انفتاح سعودي على شراكة استراتيجية أوسع مع العراق

مباحثات بين مسؤولين سعوديين وعراقيين في بغداد تناولت العديد من الملفات السياسية والأمنية والاقتصادية لبناء شراكة واسعة.
المباحثات تناولت مشروع طريق التنمية ومكافحة داعش
السعودية تستغل الضغوط الغربية على النفوذ الايراني في العراق لملئ الفراغ
المباحثات تناولت التطورات في سوريا
العراق أبدى خلال السنوات الماضية استعدادا للتعاون مع محيطه العربي والخليجي

بغداد/الرياض - تعمل المملكة العربية السعودية على تعزيز علاقاتها مع العراق، في ظل مؤشرات واضحة على تصاعد الضغوط على النفوذ الإيراني داخل هذا البلد الذي لطالما اعتُبر ساحة رئيسية للصراع الإقليمي بين طهران وخصومها العرب وكذلك مع الغرب والولايات المتحدة. وتأتي هذه الخطوة في وقت تشهد فيه المنطقة ديناميكيات متغيرة، تدفع الرياض إلى تكثيف انخراطها في الملف العراقي، سياسيًا واقتصاديًا، في محاولة لإعادة العراق إلى محيطه العربي التقليدي.
وفي هذا السياق، عقدت وزارة الخارجية العراقية، يوم الاثنين، جولة مشاورات سياسية مع نظيرتها السعودية في العاصمة بغداد، في إطار ما وصفته بـ"الزخم الإيجابي الذي تشهده العلاقات الثنائية". وترأس الجانب العراقي وكيل وزارة الخارجية للعلاقات الثنائية، محمد حسين محمد بحر العلوم، فيما قاد الوفد السعودي وكيل وزارة الخارجية للشؤون السياسية والاقتصادية، سعود الساطي.

وتأتي التحركات السعودية بالتزامن مع تنامي الضغوط السياسية والشعبية داخل العراق على النفوذ الإيراني، الذي يواجه تحديات متزايدة في ظل تغير المزاج الشعبي وتزايد الدعوات لاستقلال القرار العراقي بعيدًا عن الوصاية الإقليمية إضافة للجهود الأميركية لنزع سلاح الفصائل المدعومة من طهران. وتستثمر الرياض هذا الظرف لتقديم نفسها شريكًا استراتيجيًا موثوقًا لبغداد، خاصة في مجالي الاقتصاد والطاقة، حيث ترى أن هذا التوجه يمهّد لبناء شراكة طويلة الأمد تضمن الاستقرار والتنمية للعراق، وتحد من اعتماد بغداد على طهران في ملفات حيوية خاصة في المجال الطاقي.
وبحسب بيان رسمي صادر عن وزارة الخارجية العراقية، فإن الطرفين اتفقا على "تعزيز التعاون والتنسيق المشترك في مواجهة التحديات، لا سيما في مجال مكافحة الإرهاب، وتكثيف التشاور بما يخدم المصالح المشتركة ويسهم في استقرار المنطقة وازدهارها". وتعد هذه التصريحات مؤشرًا واضحًا على التقاء الرؤى بين الجانبين حول أهمية بناء شراكة أمنية وسياسية جديدة.
إلا أن اللافت في هذه المشاورات، كان التركيز المتبادل على ملفات التعاون الاقتصادي والاستثماري، حيث أشار بحر العلوم إلى "تحسن كبير في الأوضاع الأمنية والنمو الاقتصادي في العراق، ما يوفر فرصاً واعدة للاستثمار"، في رسالة موجهة للجانب السعودي بأن الوقت بات ملائمًا لتعزيز الحضور الاستثماري الخليجي داخل العراق. كما سلط المسؤول العراقي الضوء على مشروع "طريق التنمية"، الذي يُنظر إليه كأحد أكبر المشاريع الاستراتيجية الرامية إلى ربط العراق بمحيطه الإقليمي، مؤكدًا أنه يشكل ركيزة للاستقرار والازدهار في المنطقة.
من جانبه، ثمّن الساطي التقدم الذي يشهده العراق، معتبرًا أن استقراره يصب في مصلحة المنطقة ككل، ومؤكدًا حرص بلاده على توثيق العلاقات الثنائية. ويرى مراقبون أن السعودية تسعى من خلال هذه الشراكات إلى توفير بدائل اقتصادية وتنموية للعراق، تقلل من اعتماده على إيران، وتفتح أمامه آفاق تعاون أوسع ضمن إطار عربي مشترك.
وإلى جانب الملفات الاقتصادية، شملت المباحثات تطورات القضايا الإقليمية والدولية، وفي مقدمتها الأزمة السورية، حيث أعاد العراق تأكيد دعمه لاستقرار سوريا، محذرًا من تنامي خطر تنظيم "داعش" الإرهابي، في إشارة إلى أن التهديدات الأمنية العابرة للحدود لا تزال حاضرة وتستلزم تنسيقًا إقليميًا واسع النطاق.
كما جدد العراق موقفه الداعم لقيام دولة فلسطينية مستقلة، ما يعكس التقاء المواقف السياسية بين بغداد والرياض في عدد من القضايا الأساسية في المنطقة، وهو ما يمكن أن يُبنى عليه في المرحلة المقبلة لتعزيز المواقف الموحدة داخل الجامعة العربية والمنظمات الدولية.
وفي ختام اللقاء، أكد الطرفان أهمية مواصلة التنسيق لتنفيذ ما تم الاتفاق عليه، وضرورة تكثيف المشاورات بما يخدم المصالح المشتركة ويسهم في استقرار المنطقة وازدهارها، في إشارة إلى التزام سياسي من الطرفين بالمضي قدمًا في تفعيل مخرجات هذه الجولة من المشاورات.
ويبدو أن المملكة، من خلال هذا الانفتاح، تعوّل على شراكة استراتيجية طويلة الأمد مع العراق، تتجاوز الأطر التقليدية للعلاقات الثنائية، وتستهدف إعادة العراق تدريجيًا إلى الحاضنة العربية، بعيدًا عن هيمنة النفوذ الإيراني الذي يواجه، هو الآخر، تحديات داخلية وخارجية متزايدة، قد تفتح المجال أمام قوى إقليمية أخرى لملء الفراغ.