انطلاق الحوار الليبي في المغرب وسط تفاؤل بتسوية الأزمة

المغرب راكم تجارب في تسوية النزاعات، معتمدا على دبلوماسية هادئة في معالجة الأزمات وسط أمال بأن تعطي رعايته للحوار الليبي دفعة لعملية السلام في ليبيا التي يعد استقرارها استقرارا لدول المنطقة.
أردوغان يجدد دعمه لحكومة الوفاق في لقاء بالسراج تم على عجل في اسطنبول
مفتاح التهدئة في ليبيا في يد أردوغان لا السراج
هل يؤسس الحوار الليبي في المغرب لتسوية سياسة تنهي الأزمة؟

الرباط - انطلق اليوم الأحد الحوار الليبي في مدينة بوزنيقة شمالي المملكة المغربية ويستمر حتى غد الاثنين على أمل أن يشكل أساسا لاتفاق ينهي الصراع في ليبيا.

ويتمتع المغرب بتجربة في تسوية النزاعات ويعتمد دبلوماسية هادئة في معالجة الأزمات بعيدا عن المهاترات السياسية وسط أمال بأن يعطي دفعة لعملية السلام في ليبيا التي يعد استقرارها استقرار لدول المنطقة.

وقال وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة خلال افتتاح جلسة الحوار بين وفدين من المجلس الأعلى للدولة (طرابلس) وبرلمان طبرق (شرق) الداعم لقوات الجيش الوطني الليبي بقيادة المشير خليفة حفتر "قد يكون (الحوار الليبي) مقدمة لاتفاقيات تنهي الأزمة الليبية" .

وأضاف الوزير المغربي أن "الحوار المنعقد في المغرب من الممكن أن يكون له مقاربة عملية لإعادة الثقة وبناء التفاهمات وإنضاج الأفكار والتهيئة للاتفاقيات"، مشددا على أن الرباط تثق في الأطراف الليبية للوصول إلى حل والخروج من أزمتها.

وقبل بدء المحادثات قال بوريطة "المغرب مستعد لتهيئة فضاء للنقاش بين الليبيين وفق إرادتهم وسنصفق لما سيتفقون عليه"، مضيفا "ليس للمغرب أي أجندة ولا أية مبادرة".

وأشاد بـ"الدينامية الإيجابية الأخيرة التي تمثلت في وقف إطلاق النار بليبيا"، مشيرا إلى أن"المبادرات الليبية، بما فيها مبادرتي رئيس المجلس الأعلى للدولة الليبي خالد المشري، ورئيس نواب طبرق عقيلة صالح، من الممكن أن تعطي أرضية للسير نحو حل للأزمة الليبية".

ويشارك في الحوار 4 أعضاء من المجلس الأعلى للدولة و9 نواب من مجلس طبرق.

وزار كل من خالد المشري وعقيلة صالح، الرباط في نهاية يوليو/تموز الماضي، لكنهما لم يعقدا اجتماعا معا، إذ اقتصر الأمر على لقاءات منفصلة مع مسؤولين مغاربة.

المغرب مستعد لتهيئة فضاء للنقاش بين الليبيين وفق إرادتهم وسنصفق لما سيتفقون عليه. ليس للمغرب أي أجندة ولا أية مبادرة

وكان طرفا النزاع الليبي وقعا في 17 ديسمبر/كانون الأول 2015، اتفاقا سياسيا بمنتج الصخيرات المغربي، وهو الاتفاق الذي انبثقت عنه حكومة الوفاق الوطني برئاسة فايز السراج إضافة إلى التمديد لمجلس النواب وإنشاء مجلس أعلى للدولة.

لكن حكومة الوفاق الوطني التي تولت السلطة في مارس/اذار 2016 عجزت منذ ذلك الوقت عن كبح انفلات سلاح الميليشيات ومعالجة الأزمات القائمة السياسية والاقتصادية والاجتماعية في الوقت الذي هيمنت عليها جماعة الإخوان المسلمين المدعومة من ميليشيات مسلحة كانت منضوية تحت ما كان يعرف بقوات فجر ليبيا وهي القوات التي تخلت عن رئيس الوزراء الأسبق خليفة الغويل وتحولت لدعم السراج.

وتقول مراكز دولية مختصة في شؤون الجماعات المتطرفة، إن تلك الميليشيات تغير ولاءها بحسب مصالحها وبما يضمن نفوذها.

وتأخذ عدة جهات دولية على حكومة السراج أنها باتت رهينة لتلك الميليشيات التي يرتبط بعضها بالإرهاب وبالجريمة المنظمة والاتجار بالبشر.   

وعجزت حكومة السراج طيلة السنوات الماضية في تثبيت سلطتها إزاء هيمنة الاخوان وتغول الميليشيات المتطرفة ما دفع الجيش الوطني الليبي بقيادة حفتر لإطلاق عملية عسكرية لتحرير العاصمة طرابلس من الميليشيات الإرهابية.

وجاءت تلك العملية التي انطلقت في ابريل/نيسان 2019 بعد أن وصلت المفاوضات السياسية مع حكومة الوفاق إلى طريق مسدود.

كما اعتبرت جهات دولية أن اتفاق الصخيرات لم يعد صالحا في ظل عدم تمثيله لكل المكونات الليبية، داعية حينها لعدم تجاهل قيادة الجيش الوطني الليبي وأنها باتت رقما صعبا في معادلة استقرار ليبيا.

وطالبت بمراجعة اتفاق الصخيرات بما يضمن تمثيلا لكل مكونات الشعب الليبي وبما يعالج مشكلة انفلات سلاح الميليشيات ويوحد مؤسسات الدولة وحصر السلاح بيدها.

