ايران وسوريا... وكوريا الشمالية

يبقى الفارق الأكبر بين ايران وسوريا انّ ايران لا تزال موجودة ولدى علي خامنئي ما يورثه لنجله. لا شيء من هذا في سوريا.
ما خطط له خامنئي يندرج في سياق واضح يصب في تمكين نجله مجتبى من خلافته
لا يمكن البناء على نظام جاء بانقلاب عسكري وكان وراءه حزب البعث، بكلّ تخلّفه
عندما يعترض الغرب على الانتخابات السورية، فهو يضع فيتو على إعادة اعمار سوريا في ظل النظام الحالي

هناك فارق بين الانتخابات الرئاسية في سوريا وتلك التي ستجري في ايران الشهر المقبل. في "الجمهوريّة الاسلاميّة" حيث فرض "المرشد" علي خامنئي مرشّحه إبراهيم رئيسي، المعروف بتشدّده، ليكون خليفة حسن روحاني، هناك في ايران محاولة لإنقاذ النظام من داخل النظام. هل هذا ممكن؟ هذا السؤال سيطرح نفسه بحدّة في المستقبل القريب في ظلّ رهان ايراني على ان الإدارة الأميركية مصرّة على العودة الى الاتفاق النووي مع ايران الموقع صيف العام 2015 في عهد باراك اوباما.

سيكون الرهان الإيراني، رهان "المرشد" اوّلا على جني ثمار العودة الى الاتفاق مع الولايات المتحدة. يظلّ رهان "المرشد"، في أساسه، على رفع العقوبات الأميركية، وان جزئيا، ووصول ايران الى مليارات الدولارات تستخدمها في الداخل من اجل تحسين وضع المواطن العادي الذي يعاني من تدهور الوضع الاقتصادي الى درجة كبيرة.

إضافة الى ذلك، عبر التمهيد لتولي إبراهيم رئيسي، وهو رجل "المرشد" رئاسة الجمهورية، تجري محاولة لادخال تعديلات جذريّة على طبيعة النظام من اجل انقاذه. ما خطط له خامنئي يندرج في سياق واضح يصبّ في تمكين نجل "المرشد" ويدعى مجتبى من خلافة والده.

ليس سرّا ان "المرشد" هو كلّ شيء في نظام ولاية الفقيه الذي اسسه آية الله الخميني، وهو النظام الذي يتحكّم بايران منذ العام 1979 حين فرض دستور، لا علاقة له بالديموقراطيّة، اعتمد احترام مقاييس ومواصفات معيّنة يلتزمها كلّ من يتولّى موقعا رسميا. من الواضح انّ الخميني، الذي وضع ايران في عهدة رجال دين يؤمنون بنظرياته، في مقدّمها ولاية الفقيه، استبعد افراد عائلته من الخلافة. كان متوقّعا ان يحل مكانه في مرحلة معيّنة حسين منتظري، خصوصا في مرحلة ما بعد انكشاف فضيحة "ايران غيت" التي تضمنت حصول ايران على أسلحة إسرائيلية في اثناء حربها مع العراق في ثمانينات القرن الماضي. لكنّ منتظري تعرّض لحملة قادها هاشمي رفسنجاني أدت الى ازاحته مع كبار مساعديه الذين كشفوا "ايران غيت". ساعد ذلك في حلول خامنئي في موقع الوليّ الفقيه اثر وفاة الخميني في العام 1989.

في كلّ الأحوال، تبدو ايران مقبلة على تغييرات داخلية تمسّ طبيعة المظام يريد خامنئي تفاديها عبر توريث ابنه وجعله موقع "المرشد". هل ينجح في ذلك؟ الأكيد انّه سينجح نسبيا، في غياب مفاجأة كبيرة، نظرا الى انّه يمتلك كل السلطات في "الجمهوريّة الاسلاميّة" وهو الآمر الناهي في كلّ صغيرة وكبيرة. ما ليس أكيدا بقاء النظام الإيراني على حاله عندما يحلّ مجتبى خامنئي مكان والده الذي لم يكن يمتلك أصلا المؤهلّات الدينية التي تسمح له بخلافة الخميني. سيكون التحدي الجديد في ايران من نوع مختلف عن تلك التي تواجه النظام السوري الذي استطاع منذ ما يزيد على عشرين عاما اعتماد مبدأ التوريث. يختزل سؤال واحد التحدي الذي يواجه نظام الوليّ الفقيه: هل في استطاعة ايران ان تصبح كوريا شماليّة أخرى، أي نظام جمهوري قائم على التوريث؟

