انقسام القوى المدنية في السودان يبقي الجيش مهيمنا

بعد مرور أكثر من عامين على الإطاحة بالرئيس السوداني السابق عمر البشير وتوقيع اتفاق لتقاسم السلطة بين المدنيين والعسكريين مازال الجيش مسيطرا على مقاليد الأمور وليس هناكما يشير إلى إرادة لدى العسكريين للتخلي عن دورهم المهيمن.
تشكيل المجلس التشريعي الانتقالي أساسي لبدء الرقابة على الجيش
ملف السلام مع المتمردين أصبح بالكامل لدى العسكريين
إعادة الجيش توجيه السياسة الخارجية تُرجمت إلى علاقات وثيقة مع واشنطن

الخرطوم– تناولت مواقع سودانية وصفحات بمنصات التواصل الاجتماعي السبت بكثافة خبرا عن كشف الجيش محاولة انقلابية "خطط لها ضباط نظاميين"، فيما نفى الجيش السوداني الخبر مجددا التزامه بـ"حماية الوطن والفترة الانتقالية"، في تطور يعيد تسليط الضوء على دور المؤسسة العسكرية بعد أكثر من عامين من سقوط نظام عمر حسن البشير.

مازال الجيش السوداني يهيمن على مقاليد الأمور مع تراجع دور القوى المدنية، بعد مرور أكثر من عامين على توقيع اتفاق لتقاسم السلطة بين المدنيين والعسكريين، حسب ما يراه محللون يرجعون ذلك إلى الانقسام الحاصل في صفوف القوى المدنية.

ووقّع العسكريون والمدنيون في أغسطس 2019 اتفاقا لتقاسم السلطة نصّ على فترة انتقالية من ثلاث سنوات تم تمديدها لاحقا بعد أن أبرمت الحكومة السودانية اتفاق سلام مع عدد من حركات التمرد المسلحة في أكتوبر.

بموجب الاتفاق يتولى الجيش السلطة على المستوى السيادي بينما تقود حكومة مدنية ومجلس تشريعي الفترة الانتقالية.

وقال جوناس هورنر من مجموعة الأزمات الدولية “أقام طرفا الحكم (الجيش والقوى المدنية) علاقات ودية بينما يعملان بتناسق متقطع مع احتفاظ الجيش بسلطته بشكل فعّال”.

وأضاف أن “تباطؤ الجيش في الجوانب الرئيسية للفترة الانتقالية أعاق التقدم… والانقسامات الداخلية ونقص القدرات أضرت بقدرة المدنيين في الاستمرار بإدارة الفترة الانتقالية”.

تعمقت الانقسامات داخل قوى الحرية والتغيير، وهو تحالف المعارضة المدني الرئيسي الذي قاد الاحتجاجات المناهضة للبشير عام 2019.

وشهد الدعم الشعبي للحكومة الانتقالية بقيادة رئيس الوزراء عبدالله حمدوك بعض التراجع خلال العامين الماضيين، ويرجع ذلك في جزء كبير منه إلى الإصلاحات الاقتصادية الحكومية التي أثرت سلبا على معيشة العديد من الأسر السودانية.

كما تصاعدت الانتقادات للحكومة بسبب التأخير في تحقيق العدالة لعائلات الضحايا الذين سقطوا تحت نظام البشير وخلال احتجاجات 2019 التي أعقبت الإطاحة به.

وحتى الآن، لم يتم تشكيل مجلس تشريعي بعد في البلاد.

مشاركة عميقة

يقول هورنر “إن تشكيل المجلس التشريعي الانتقالي سيكون أساسيا لبدء الرقابة على الجيش”، موضحا أن “خشية قوات الأمن والأحزاب السياسية القديمة من إضعاف سلطاتها الحالية، أعاقت هذا الإصلاح الحاسم”.

على مدى العامين الماضيين، شارك الجيش بشكل كبير في السياسة الخارجية وأبرم اتفاق سلام مع المتمردين.

وقال مجدي الجزولي المحلل بمعهد ريفت فالي إن “إعادة توجيه السياسة الخارجية للسودان منذ إطاحة البشير يحددها الجيش”، لافتا إلى أنها “تُرجمت إلى علاقات عسكرية وثيقة مع الولايات المتحدة”.

كذلك، يعد اتفاق السودان العام الماضي على تطبيع العلاقات مع إسرائيل أحد الأمثلة على تغير السياسة الخارجية للبلاد، وخطوة قلبت سياسة طويلة الأمد منذ حرب الأيام الستة بين العرب وإسرائيل عام 1967، حسب ما يقول عمر الدقير، أحد قادة قوى الحرية والتغيير.

ففي يناير الماضي وقع السودان على وثيقة أبرهام للتطبيع مع إسرائيل بحضور وزير الخزانة الأميركي ستيفن منوتشين. لكن حمدوك أكد أن الصفقة لن تدخل حيز التنفيذ إلا بعد موافقة البرلمان الذي لم يتم تشكيله بعد.

ورأى الخبير العسكري أمين إسماعيل أن مشاركة المدنيين كانت “خجولة”، حتى في محادثات السلام مع المتمردين. وعلق “أصبح ملف السلام بالكامل لدى العسكريين”.

ففي أكتوبر شهدت عاصمة دولة جنوب السودان توقيع اتفاق سلام تاريخي بين الحكومة السودانية الانتقالية وعدد من الحركات التي حملت السلاح في إقليم دارفور بغرب البلاد وفي ولايتي النيل الأزرق وجنوب كردفان، بسبب التهميش الاقتصادي والسياسي لهذه المناطق.

وشهد توقيع هذا الاتفاق قائد قوات الدعم السريع ونائب المجلس السيادي الحاكم محمد حمدان دقلو المعروف باسم “حميدتي”.

أمر حساس

الجانب الرئيسي الآخر الذي يؤشر إلى هيمنة الجيش هو احتفاظه بالسيطرة على الشركات المربحة المتخصصة في مجالات عديدة، من الزراعة والدواجن وحتى البنية التحتية.

ففي العام الماضي، قال حمدوك إن 80 بالمئة من موارد البلاد “خارج سيطرة وزارة المالية”.

ومع ذلك ليس واضحا كم من حجم هذه الموارد بيد الجيش.

وقال مصدر عسكري طلب عدم ذكر اسمه إن تدخل المدنيين في أي من الشؤون العسكرية يظل أمرا “حساسا”.

وأضاف المصدر أن “دعوات المدنيين لإصلاح المؤسسة العسكرية ستظل تواجه بمقاومة من جانب العسكريين”.

وكان القادة المدنيون والحركات المتمردة السابقة يضغطون من أجل إجراء إصلاحات في الجيش تشمل دمج القوات شبه العسكرية والجماعات المسلحة داخل الجيش النظامي.

وبحسب الدقير، فشل اتفاق تقاسم السلطة لعام 2019 في تحديد مسؤولية الإشراف على الإصلاحات الأمنية. وقال إن وثيقة الاتفاق “لم تحدد ذلك بشكل قاطع وتركتها تشاركية بين المدنيين والعسكريين”.

ومع ذلك، يعتقد هورنر أن المرحلة الانتقالية تتطلب أن يمارس المدنيون “في نهاية المطاف الإشراف على الجيش”. وأضاف “لكن ليس هناك ما يشير إلى إرادة لدى العسكريين للتخلي عن دورهم المهيمن”.