السياسي عصام الفيلي إن "الكتل السياسية أصبحت اليوم غير قادرة على التحكم بأوضاع العراق"، مضيفا "بالمحصلة النهائية ستنتصر الجماهير لأن الأطراف السياسية باتت ضعيفة".

لكن التخوف لا يزال قائما أمنيا في البلاد مع تحذير بغداد الاثنين من "التصعيد والفوضى" بعد تضاعف الهجمات ضد المصالح الأميركية في العراق وتوعد واشنطن اثر ذلك بـ"رد حاسم" على طهران التي يتسع نفوذها في البلاد عبر فصائل مسلحة موالية لها.