وسلاح الميليشيات التي برزت خلال ثورة فبراير التي أطاحت بدعم من حلف الناتو بنظام العقيد الراحل معمر القذافي، واحدة من المعضلات التي تواجهها ليبيا.

السراج لم يعد يملك سلطة القرار بعد هيمنة تركيا على غرب ليبيا
السراج لم يعد يملك سلطة القرار بعد هيمنة تركيا على غرب ليبيا

وكانت تلك الميليشيات تتلقى دعما تركيا بالسلاح ودعما قطريا بالمال وتعتبر أذرعا عسكرية لجماعة الإخوان المسلمين. وتحول الدعم من السرّ إلى العلن مع اقتراب قوات الجيش الوطني الليبي من طرابلس.

وألقت تركيا بثقلها العسكري في دعم ميليشيات حكومة الوفاق بإرسال شحنات أسلحة ثقيلة بينها طائرات مسيرة إضافة إلى آلاف المرتزقة من الجماعات السورية المتطرفة الموالية لأنقرة، إلى الغرب الليبي، ما دفع قوات حفتر للتراجع لتحصين مدينتي الجفرة وسرت الإستراتيجيتين.

وتصاعدت التحركات الدبلوماسية للتوصل إلى حل سياسي ينهي النزاع الليبي. ويسود ليبيا، منذ 21 أغسطس/آب الماضي، وقف هش لإطلاق النار، فيما تراهن الأطراف الدولية والعربية على صموده تمهيدا لوضع طرفي الصراع على سكة المصالحة الوطنية.

وقبيل انطلاق جلسة الحوار الليبي في مدينة بوزنيقة (شمال المغرب)، أجرى الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الأحد محادثات مغلقة مع رئيس حكومة الوفاق الوطني الليبية فايز السراج الذي وصل اسطنبول في زيارة غير معلنة.

وتعهد أردوغان بمواصلة دعمه لحكومة الوفاق الوطني خلال اللقاء بالسراج، وفق ما أعلنت الرئاسة التركية التي ذكرت أن الرئيس (أردوغان) "صرح خلال الاجتماع بأن تركيا ستواصل تضامنها مع الحكومة الليبية الشرعية المعترف بها من الأمم المتحدة وأكد أن أولوية تركيا هي استعادة الاستقرار في ليبيا بدون مزيد من التأخير".

ونقلت عن أردوغان قوله إنّ "سلام ليبيا واستقرارها سيفيدان جيرانها والمنطقة بأسرها بدء بأوروبا"، مضيفا أن "المجتمع الدولي يجب أن يتخذ موقفا مبدئيا في هذا الصدد".

وخلال محادثات اسطنبول، تبادل أردوغان والسراج أيضا "وجهات النظر حول سبل تعزيز تعاونهما إلى جانب خطوات للدفاع عن حقوق تركيا وليبيا في شرق البحر المتوسط"، بحسب الرئاسة التركية.

وأثار الاتفاق البحري التركي مع ليبيا غضب اليونان والدول الأوروبية التي تقول إنه ينتهك القانون الدولي.

وتقول مصادر ليبية إن حكومة السراج لم تعد تملك سلطة القرار ولا تملك مفتاح حل الأزمة بل تتلقى أوامر من تركيا التي تتعامل معها بمنطق الوصاية بعد أن أنقذتها من السقوط.

ونشرت الرئاسة التركية على موقعها الرسمي صورة لأردوغان والسراج، بينما لم يدل أي منهما بتصريح للصحافيين.

حكومة الوفاق الوطني عجزت منذ توليها السلطة في مارس 2016 عن كبح انفلات سلاح الميليشيات ومعالجة الأزمات القائمة وسط هيمنة جماعة الإخوان المدعومة من ميليشيات مسلحة

ووقعت أنقرة العام الماضي اتفاقات بحرية وأمنية مع حكومة الوفاق وأرسلت طائرات من دون طيار ساهمت في تغيير مسار النزاع لصالح السراج وحكومته.

وفي تطور آخر أبرمت وزارة الصناعة والتكنولوجيا التركية اتفاقية حسن نوايا مع مصرف ليبيا المركزي لتعزيز التعاون بين الجانبين في مجالات الاستثمار وريادة الأعمال والتكنولوجيا.

وجرت مراسم التوقيع في أحد فنادق مدينة اسطنبول، الأحد، حيث وقع الاتفاقية عن الجانب التركي وزير الصناعة والتكنولوجيا مصطفى ورانك وعن الجانب الليبي الصديق عمر الكبير محافظ مصرف ليبيا المركزي.

ويعتبر هذا الاتفاق ثمرة للتدخل العسكري التركي في ليبيا دعما لحكومة السراج وهو بمثابة مكافأة من ضمن مكافآت كثيرة منحتها سلطة الوفاق لتركيا.

وفي كلمة قبيل التوقيع قال ورانك، إن تركيا وليبيا تواجهان تهديدات عدة على الأصعدة الاقتصادية والسياسية والعسكرية وأنهما تخوضان نضالا معا ضد التهديدات المشتركة.

وشدد على ضرورة تعزيز التعاون في مختلف المجالات بين البلدين لترسيخ هذا النضال المشترك بشكل أكبر، لاسيما بعد التقدم المحرز في المجالين العسكري والسياسي.

وأكد على أنه حان وقت المضي قدما في التعاون في مجالات الاقتصاد والتنكولوجيا وريادة الأعمال والموارد البشرية عبر مشاريع ملموسة.