ان مت ظمآنا في كردستان فلا نزل القطر

من الضروري عدم رضوخ السياسي الكردستاني لضغوط التوقيتات الدستورية التي تفرضها الاحزاب الشيعية.

لست من المؤمنين بكلمة "لو" عندما تأتي بصيغة التمني، خاصة في عالم السياسة. ففي الكثير من الاحيان تفرض التطورات السياسية نفسها دون ان تستطيع التخلص منها، لكن هناك دائما اثرا ايجابيا في مراجعة المواقف المتخذة والبحث عن امكانية تحوير مسار التطورات السياسية، لتلافي خسائر اكبر خصوصا عندما تكون المواقف المتخذة حديثة يمكن تلافيها.

فقد مضت اشهرعديدة على اعلان نتائج الانتخابات العراقية كانت كافية لاي طرف عراقي للاستعداد بشكل جيد قبل الدخول في مفاوضات تشكيل الحكومة في بغداد، ومن ضمن هذه الاطراف طبعا الاحزاب في كردستان . في تصوري ان هناك بعض الهفوات وقع فيها المفاوض الكردستاني يتوجب علاجها او تلافي اثارها تتلخص في النقاط التالية:

- امضت احزاب الاغلبية في كردستان (الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني) فترة طويلة في محاولة التوصل الى اجماع كردستاني واعادة التحالف الكردستاني الى سابق عهده، بغية الدخول من موقع القوة الى مفاوضات تشكيل الحكومة القادمة مع الاطراف في بغداد، لكن باءت محاولاتهم هذه بالفشل (لغاية اليوم على الاقل)، لإصرار احزاب المعارضة على البقاء خارج السرب الكردستاني الموحد كما هو حالهم دائما. وكان الاجدى بالديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني بدلا من اضاعة جهودهما في هذا المنحى، ان يركزا على ضرورة توقيع احزاب المعارضة في كردستان على ميثاق شرف تبدد مخاوفهما من انجراف تلك الاحزاب الى المساومة على الثوابت الكردستانية للحصول على منصب هنا او هناك في اي مفاوضات يدخلونها بمفردهما مع الاطراف العراقية، مثل المساومة على تطبيق المواد المتعلقة بالمناطق المستقطعة، او ملف تصدير النفط من كردستان، او ملف البيشمركة.

- ان دخول الاطراف الكردستانية المفاوضات وهم يحملون الثوابت الكردستانية كمطالب للتفاوض عليها كان خطا اضعف الموقف الكردستاني، وجعل المفاوض الشيعي يفاوضهم على هذه الثوابت والتي هي حقوق غير قابلة للنقاش كردستانيا ومكفولة دستوريا. وكان يفترض بالاطراف الكردستانية طرح مطالبهم الدستورية تلك على الكتل الشيعية رسميا منذ ظهور نتائج الانتخابات، ثم نشرها في الاعلام، ثم انتظار ردود افعال الكتل الشيعية المتنافسة في قبولها لهذه المطالب قبل عقد اي اجتماع معهم. وبالتالي فان المفاوضات كانت ستتجاوز الثوابت الكردستانية وتركز على قضايا اخرى اقل اهمية للكرد.

- هناك اليوم منافسة محمومة بين اميركا وايران على تشكيل الحكومة العراقية من الاطراف الشيعية الموالية لكل طرف، وفي الاونة الاخيرة تسارعت وتيرة الاجتماعات بين الاطراف العراقية على حدة، وبينها وبين الطرف الاميركي والايراني من ناحية اخرى، للتعجيل في تشكيل هذه الحكومة كل حسب اجنداته. وتصاعدت الضغوط الاميركية والايرانية على الاطراف العراقية للحاق بالتوقيتات الدستورية وعدم تجاوزها، وبالتاكيد فان هذه الضغوط قد شملت الاحزاب الكردستانية ايضا، ويمكن ملاحظة ذلك من خلال الزيارات المكوكية لماكغورك مبعوث الرئيس الاميركي الى العراق وكردستان.

من الضروري عدم رضوخ السياسي الكردستاني لضغوط التوقيتات الدستورية، بل عليه التأكيد على ضرورة تطبيق الاطراف العراقية للدستور دون انتقائية، ووفق ضمانات دولية، حتى وان ادى ذلك الى تأخر تشكيل الحكومة، فليس مهما عند السياسي والمواطن الكردستاني تشكيل الحكومة العراقية بقدر ما يهمه ان يكون مستقبله امنا في ظل تلك الحكومة.

الشراكة - التوازن - التوافق هي مبادئ رئيسة يؤكد على تطبيقها الرئيس بارزاني في اية مباحثات مع الاطراف العراقية. لكن كيف يمكن تحقيق هذه المبادئ في ظل حكومة لا تؤمن بتطبيق الدستور خاصة المتعلقة بكردستان؟

ان حكومة لا تؤمن بتطبيق المواد المتعلقة بالمناطق المستقطعة لن تستطيع ترسيخ مبدأ التوازن معها.. وحكومة لا تعمل على حل ملف تصدير النفط الكردستاني لا يمكن الحديث معها عن اية شراكة.. وحكومة لا تعتبر البيشمركة جزءا من المؤسسة الامنية العراقية، لا يمكن الحديث معها عن اي توافق. وبالتالي فعلى الاخرين في بغداد اعطاء تعهدات مكتوبة بضمانات دولية لتحقيق هذه المبادئ والنقاط كي تشارك كردستان بفعالية في الحكومة القادمة، وبعكسه فان المشاركة في الحكومة القادمة دون اتفاقيات وضمانات بتطبيق تلك المبادئ سيعني دعما لحكومة تضطهد الكرد وتغبن حقوقهم. وبالتالي فان موضوع تشكيل الحكومة من عدم تشكيلها لا يعني لنا نحن الكردستانيون شيئا دون تثبيت حقوقنا، وكما قال الشعر العربي.. ان متت ظمآنا فلا نزل القطر.