سبقت سوريا ايران في اعتماد التوريث. سبقتها في تقليد كوريا الشماليّة التي استطاع فيها كيم ايل سونغ تأسيس سلالة وتوريث نجله الذي ورّث بدوره نجله كيم جونغ اون. لا يزال خامنئي يحاول توريث نجله. استطاع النظام الكوري بلوغ الجيل الثالث من عائلة كيم. استطاع النظام السوري بلوغ الجيل الثاني في السنة 2000. نراه حاليا في طريق سعي بشّار الى توريث نجله حافظ في يوم الايّام. مهّد لذلك بالقضاء على الطموحات السياسية لآل مخلوف الذين كانوا شركاء في السلطة في ظلّ صعود نجم أسماء الأخرس الأسد.

يبقى الفارق الأكبر بين ايران وسوريا انّ ايران لا تزال موجودة ولدى علي خامنئي ما يورثه لنجله. في المقابل، لم يعد يوجد بلد اسمه سوريا كي يتمكّن بشّار من توريث نجله حافظ.

اصرّ النظام السوري على تنظيم انتخابات رئاسية وذلك كي يضفي شرعيّة على نظام لم يمتلك يوما ايّ شرعيّة من أي نوع وذلك منذ الانقلاب العسكري الذي أطاح في الثامن من آذار – مارس 1963 المحاولة الأخيرة لإنقاذ سوريا وعودتها دولة طبيعية.

لا يمكن البناء على نظام ولد من رحم انقلاب عسكري كان وراءه حزب البعث، بكلّ تخلّفه، ثم مجموعة من الضباط العلويين، بعد انقلاب 23 شباط – فبراير 1966، وصولا الى تفرّد حافظ الأسد بالسلطة ابتداء من 16 تشرين الثاني – نوفمبر 1970. اقام حافظ الأسد نظاما خاصا به مستعينا ببعض المظاهر مثل سنّة الريف السوري وذلك من اجل تغطيّة علويّة السلطة. تمكّن من تقليد كوريا الشماليّة التي كان معجبا بها اشدّ الاعجاب، خصوصا ان كيم ايل سونغ نجح نجاحا منقطع النظير في تحويل الكوريين في الشمال الى مجرّد عبيد لديه. كان مطلوبا من السوريين البقاء عبيدا، الى ابد الآبدين، لولا ثورتهم المستمرّة التي بدأت في آذار – مارس 2011، أي منذ ما يزيد على عشر سنوات.

الفارق بكل بساطة ان لدى ايران املا بان تتحوّل الى كوريا شمالية أخرى. ذلك ممكن اذا اخذنا في الاعتبار الدعم الصيني من جهة والسعي الى امتلاك السلاح النووي من جهة أخرى.

لماذا لا امل لسوريا باستكمال التحوّل الى كوريا شمالية حقيقية؟ يعود ذلك الى سبب في غاية البساطة. يتمثّل هذا السبب في ان سوريا تحت خمسة احتلالات هي الإيراني والروسي والتركي والأميركي والإسرائيلي. اكثر من ذلك، لا يريد بشّار الأسد اخذ العلم بما حلّ بالبنية التحتية السورية.

عندما يعترض الاميركيون والاوروبيون على الانتخابات الرئاسية السورية، انّما يضعون فيتو على إعادة اعمار سوريا ما دام النظام القائم موجودا. هل يستطيع بشّار الأسد استيعاب انّ النظام السوري انتهى وانّ المهمة الوحيدة التي يؤديها واضحة كلّ الوضوح. تتمثّل هذه المهمّة في تفتيت سوريا كي لا تقوم لها قيامة في يوم من الايّام.