انشقاقات في العدالة والتنمية تمهد لانتفاضة على أردوغان

المشهد التركي بتجلياته الراهنة يشير بوضوح إلى أن أعمدة العدالة والتنمية بدأت تتداعى مع اتساع الشروخ والانشقاقات وتنامي الشعور بأن أردوغان بات عبئا على الحزب وعلى تركيا عموما.

أزمة عميقة تهزّ حزب أردوغان
الرئيس التركي يجني ثمار الاستبداد بالرأي
أردوغان يتوعد "الخونة" بدفع ثمن باهظ
جبهة سياسية معارضة من الحلفاء السابقين تتشكل على وقع نكسة اسطنبول
المنشقون عن اردوغان يقودون مسارا تصحيحيا لتيار الاسلام السياسي داخل تركيا

أنقرة - ينفتح المشهد السياسي التركي على أكثر من سيناريو بعد الانتكاسة الانتخابية التي مني بها حزب الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، العدالة والتنمية الإسلامي الحاكم في إعادة انتخابات رئاسة بلدية اسطنبول.

ومن السيناريوهات التي باتت تتردد كثيرا في الفترة الأخيرة، انتفاضة سياسية على الرئيس التركي الذي ذهب بعيدا في سياساته الاستبدادية وفي تخريب الدبلوماسية عبر خصومات مجانية مع الحلفاء والشركاء.

والمشهد التركي بتجلياته الراهنة يشير بوضوح إلى أن أعمدة العدالة والتنمية بدأت تتداعى شيئا فشيئا مع اتساع الشروخ والانشقاقات وتنامي الشعور بأن أردوغان بات عبئا على الحزب وعلى تركيا عموما.

ويبدو أن الخسارة المذلة في الانتخابات البلدية وتحديدا انتزاع المعارضة لرئاسة بلدية اسطنبول، أخرجت الصامتين من رفاق أردوغان عن صمتهم ودفعتهم سريعا للبحث عن بدائل تسمح بإنقاذ البلاد وإعادة التموقع سياسيا وحزبيا على قاعدة الشراكة السياسية وتصحيح مسار السياسة الخارجية.

وقد خاض الرئيس التركي معارك على أكثر من جبهة داخلية وخارجية لتعزيز موقعه وصلاحياته، لكن كثرة الجبهات أضعفت تركيا ودفعت اقتصادها إلى حافة الهاوية، في الوقت الذي كان أردوغان يتحدث فيه عن مؤامرة خارجية لتدمير اقتصاد بلاده وهي مبررات قد تصلح للاستهلاك الإعلامي، إلا أنها لم تقنع حتى رفقاء دربه من أمثال رئيس الوزراء الأسبق أحمد وداود أغلو أو الوزير السابق علي باباجان وكلاهما تولى في وقت ما من حكم العدالة والتنمية حقيبة الشؤون الاقتصادية.

خلافات وانشقاقات في العدالة والتنمية تثير غضب أردوغان
الخناق يضيق على أردوغان من داخل حزبه وبقيادة حلفائه السابقين

واللافت أن حالة التململ في صفوف اسلاميي تركيا قد بدأت قبل سنوات مع الرئيس السابق عبدالله غول وهو من أبرز رفاق أردوغان، لكن الأخير نجح إلى حدّ ما في تحييد غول الذي لزم الصمت طويلا تحت وطأة ضغوط الرئيس (أردوغان) والدائرة المقربة منه، إلا أنه قد ينضم للجبهة التي بدأت تتشكل مع انشقاق باباجان.

وأثار تواري غول عن الأنظار وفي المناسبات الرسمية بعد انتهاء ولايته الرئاسية في 2014 وخلفه في المنصب الرئيس الحالي رجب طيب أردوغان، أسئلة كثيرة وما إذا كان قد تعرض للإقصاء والتهميش لخلافات مع أردوغان.

وكانت تلك أولى المؤشرات على بداية تفكك عقد التحالف وإشارة واضحة للنزعة الاستبدادية للرئيس أردوغان.

