انفلات سلاح الميليشيات يحرج الكاظمي
واشنطن/بغداد - عبرت الولايات المتحدة اليوم الثلاثاء عن غضبها بسبب هجوم صاروخي جديد استهدف أمس الاثنين المنطقة الخضراء وأسفر عن مقتل خمسة مدنيين، داعية السلطات العراقية للتحرك فورا للجم سلاح الميليشيات، فيما وجد رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي نفسه في موقف صعب مع عدم قدرته حتى الآن عن لجم سلاح الميليشيات.
وتشن فصائل شيعية مسلحة هجمات صاروخية على القوات الأميركية وبعثات دبلوماسية أجنبية في المنطقة الخضراء، معتبرة أنها قوات احتلال وتضغط بإيعاز من إيران لإخراجها، وهو ما يسبب حرجا للكاظمي الذي يجد نفسه أمام اختبار صعب للموازنة بين حليفي بلاده الخصمين في آن واحد: الولايات المتحدة وإيران.
وردّ رئيس الوزراء العراقي على الفصائل الشيعية الموالية لإيران، مؤكدا أن القوات الأجنبية في بلاده ليست قوات احتلال وأن وجودها كان بدعوة من الحكومات العراقية المتعاقبة.
وتأتي هذه التطورات بينما تزايدت وتيرة الهجمات الصاروخية على أهداف ومصالح أجنبية، في الوقت الذي يبدو فيه الكاظمي الذي أعلن حملة على انفلات السلاح، أضعف من أن يكبح سلاح الميليشيات ونفوذها.
وقالت المتحدثة باسم الخارجية الأميركية مورغان أورتاغوس "أكدنا من قبل أن أعمال الميليشيات الخارجة على القانون والمدعومة من إيران تظل هي العائق الأكبر أمام الاستقرار بالعراق".
وتتهم واشنطن الميليشيات الشيعية وغالبيتها منضوية تحت قوات الحشد الشعبي، بشن هجمات صاروخية على قواتها ومصالحها، فيما تطالب هذه الميليشيات رئيس الوزراء العراقي بالتعجيل في إخراج القوات الأجنبية من العراق بعد أن تبنى البرلمان العراقي في فترة الحكومة السابقة برئاسة عادل عبدالمهدي، قرار في هذا الشأن.
ويحاول الكاظمي جاهدا لجم تلك الميليشيات، لكن جهوده اصطدمت بتصعيد أكبر دفع واشنطن للتلويح بغلق سفارتها في بغداد والتي سبق أن تعرضت لهجمات ومحاولة لإحراقها على اثر مقتل قائد فيلق القدس الإيراني الجنرال قاسم سليماني ونائب رئيس هيئة الحشد الشعبي العراقي أبومهدي المهندس في غارة أميركية على موكبهما في بغداد فجر الثالث من يناير/كانون الثاني.
كما شنت طائرات أميركية مسيرة غارات جوية على مواقع تابعة لكتائب حزب الله العراقي وقتلت في إحداها 25 من مسلحيها.
وحذّر الكاظمي اليوم الثلاثاء من أن تداعيات كارثية على المنطقة برمتها في حال انسحاب أو غلق أية بعثة دبلوماسية في العراق، فيما أكد عدم وجود احتلال في البلاد.
وقال أحمد ملا طلال المتحدث باسم رئيس الوزراء العراقي في مؤتمر صحافي ببغداد "أي انسحاب أو غلق أية بعثة دبلوماسية لأية دولة سيكون له تداعيات كارثية على المنطقة برمتها".
وأكد أن العراق وحكومته يرفضان تحويل البلاد إلى ساحة صراع بين الولايات المتحدة وإيران، مضيفا أن "الكاظمي أبلغ الوزراء عن جهود الحكومة من أجل أمن البعثات الدبلوماسية".
وفي خطوة يبدو أنها محاولة لاحتواء الغضب الأميركي، أعلن المتحدث باسم الكاظمي أنه تم اعتقال عدد من المتورطين بإطلاق الصواريخ على المنطقة الخضراء والقواعد العسكرية التي تتواجد بها قوات أجنبية.
ولم يكشف أحمد ملا طلال عن هويات من تم اعتقالهم ولا إلى أي فصيل شيعي ينتمون في إعلان يبدو غامضا لعدم إثارة حفيظة الميليشيات الموالية لإيران.
وسبق لقوات مكافحة الإرهاب أن اعتقلت 18 من مسلحي كتائب حزب الله العراقي لكن الحكومة العراقية اضطرت للإفراج عنهم تحت ضغوط وتهديدات فصائل مسلحة قامت باستعراض قوة أمام مقر الحكومة في المنطقة الخضراء.
وكان وزير الداخلية العراقي عثمان الغانمي قد قال في وقت سابق الثلاثاء في مؤتمر صحفي بمحافظة كربلاء، إن "ما حدث أمس يندى له الجبين ووزارة الداخلية العراقية تمكنت من الوصول إلى الجناة".
كما أعلن ملا طلال أيضا عن توقيف 19 ضابطا ومسؤلا أمنيا بعيد أوامر صدرت عن الكاظمي بتوقيف القوة المكلفة بحماية تلك المنطقة لتقاعسها عن أداء مهامها.
وأمر رئيس الوزراء العراقي كذلك بتكليف اللواء الركن حامد الزهيري بمهام قيادة الفرقة الخاصة التي ستتولى حماية المنطقة الخضراء التي تتعرض لقصف صاروخي أثار غضب الولايات المتحدة وقوى سياسية عراقية.
وستتولى هذه القوة حماية السفارة الأميركية ومقار بعثات دبلوماسية أجنبية أخرى والقصر الجمهوري ومبان حكومية.
لكن أوامر الكاظمي أثارت في المقابل استياء عصائب أهل الحق إحدى الميليشيات المتنفذة الموالية لإيران والتي سبق أن وجهت إلى جانب كتائب حزب الله العراقي انتقادات لتحركات رئيس الوزراء.
ولم تمانع كتلة 'صادقون' البرلمانية التي تمثل جماعة عصائب أهل الحق تعين قوة خاصة لحماية المنطقة الخضراء ومقار البعثات الأجنبية، إلا أنها قالت إنها ترفض تواجد أي قوة أجنبية في المنطقة الخضراء بذريعة حماية السفارات والبعثات الدبلوماسية، فهذا يعتبر انتهاكا لسيادة العراق".
ومنذ توليه مهامه خلفا لعادل عبدالمهدي الذي اضطر للاستقالة تحت ضغوط الشارع العراقي، يكابد الكاظمي لإعادة هيبة الدولة وحصر السلاح بيد القوات المسلحة وهي المهمة التي تشبه السير في حقل الألغام، فالمهمة تبدو شبه مستحيلة في ظل هيمنة الميليشيات المسلحة على المشهد العراقي واحتفاظ كل منها بترسانة أسلحة تظاهي ما يملكه الجيش العراقي النظامي.