ويقول وداود أوغلو في أحدث تصريحات تشير إلى حالة الوهن التي بات عليها الحزب الحاكم، إن العدالة والتنمية مصاب بحالة من اليأس وسط تزايد خلافات داخلية.

وأوضح في حديث لصحيفة 'فاينانشال تايمز' نشر قبل يومين، إن "انحراف" الحزب عن قيمه الأساسية يثير استياء عميقا بدءا من صفوفه السفلى ووصولا إلى نخبته الأعلى.

وتابع "خلال السنوات الثلاث الأخيرة، لاحظت أن هذه قيم الحزب الأساسية التي احترمناها على مدار كل حياتنا، لقيت تجاهلا"، معتبرا أن المؤسسات التركية تزداد ضعفا.

كما اعتبر أن الانتقال إلى النظام الرئاسي بالصيغة التي دفع نحوها أردوغان بشدّة أي جمع كل الصلاحيات بين يديه "أضر بالهياكل الأساسية" لتركيا.

أردوغان أقصى بعد توليه الرئاسة خلفا لعبدالله غول رفيق دربه خوفا من طموحاته السياسية
أردوغان أقصى بعد توليه الرئاسة خلفا لعبدالله غول رفيق دربه خوفا من طموحاته السياسية

ولم يعلن أوغلو حتى الآن انشقاقه عن العدالة والتنمية، إلا أنه ألمح إلى ذلك في خطوة ستشكل ضربة موجعة للرئيس التركي وللحزب الإسلامي الحاكم.

رئيس الوزراء التركي الأسبق الذي يحظى باحترام لدى الشركاء الأوروبيين والذي يعتبر مهندس اتفاق كبح الهجرة من السواحل التركية إلى أوروبا، أشار أيضا إلى أنه يحاول إصلاح العدالة والتنمية من الداخل، لكنه أكد في المقابل أن الأمل ضعيف.

وقال "إننا بحاجة إلى نفسية جديدة قائمة على الانفتاح والشفافية والحرية والحديث دون أي خوف... لا يمكن أن يكون هناك أي حل في حال تشعرون بالخوف من التفكير والتحدث".

وكان يشير بذلك إلى السياسات التي يتبعها أردوغان بإشاعة الخوف والترهيب بين حلفائه وخصومه في آن واحد.

وداود أغلو كان من أبرز قادة حزب العدالة والتنمية ومن أبرز رفاق أردوغان وحلفائه وتعهد بأن يبقى مخلصا للرئيس لكن 'انحراف' اردوغان عن السياسة التوافقية ونزوعه للتفرد بالرأي والقرار وترهيب منتقديه من داخل حزبه وقمع معارضيه وتأسيسه لسياسة أكثر استبدادا ودخوله في مواجهات مع الشركاء الغربيين، دفع حلفاءه السابقين إلى التحرك لوضع حد لتلك السياسات.

وأصبح داود أوغلو إلى جانب علي باباجان أحد مؤسسي العدالة والتنمية من أكبر المنتقدين لنهج حزب أردوغان بعد الهزيمة المذّلة في الانتخابات المحلية بخسارة كل من اسطنبول والعاصمة أنقرة.

والانشقاقات في العدالة والتنمية تعتبر فرصة للمعارضة لإعادة ترتيب صفوفها وتقوية حضورها في مواجهة التسلط الذي يبديه أردوغان في مواجهة الحزب المهيمن على السلطة منذ 2002 والذي يبدو اليوم في أسوا حالاته، بحسب شهادة علي باباجان وداود أوغلو.

وقد ينفتح حزب أردوغان في قادم الأيام على المزيد من الانشقاقات وسط خلافات حادة لطالما حاول الرئيس التعتيم عليها.

وقد توعد في تصريحات سابقة المنشقين الذين وصفهم بـ'الخونة' بدفع ثمن باهظ، وهو تهديد يكشف بوضوح ما آل إليه الحزب الإسلامي الحاكم.

وثمة فرضيات أخرى تشير إلى داود أغلو قد يقود حركة تصحيحية لتيار الإسلام السياسي في تركيا بعد انشقاقه وانضمامه المحتمل لجبهة علي باباجان.